اخبار

من “سبت سارة” إلى “يوم فرنسا بالخليل”: تهويد المدينة بذريعة الأعياد اليهودية

إن كان إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي، للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، ومنع رفع الآذان أمرا متكررا بحسب ما تشير إلى ذلك التقارير التوثيقية الصادرة عن وزارة الأوقاف الفلسطينية، فإن ما تعرض له الحرم الإبراهيمي قبل فعل إغلاقه مساء الثلاثاء ولغاية مساء الأربعاء (اليوم) يعتبر أمرا لافتا وجديدا.

لقد شارك مئات المستوطنين المدججين بالسلاح (قدر عددهم بالألف)، في مسيرة استفزازية جابت شارع الشهداء وحي السهلة وصولا إلى الحرم الإبراهيمي الشريف في البلدة القديمة وسط مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة.

والمختلف في هذه المسيرة أنها حملت عنوان “يوم فرنسا بالخليل”، حيث جمعت مستوطنين متطرفين فرنسيين أو من الناطقين بالفرنسية، وهي تعكس مسألة اختلاق الاحتلال ومستوطنيه لمناسبات دينية من أجل تعزيز تهويد المدينة وبلدتها القديمة.

وبحسب هشام الشرباتي، الناشط في حقوق الإنسان وعضو لجنة الدفاع عن الخليل، فإن يوم فرنسا في الخليل هو نشاط استيطاني، حيث تتفنن الحركة الصهيونية وحكومة اليمين المتطرف في اختراع المناسبات والاحتفالات لتعزيز الاستيطان في الخليل.

ويتابع: “على سبيل المثال لقد سمعنا عن “سبت سارة”، وعمر هذا الاحتفال الديني لا يتجاوز الـ 7 سنوات، أما فيما يخص “يوم فرنسا في الخليل” فهو احتفالية تقوم عليها منظمة فرنسية اسمها “إسرائيلي إلى الأبد”، حيث يقودها متدينون يهود، وبعضهم مسيحيون صهاينة، حيث عملوا على تمويل وتنظيم اليوم، ومن خلال ذلك تمكنوا من حشد ألف يهودي من الناطقين باللغة الفرنسية أو مواطنين فرنسيين.

ويرى الشرباتي أن اللافت للانتباه في الاحتفالية مشاركة نحو 6 وزراء من دولة الاحتلال، “هم شركاء في هذا اليوم، كما كان معهم ضيف خاص وهو رئيس المنظمة الصهيونية العالمية”.

ويرى الشرباتي في حديث صحافي لراديو “علم” (محطة محلية في مدينة الخليل) أن ما يثير المفارقة هو أن نرى كم الاهتمام الكبير من الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال بألف مستوطن يعيشون في الخليل، حيث نرى وزراء من الحكومة يشاركون مسؤولا عالميا بالحركة الصهيونية في الاحتفالية، وهو أمر يجعلنا نتأمل ونتساءل: “كم وزيرا فلسطينيا شارك في أي نشاط في مدينة الخليل؟”.

وكان مئات المستوطنين “الفرنسيين” المدججين بالسلاح، قد شاركوا في مسيرة استفزازية جابت شارع الشهداء وحي السهلة وصولا إلى الحرم الإبراهيمي الشريف في البلدة القديمة وسط مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة.

وانطلقت المسيرة الاستفزازية من مستوطنة “بيت رومانو” ومدرسة أسامة بن المنقذ التي حولتها سلطات الاحتلال إلى معهد ديني توراتي لتخريج الحاخامات.

وتقدم المسيرة الاستفزازية المئات من المستوطنين المدججين بالأسلحة، حيث رفعوا الأعلام الإسرائيلية، ورددوا الهتافات التحريضية والعنصرية المعادية للفلسطينيين.

وجابت مسيرة المستوطنين الاستفزازية شوارع وأزقة وسط مدينة الخليل، وصولا إلى ساحات البلدة القديمة وباحات الحرم الإبراهيمي، كما رددوا هتافات عنصرية معادية للعرب أبرزها “الموت للعرب”.

وعرقلت قوات الاحتلال مرور الفلسطينيين في البلدة القديمة لعدة ساعات، ومنعت السكان الوصول إلى منازلهم. كما عرقلت عصابات من المستوطنين على حاجز عسكري نصبه الاحتلال في واد سعير شمال شرق الخليل، مرور الفلسطينيين لمدة ساعة تقريبا وشتموهم بعبارات عنصرية وغير أخلاقية.

وإلى جانب مسيرة مساء الاثنين، قامت سلطات الاحتلال بإصدار أمر بإغلاق الحرم الإبراهيمي منذ الساعة العاشرة من مساء الثلاثاء، لمدة 24 ساعة، وهو أمر يترافق مع سياسة متكررة تتضمن قيام الاحتلال بمنع رفع الأذان 54 وقتاً في الحرم الإبراهيمي خلال شهر تموز/يوليو الماضي، بحسب وزارة الأوقاف الفلسطينية.

