الدحية يرصد «الصحوي» و«اليساري» في «نخب النظام الرقمي» أخبار السعودية
يستعيد كتاب (نخب النظام الرقمي) الصادر حديثاً عن دار جدال للدكتور سعيد الدحيه التاريخ الاتصالي في السعودية عبر استعراض التاريخ الاجتماعي والثقافي للمجتمع السعودي ضمن شبكة الإنترنت، مبيناً أنه ينقسم إلى مرحلتين منفصلتين عن بعضهما ومختلفتين في تكوينهما وبنيتهما وهويتهما، الأولى مرحلة الاتصالية التقليدية ما قبل 1999، والثانية مرحلة الاتصالية الرقمية ما بعد السماح بالاستخدام العمومي للإنترنت عام 1999، التي تشكل عبرها للمجتمع السعودي إطار ثقافي واجتماعي مغاير ومختلف وجديد.
وفصّل الزهراني في توصيف المرحلة الثانية وهي المرحلة الرقمية في السعودية، أي من عام 1999، مقسماً إياها إلى مرحلتين؛ المرحلة الأولى (1999 إلى 2009): وهي المرحلة التي سمح فيها للأفراد باستخدام شبكة الإنترنت وتبدأ من عام 1999، وقد شهدت هذه المرحلة ولادة موجات اتصالية رقمية متتابعة داخل إطارها العام، فالموجة الأولى تمثلت بظهور المواقع الإلكترونية التي كانت تتيح خدمة المحادثات الكتابية ثم الصوتية والمرئية تالياً، ثم ظهرت الموجة الثانية وهي المنتديات الإلكترونية المتخصصة والعامة، ثم ظهرت الموجة الثالثة وهي المواقع الشخصية، ثم ظهرت الموجة الرابعة وهي المدونات، هذه الموجات المرحلية حصلت ضمن المرحلة الأولى، وكانت تتعايش في ما بينها مع التسليم بتأثير كل موجة جديدة على ما سبقها إلا أنها لا تلغيها، والملاحظ خلال هذه المرحلة أن موجة المنتديات الإلكترونية كانت مستمرة وحاضرة وذات وهج واستقرار يعد الأبرز بين بقية الموجات الأخرى، مع التسليم بصعود المنتديات المطرد بدءاً بأواخر عام 1999 الذي شهد انطلاق أول منتدى إلكتروني في السعودية وهو منتدى الإقلاع، إلى عام 2009، ثم بدأ العد التنازلي مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن خفتت بصورة ملحوظة بعد عام 2010 وخلال 2011، عندما اشتعل ما سُمي بثورات الربيع العربي.
تاريخ الحضور السعودي ضمن المنتديات الفكرية وُلد في منتدى العربي من خلال جملة من المثقفين – المحافظين والليبراليين – وهو منتدى إلكتروني غير سعودي أسسه عدد من المثقفين العرب وتحديداً من سوريا ولبنان نحو عام 1996، تلاه موقع الساحات، وأشهرها الساحات السياسية، وهو موقع إماراتي تأسس عام 1997، إلا أن النسبة العالية من أعضائه وزواره كانوا سعوديين، وقد شهد طروحات تركزت في جوانب الإسلام السياسي، والسياسة المعاصرة بشكل خاص، كما أنه كان محضن الفكر الصحوي إلى جانب كونه مثّل منصة للقاعديين وعبره روجت “القاعدة” واستقطبت وفرخت.
وبحسب ما توصل إليه الباحث فإن ما كان يطرح في منتدى الساحات الإماراتي، والعربي القطري هو ما دفع إلى إطلاق منتديين سعوديين، اهتم كل واحد منهما بمناهضة أحد المنتديين السابق الإشارة إليهما، حيث يعد منتدى الإقلاع، الذي أُسسه عام 1999 كل من فهد بن محمد السديري، ووليد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن باز، وتركي العبدالعزيز السديري، وشريك رابع فضل فهد السديري عدم ذكر اسمه، نافذة إلكترونية استهدفت جمع السعوديين والتعبير عن هويتهم، وإتاحة الفرصة أمامهم للظهور والتعبير، دون وصاية أو استثمار لقوتهم وحضورهم وتأثيرهم من منتدى غير سعودي، فالمنتديات غير السعودية كانت تمارس تجاه المشاركين السعوديين سلوكاً اتصالياً غير مهني ولا يتحلى بآداب احترام الحوار وحق المشاركة، كما ظهر منتدى الوسطية، الذي أسسه الدكتور محسن العواجي عام 2000 تقريباً مع عدد من المنتمين للتيار المحافظ، بعد أن «وجدوا في منتدى الفكر العربي ما يرونه طرحاً إلحادياً ومخالفات فكرية تمس جوانب دينية حساسة»، وقد شهد هذا المنتدى حوارات متخصصة في الشأن الديني من أبرزها حوارات المتحولين من وإلى الفكرة المحافظة ونقد الموروث ونحوهما.
على الجانب المقابل تأتي المنتديات والمواقع الليبرالية، وأولها منتدى إيلاف الذي أسسه عثمان العمير عام 2002، وشهد خلال عمره القصير، الذي لم يتجاوز ثمانية أشهر، حراكاً ثقافياً تأسيسياً توالدت بعده المنتديات والمواقع، حيث أشرع الطريق نحو طروحات الفكر والثقافة، وقد تميز بجرأة عالية في طروحاته الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية والمطالبة بجملة من الحريات مثل حرية المرأة، ولم يكن لمنتدى إيلاف أي نقد أو توجه سياسي، ثم تلاه منتدى طوى الذي أسسه عادل الحوشان، والمهندس عبدالرحمن المطرب، وكان يحمل نفساً يسارياً حاداً ومندفعاً وفق محمد السيف، ثم انطلق منتدى دار الند، وقد حظي المنتدى بطروحات فكرية وثقافية معمقة وبعدد عضويات مرتفع، كذلك جاء تأسيس منتدى جسد الثقافة الذي أطلقه تركي الدخيل وتخصص في الطرح الأدبي الحداثي، تلاه منتدى الشبكة الليبرالية السعودية لذات المؤسسين السابقين، ثم أسس رائف بدوي منتدى الشبكة الليبرالية السعودية الحرة، حيث مثل آخر موجات المرحلة الأولى التي خفتت على إثر بزوغ المرحلة الثانية وهي مرحلة شبكات أو مواقع التواصل الاجتماعي التي سيرد الحديث عنها في هذا الفصل.
هذه نظرة عامة على أبرز محطات ومنصات المنتديات والمواقع الإلكترونية، مع التسليم بوجود عدد كبير من المنتديات والمواقع التي لم يشملها هذا العرض نظراً لكثرتها من جانب، ولأن ما ورد هنا هو الأبرز من حيث الاتفاق العام في الجانب الفكري والثقافي من جانب آخر، ولاقتصار هذه القراءة على المنتديات والمواقع ذات الحضور والتأثير في الإطار الاجتماعي والثقافي في المملكة إبان المرحلة محل الدراسة.
لقد مثلت المرحلة الأولى من دخول الإنترنت المملكة، وهي مرحلة المنتديات والمواقع الإلكترونية بصورة خاصة، منعطفاً مفصلياً في صيرورة المجتمع السعودي وتغير إطاره الثقافي وبنائه الفكري.