جرائم المستوطنين تتفاقم… وإسرائيليون يحذرون من لحظة الغليان
يلتئم المجلس الوزاري السياسي– الأمني الإسرائيلي المصغّر، بعد ظهر اليوم الأحد، للتداول في عدة قضايا، منها التصعيد في الحلبة الفلسطينية، ولكن من غير المتوقع أن تبادر حكومة الاحتلال لخطوات للجم المستوطنين، الذين يتلقون ضوءاً أخضر منها، وتشجّعهم على مواصلة مسلسل جرائمهم، ما ينذر بانفجار حالة الاحتقان المقتربة من لحظة الغليان.
ومن أجل تخفيف ضغوط داخلية وخارجية عنها، ربما تحاول حكومة الاحتلال، اليوم، اتخاذ قرار بدعم السلطة الفلسطينية، من ناحية الكفّ عن مصادرة أموالها المستحقة، أو السماح للمزيد من العمال الفلسطينيين، ومن غير المستبعد أن يبقى حتى هذا حبراً على ورق. المؤكد أن حكومة الاحتلال ستواصل منح المستوطنين الضوء الأخضر للقيام بما يحلو لهم من انتهاكات واعتداءات ومواصلة جرائم القتل والسلب والنهب للأرض وما فيها من موارد، وسدّ الآبار، وسرقة المياه في الضفة الغربية المحتلة. وهذا أصلاً ما تَطَلَّعَ إليه المستوطنون عندما أرسلوا للكنيست سفراءهم في الانتخابات العامة الأخيرة، وصار نواب “القوة اليهودية”، أمثال إيتمار بن غفير، ونواب “الصهيونية الدينية” أمثال باتسلئيل سموتريتش وزراء، ومسؤولين عن الأمن، وهم في الواقع إرهابيون، وفق قرارات محاكم إسرائيلية أيضاً. يفعل هؤلاء ما يحلو لهم دون اكتراث لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي تصفه أوساط إسرائيلية بـ “المجرور” أو “الأسير” بيد ثلة من زعران التلال ممن صاروا وزراء في حكومته ويهددونه بإسقاطها بحال مُنعوا من تطبيق رؤيتهم الإجرامية.
في المقابل هناك من يؤكد أن نتنياهو لا يختلف في جوهره ورؤيته السياسية عن غلاة المستوطنين حتى وإن اختلف بأساليب العمل، فهو الآخر طامع نصير لـ “أرض إسرائيل الكاملة”، كما ينعكس في كتبه.
بين هذا وذاك، لم يعد حتى جيش الاحتلال قادراً على ردع عصابات المستوطنين عن اعتداءات مفضوحة سافرة وخطيرة بسبب الدعم الذي يتلقونه من وزرائهم داخل المؤسسة الحاكمة، وحتى شرطة الاحتلال لم تجر بعد تحقيقاً باعتدائهم على برقة الفلسطينية. فيما أطلقت محكمة إسرائيلية، مساء السبت، سراح اثنين من المستوطنين المشتبه بهم بالمشاركة في جريمتهم في القرية.
حانت لحظة التطبيق
بموجب منظمات حقوقية إسرائيلية أيضاً تضاعفت جرائم المستوطنين على أشكالها داخل الضفة الغربية المحتلة، منذ تشكيل حكومة نتنياهو السادسة، في مطلع العام الجاري، وهذا يتجلى في ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين، وفي بناء عشرات البؤر الاستيطانية التي تبدو خلايا سرطانية داخل الأراضي الفلسطينية. مثلما يتجلى أيضاً تصعيد المستوطنين إجرامهم اليومي في إحراق حوارة وترمسعيا، وفي تهجير مزارعي منطقة مسافر يطا جنوب الخليل في وضح النهار. هذا، وغيره الكثير، يحدث يومياً داخل الضفة الغربية ضمن رؤية “حسم الصراع” التي أعلن عنها وزير المالية ووزير الأمن الإضافي في وزراة الأمن سموتريتش (“وزير الأبرتهايد” وفق تسمية المعارضة الإسرائيلية)، في 2017، وبموجبها ينبغي الانتقال من إدارة الصراع مع الفلسطينيين إلى حسمه بالحديد والنار، وبإطلاق يد زعران المستوطنين ضد سكان الضفة الغربية بوعي مسبق أن ذلك يستدرج عمليات ثأرية فلسطينية تؤدي لحالة احتراب غير مسبوقة ودوامة من سفك الدم، تؤدي في نهاية المطاف لحسم الصراع عنوة وبالقوة المفرطة.
تحذيرات المؤسسة الأمنية
وقبيل عملية تل أبيب، مساء أمس، قدّمت المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) تقريراً لنتنياهو حذّرت فيه من مخاطر انفجار الأوضاع في الضفة الغربية، واتساع المقاومة الفلسطينية بشكل كبير، رداً على انتهاكات المستوطنين وانفلاتهم ضد الفلسطينيين، داعية لـ “ضبط الأمور” بسرعة، وفق ما تؤكده صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم.
وهذا ما يؤكده رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، المدير الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب تامير هايمان، الذي يحذّر من تدهور خطير سريع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ويعلل ذلك بالقول إن جموع الشباب الفلسطينيين من دون أفق، ويشعرون أنهم محاصرون، وأن السلطة الفلسطينية على حافة الانهيار.