وبحسب التقرير الفلسطيني، فإن الاحتلال في الشهر المذكور سمحت للمستوطنين بوضع بيوتهم المتنقلة في محيط مقر مديرية أوقاف الخليل المغلق بقرار عسكري وفتح المجال أمامهم للاستيلاء عليه. كما توالت الاعتداءات من قبل قوات الاحتلال على مسجد “مشهد الأربعين” في تل الرميدة بالخليل، ورفعت بأمر ممن يسمى “الحاكم العسكري”، فرش المسجد، بعد أن رفض مدير الأوقاف إزالته، كما وضعت سلطات الاحتلال نقطة عسكرية على سطح البناء، وسمحت للمستوطنين بالدخول إليه، بهدف تحويله إلى موقع أثري.

وفي تقرير شهر آخر، أشار إلى أن قوات الاحتلال نفذت أعمال حفريات في ما يسمى المعسكر المقام بجوار الحرم الإبراهيمي مباشرة، والتي تؤثر سلباً على سلامة بناء الحرم الأثري التاريخي والمدرج على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.

أما في شهر حزيران/يونيو الماضي، فقد منع الاحتلال رفع الأذان 46 وقتاً في الحرم الإبراهيمي. وجرى افتتاح المستوطنين، بحضور قيادتهم، المصعد الكهربائي في الحرم، والذي يعتبر تعدياً على صلاحياتها وعلى تاريخ الحرم الإبراهيمي الشريف.

وقال مدير الحرم غسان الرجبي إن قوات الاحتلال أغلقت الحرم (اليوم) أمام المصلين، وفتحته بالكامل أمام المستوطنين، بحجة “الأعياد اليهودية”.

ويستغل الاحتلال الأعياد اليهودية للتنغيص على أبناء الشعب الفلسطيني، بالتزامن مع انتهاكات كبيرة تمارسها قوات الاحتلال من فرض حصار وتشديد الإجراءات العسكرية على الحواجز، وإعاقة وصول المواطنين إلى الأماكن المقدسة.

وبحسب الباحث أحمد حرباوي، فإن مسيرة الأعلام الأخيرة في مدينة الخليل شارك فيها الكثير من اليهود الذين جاؤوا خصيصًا من أوروبا، وهؤلاء يعتبرون مدينة الخليل عاصمة الملك داوود الأولي قبل القدس.

ويتابع حرباوي: “كل هذا مبني على خرافة لم يثبتها علم الآثار، ولم يعرف العلم شيئا عن هذه المدينة التوراتية، إلا أن الحركة الصهيونية تعتبر حتى الخرافات جزءا لا يتجزأ من هويتها الثقافية والدينية”.

ويقدم حرباوي توضيحا مهما، إذ يقول: “يستمد اليهود علاقتهم بمدينة الخليل من خلال كلمة بالكتاب المقدس وردت تحت اسم ” كريات أربع” وهذه مدينة لم نعرف لها وجودًا في التاريخ، قام كهنة اليهود في فترة لاحقة من كتابة النص التوراتي الأول بربط مدينة أربع التوراتية بمدينة حبرون الفلسطينية من دون أي تبرير أو أي ربط تاريخي أو أثري بتاتًا، فقط أضافوا بعد كلمة أربع توضيحًا هكذا (أربع أي حبرون) وأصبح هذا التفسير مسلمًا به في جميع الدراسات الأثرية والتاريخية على مدار قرون طويلة، وأخذ المؤرخون المسلمون الأوائل هذا التفسير وسلموا به”.

وتساءل: “هنا السؤال الجوهري: إلى متى يجب علينا الخضوع لتلك التفسيرات والتأويلات واعتمادها بدون أي نقد أو تفسير؟”.
وأشار حرباوي أنه ورد في العهد القديم ذكر لـ”كريات سيحون” فسرها علماء الآثار بمدينة الملك سيحون، كما ورد ذكر اسم (كريات بعل) وفسروها بمدينة الإله بعل، وفي حالة الخليل، غيروا منطق التسمية من اسم شخص إلى رقم، فلم تصبح كريات أربع مدينة الملك أربع كسائر التفسيرات (مع أن هذا التفسير ممكن، لأن أربع يمكن أن يكون اسمًا آموريًا لملك ما عاش في مكان ما) وأكدوا بأنها مدينة الأربعة في إشارة إلى أربعة أزواج دفنوا فيها أسفل الحرم وهم آدم وحواء وإبراهيم وسارة وإسحق ورفقة ويعقوب وليا.

