أكاديميون يناقشون أزمة السياسة والأحزاب في المغرب.. أزمة فعل أم أزمة صورة

نظّمت مؤسسة الفقيه التطواني، مساء الأربعاء 4 يونيو الجاري، بمقرها في مدينة سلا، ندوة فكرية تحت عنوان: « السياسة اليوم: أزمة فعل أم أزمة صورة؟ »، بمشاركة عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي، الذين ناقشوا التحولات التي تعرفها السياسة بالمغرب، بين تراجع الأدوار وتغير صورة الفاعل السياسي في أعين المجتمع.
في مداخلته، قدّم محمد الساسي، الأستاذ الجامعي والفاعل السياسي، قراءة نقدية في بنية ووظائف الأحزاب السياسية المغربية، متوقفًا عند محدودية قدرتها على تأطير المواطنين وتجديد نخبها، فضلاً عن صعوبات اندماجها في الدينامية المجتمعية. وأبرز الساسي أن المشهد الحزبي المغربي شهد، منذ سنة 1996، بروز الحزب الإسلامي إلى جانب أحزاب الحركة الوطنية وأحزاب الإدارة، ما أدى إلى تحول في طبيعة العمل الحزبي، إذ أصبح الهدف الأساسي هو المشاركة في الحكومة، لا الحكم.
واستشهد الساسي بتصريحات كل من الراحل امحمد بوستة، الذي قال إن مشاركة حزبه في الحكومة كانت تعني « تطبيق برنامج الملك »، وعبد الإله بنكيران الذي صرح أنه « يساعد الملك »، ليستنتج أن العمل الحزبي فقد استقلاليته الفكرية والسياسية، حيث أصبحت كل الأحزاب تقبل بسيادة واحدة، وبتوجه سياسي موحد، ما جعله يصف المشهد بأنه « حزب واحد بأسماء متعددة ».
من جهته، تحدث الباحث والإعلامي محمد الخمسي عن دور الوسائط التقليدية والرقمية في صناعة الصورة السياسية، مؤكداً أن الأحزاب باتت تعطي أهمية متزايدة لصناعة الصورة باعتبارها امتدادًا للفعل السياسي، ووسيلة أساسية لتشكيل الرأي العام.
وفي السياق نفسه، تطرق الناشط الأمازيغي محمد عصيد إلى التمثل الاجتماعي للسياسة، مبرزًا أن العديد من الدراسات، خاصة المتعلقة بالشباب، أظهرت تراجع الثقة في الأحزاب والنفور من العمل السياسي، مرجعًا ذلك إلى الربط بين السياسة والفساد والكذب والتضليل. كما أشار إلى الخلل القائم في علاقة الدولة بالمجتمع، والذي يعكس، بحسبه، عدم اكتمال البناء الديمقراطي.
بدورها، ناقشت كريمة غراض، الباحثة في الشأن البرلماني، صورة الفاعل السياسي من خلال تقييم الأداء التشريعي والرقابي للبرلمان. وأوضحت أن الحكومة تهيمن على التشريع، مستدلة بتقديمها لـ38 مشروع قانون، مقابل 4 فقط من البرلمان خلال الولاية الحالية. كما نبهت إلى مظاهر غياب النواب، وفشل المعارضة في تفعيل ملتمس الرقابة، إضافة إلى استغلال الكوطا النسائية من طرف بعض الأحزاب لتمكين الأقارب من دخول البرلمان، ما يكرّس صورة سلبية عن العمل السياسي.
من جانبه، تساءل الباحث كمال الهشومي عما إذا كانت السياسة تعاني من أزمة تمثُّل أم إخفاق وظيفي؟، مشيراً إلى أن التحول من « السياسي الملتزم » إلى « السياسي المؤثر » ساهم في اختزال السياسة في مشهدية سطحية، وأفرز انفصاماً بين المعنى السياسي الحقيقي والعرض الإعلامي، مضيفًا أن الإعلام يسهم في هذه الأزمة من خلال إعادة إنتاج المشهد السياسي بصيغة مثيرة لا تعكس الواقع.
أما أستاذ العلوم السياسية منار السليمي، فقد خصّص مداخلته لتحليل المفاهيم المرتبطة بالسياسة والسياسي، معتبرًا أن السياسة تعني قواعد للحكم، تمثيلاً نيابياً، وصراعًا منظمًا، تتقاطع مع مفاهيم التنشئة والثقافة السياسية. كما أشار إلى تحول النخب السياسية، من نخب قادمة من التعليم والوظيفة العمومية إلى نخب تقنوقراطية ومسيري شركات، لافتًا إلى اختفاء مصطلحات كانت حاضرة بقوة في الخطاب السياسي المغربي، مثل « التعاقد السياسي » و »الانتقال الديمقراطي ».
وتأتي هذه الندوة في سياق نقاش عمومي متجدد حول مستقبل العمل السياسي بالمغرب، وسبل استعادة الثقة في المؤسسات والفاعلين السياسيين، في ظل ما يصفه العديد من المراقبين بـ »أزمة المشهد الحزبي »، وتراجع الأدوار التأطيرية والتمثيلية للمؤسسات المنتخبة.