في المقابل؛ يؤكد هايمان، في تصريح للإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم، أن الواقع المتفجر داخل الضفة الغريبة لم يتغير، بعد عملية واسعة في مخيم جنين، وفي المقابل تغيّرت سياسات إسرائيل: “الحكومة باتت تعزّز قوة المستوطنين، وإضعاف صلاحيات الجيش في ظل تدخل وزراء متشددين بالقرارات، ودعم المستوطنين، ومنحهم الضوء الأخضر ليفعلوا ما يحلو لهم من اعتداءات، وهذا يؤدي لاحتكاك خطير مع الفلسطينيين، ولتصعيد أمني أشد خطورة.
ويحذّر هايمان من مخاطر التدهور الأمني في الحلبة الفلسطينية، وهي برأيه مهملة من قبل حكومة نتنياهو رغم كونها أخطر الساحات وأكثرها قابلية للانفجار، لا سيما أن الجيش يجد نفسه أمام وضع جديد ومقيّد، وهذا بالتزامن مع الانقسامات السياسية التي تسللت لصفوفه. وتابع: “نحن في تدهور أشد خطورة من التوتر مع إيران ومع “حزب الله” في الشمال”.
وتبعه المحاضر في جامعة تل أبيب دكتور ميخائيل ميليشتاين (رئيس شعبة الدراسات الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية سابقاً) فقلّل من أهمية تهديدات السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق والتعاون الثنائي والإقليمي، ومن ردود الفعل الفلسطينية الرسمية، كدعوة أمين اللجنة التنفيذية حسين الشيخ للمجتمع الدولي لاعتبار حزب “قوة يهودية”، برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، منظمة إرهابية. لكن ميليشتاين يؤكد أن الاحتكاكات المتزايدة مع الفلسطينيين، واعتداءات المستوطنين عليهم، كما حصل في برقة، تنذر بتصعيد خطير. لافتاً إلى أن العملية في مخيم جنين، قبل نحو الشهر، رغم أهميتها، لا تحمل حلاً، مثلما أن السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول ليس الحل، في ظل عدم وجود رؤية بعيدة المدى لدى حكومة الاحتلال.
ورداً على سؤال، يشدد ميليشتاين أنه على حكومة الاحتلال صياغة إستراتيجية لكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية. فـ “نحن ذاهبون نحو كارثة”.
وينبّه أيضاً إلى أن عملية تل أبيب تذكيرٌ بأن الاحتلال يؤدي لمقاومة الاحتلال، وانضمام أعداد أكبر من الفلسطينيين للمقاومة، والقيام بالثأر.
ميليشتاين: على إسرائيل الآن، وحالاً، تعزيز قوة السلطة الفلسطينية من الناحية المالية بدلاً من معاقبتها. على الحكومة أن تقوم بمنع اعتداءات أوساط من المستوطنين.
ومضى في تحذيراته: “دون مبادرة من طرفنا ستزداد قوة منظمات المقاومة، وتغرق السلطة الفلسطينية بالكامل. وعلى إسرائيل أن تختار بين السيء وبين الأسوأ”.
ميليشتاين، المؤيد لتسوية الدولتين، يرى أنه “على إسرائيل الآن، وحالاً، تعزيز قوة السلطة الفلسطينية من الناحية المالية بدلاً من معاقبتها. على الحكومة أن تقوم بمنع اعتداءات أوساط من المستوطنين”.
روايات كاذبة
وهذا ما تؤكده صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، بعنوان: “الإرهاب اليهودي يرفع رأسه”، بقولها إن الانقلاب على النظام، الذي تشهده إسرائيل، هو وسيلة، أما الهدف فهو فرض نظام فصل عنصري (أبرتهايد) رسمي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
من جهته، ذهب محلل “هآرتس” (التي تغرّد خارج السرب الصحفي العبري) العسكري الكاتب الصحفي عاموس هارئيل للتأكيد على أن “المعتدين المستوطنين يتمتعون بدعم مباشر من الحكومة، ما يتيح لهم مواصلة الانتهاكات، والزعم، في نفس الوقت أنهم ضحايا”.
وضمن انتقاداته، توقعَ هارئيل أن يتم إطلاق سراح المستوطنين المعتدين على قرية برقة، كما حصل في اعتداءات سابقة، ويقول إن الحملات المسمومة ضد ضباط الجيش من قبل مستوطنين، علاوة على تنديدات فاترة من قبل وزراء، كل ذلك تعبير إضافي لنفوذ المستوطنين المتشددين في الحكومة.
ويتابع بلهجة ساخرة: “نغامر بالقول إنه حتى المستوطن المعتقل المشتبه به بقتل قصي معطان فوق أرضه في برقة لن يخضع لمحاكمة، بل من المشكوك به أن تقدم لائحة اتهام ضده، وقريباً جداً سنسمع روايات كاذبة للتغطية على اعتدائهم على برقة”.
هذه الاعتداءات التي باتت يومية وسافرة، وبدعم حكومي وقح، دفعت الإدارة الأمريكية لتصعيد لهجة الاستنكار، كما يبدو في بيان الخارجية الأمريكية، الذي دان بشدة عنف المستوطنين، وجريمة قتل الشاب الفلسطيني، داعية لمحاكمة عادلة وشفافة.
وتبعتْها القنصلية البريطانية في تل أبيب داعيةً لمحاسبة ومحاكمة المعتدين، فيما اكتفت السفارة الألمانية بالتعبير عن قلقها من التصعيد.