ويرى حرباوي أن التفسيرات الكلاسيكية اليهودية والمسيحية والإسلامية لم تخرج عن هذا التفسير العددي للمصطلح، فقالوا إن الاسم يعني ربما هو كونفدرالية من أربع قبائل ومن الممكن أن يكون أيضًا إشارة إلى بعض المعالم الجغرافية كأربع جبال، أو حتى تنظيم المدينة إلى أربع أحياء.

ويرى أن “أخطر التفسيرات التوراتية التي خرجت عن إطار كونها مدفن الأزواج الأربع إلى كونها مدينة العمالقة الأربعة، شيشاي، أخيمان، تلماي، ووالدهم أربا، يأتي ضمن قصة مفادها طرد (كالب بن يفة، أحد جواسيس موسى) لهؤلاء الملوك الأربع من مدينتهم والاستيلاء عليها ضمن مملكة اليهود”.

وتابع قائلا: “كل هذه التفسيرات ألحقت بمدينة اسمها كريات أربع وردت في التوراة، من دون أي دليل تاريخي أو أثري بكونها هي نفسها حبرون، فقط قال مفسرو الكتاب المقدس أن أربع هي الاسم القديم لحبرون، فيما انفكوا في توضيح ذلك بإضافة كلمة حبرون بجانب كلمة أربع، وهذا ينافي آثار المدينة التي لم تعرف أربع بتاتًا”.

يذكر أن حبرون هو أقدم اسم معروف للخليل بعلم الآثار، حيث ورد في مراسلات تل العمارنة وفي أختام مقابض الفخار.

ويطالب حرباوي بالعمل على كتابة التاريخ للمدينة والمكان، فالآمورية والكنعانية واللغات السامية وهويتها وثقافتها أمر مهم في كتابة تاريخ المدينة والتصدي للخرافات الاستعمارية، الحديث عنها لا يعني إحياء الوثنية وعبادة الأصنام، كما يتهم بعض الحمقى.

ويطالب الناشط الحقوقي هشام الشرباتي بأن يكون هناك مسؤولية عن العمل المشترك لحماية الخليل. ويقول: “هناك جهود مهمة تقوم بها لجنة الإعمار والأوقاف والثقافة، إلى جانب جمعيات تطوعية، لكنها بحاجة إلى خطة يكون فيها الكل شريكا في الدفاع عن الخليل، وهو أمر تواجهه محاولات استئثار واحتكار للعمل الوطني وادعاء شرعية العمل، فيما الواضح لنا أن المدينة تضيع.

ويرى أن سياسة التطهير العرقي تسير “فل الفل” في المنطقة المغلقة في البلدة القديمة. فشارع الشهداء فارغ، والمنازل فارغة والمحلات مغلقة، والمكان كله بحاجة إلى بنية تحتية متكاملة، إلى جانب تعزيز وجود المواطنين مع المسؤولين والمؤسسة الرسمية.

ويختم أن هناك فجوة كبيرة بين الاهتمام الصهيوني بالخليل والاهتمام الفلسطيني، ويدعو الحكومة إلى أن يكون في خططها التنموية ملحق خاص بمدينة الخليل تماما مثلما تعاملت معها اتفاقية أوسلو، حيث كان هناك ملحق خاص حمل اسم “بروتوكول الخليل” على أمل أن يعزز ذلك صمود الناس وثباتهم، إلى جانب تطوير المقاومة الشعبية، بحيث يجب أن تتجاوز فعل الصلاة في الحرم الإبراهيمي.

يذكر أن مدينة الخليل عاشت قبل أشهر احتفالات ضخمة تحت لواء الاحتفاء بـ”سبت سارة” الذي يعتبر بمثابة تجلٍ للصهيونية على هيئة “عيد”.
وتعزز “سبت سارة” مؤخرا وهو يعتبر من أهم الأعياد التي يقيمها اليهود الذين يعرفون باسم “الحاباد” أو “الحسيديم”، حيث يتركز هذا العيد في مدينة الخليل من أجل الترويج لفكرة الوجود اليهودي التاريخي في المدينة.

ويقع المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل الخاضعة لسيطرة الاحتلال، ويسكنها نحو 400 مستوطن يحرسهم نحو 1500 جندي إسرائيلي. ومنذ عام 1994، قسمت إسرائيل المسجد الإبراهيمي بواقع 63% لليهود، و37% للمسلمين، عقب مذبحة ارتكبها مستوطن أسفرت عن استشهاد 29 مصليا.

كما أفضت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية إلى عملية تقسيم المدينة التاريخية، بحسب اتفاق الخليل في 17 يناير/كانون الثاني 1997 إلى منطقتي H1 وH2، أُعطيت إسرائيل بموجبه سيطرة كاملة على البلدة القديمة وأطرافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى