اخبار

في تجريد الغزيّين من إنسانيّتهم لتجريدهم من الأرض..

لعل أبرز انطباع يخرج به المتابع بمثابرة لما تنشره أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في معرض تسويغ مبرّرات استمرار حرب الإبادة في قطاع غزّة، تصعيد لهجة تجريد الغزّيين من إنسانيتهم بغية تجريدهم لاحقًا من أرضهم. وهو ما عبّر عنه مثلًا في الوقت الحالي الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، مئير بن شبات، في مقالته “الفكرة المُوجهة: النصر أولًا”، قبل أيام في صحيفة مكور ريشون، اليمينية، واجتهد فيه أكثر من أي شيء آخر في تأكيد أن التفكير أن في الوسع إحداث تغيير جوهري في قطاع غزّة فقط من خلال تغيير سلطة حركة حماس يتغاضى عن التغلغل العميق لأيديولوجيا هذه الحركة وعناصرها بين صفوف السكّان كافة. وهذا يعني، من ضمن أمور أخرى، أن “حماس” ستظل القوة المركزية في القطاع إلى إشعار آخر. وبناء على ذلك، لن يكون بمقدور أي جهة باستثناء الجيش الإسرائيلي أن تقف في وجهها، وأن تمنع التأهيل السريع لمقدراتها العسكرية والسلطوية.

قبل بن شبات، نشر “معهد القدس للاستراتيجيا والأمن” الذي يعبّر عن مواقف اليمين الإسرائيلي الجديد الحاكم، ورقة سياسات بعنوان “لا يوجد أناس صالحون في غزة” كتبها باحثان من المعهد هما أيضًا ضابطان في الاحتياط، خلصت إلى عدة استنتاجات أبرزها أن انعدام أناس صالحين في غزة يعكس مجتمعًا اختار، على نحو جماعي مطلق، أن يرى في العنف و”الإرهاب” وسيلة مشروعة من أجل تحقيق أهدافه الوطنية. وفي ضوء ذلك فإن الفهم الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية الحالية للواقع في غزة، والذي يعتبر غزة كلها قاعدة لـ “الإرهاب”، هو فهم واقعي وواع لا يجوز التخلّي عنه تحت أي ظروف. ومن أجل تغيير هذا الواقع، على إسرائيل أن تتبنّى نهجًا جديدًا، عملياتيًا وديموغرافيًا واستراتيجيًا. وثمّة تشديد على أنه حتى في حال تم نفي قادة حماس وتفكيك الحركة، فإن ما تصفه بأنه “وعي جمعي في غزّة” قادر على إنتاج تنظيمات جديدة تواصل مسار “الإرهاب”. ولذا السبيل الأمثل لقطع دابر “الإرهاب” في القطاع يمرّ عبر تشجيع هجرة السكّان الغزيين في ضوء رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعبر تفكيك جميع البنى التحتية الإرهابية القائمة. وفي قراءة الباحثين/ الضابطين هذه المفاهيم هي جزء لا يتجزأ من منظومة التعليم، ومن الخطاب الإعلامي، ومن المحتوى المتداول على شبكات التواصل الاجتماعي. وإن أحد العوامل المركزية التي تُمكّن هذا النمط من التعليم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تأسست بعد عام 1948، وتحوّلت من مجرد هيئة إغاثة إلى منظومة تعليمية تُروّج مضامين تعليمية صادرة عن السلطة الفلسطينية وتتضمّن تحريضًا وتشجيعًا على إيذاء اليهود، وشطبًا لدولة إسرائيل من الخرائط، وتمجيدًا للشهيد نموذجًا يُحتذى به.

وتخاطب الورقة دول الغرب، التي موّلت “أونروا” بمليارات الدولارات على مدى الأعوام، قائلة إن هذه الوكالة تحوّلت إلى جهاز مزدوج: من جهة تعليمي، ومن جهة أخرى أيديولوجي. فضلًا عن أنها آلية فقدت صلاحيتها، وأمست غايتها الحقيقية الإبقاء على واقع اللجوء والحفاظ على حالة العداء، وبالتالي فالأونروا ليست فقط جزءًا من المشكلة، بل هي أيضًا من المحرّكات الرئيسية للصراع.

ولا تقف هذه المواقف المتطرّفة عند التحليل أو عند ما تعتبره تشخيصًا غير قابل للتأويل، كما لمّحنا، بل تنتقل إلى رسم ملامح المسار الذي يجب أن تغذي إسرائيل السير فيه تحت غطاء حرب الإبادة المستمرّة ضد غزّة. ومن أبرزها ملمحان يُلاحظ أن ثمة تشديدًا عليهما في الآونة الأخيرة: الأول، تصعيد سياسة تجويع أهل غزّة عبر التحكّم في توزيع المساعدات الإنسانية من خلال ما تسمّى “خطة الفصل الإنساني” التي تطبقها إسرائيل. والثاني تجريد الفلسطينيين من الأراضي التي احتلها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة، وكذلك من أراض إضافية يخطّط لاحتلالها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى