فصول ما فيها أحد! أخبار السعودية
وتعتبر ظاهرة الغياب الجماعي، إحدى المعوقات في المسيرة التعليمية، وتداعت مع وسائل التواصل ما يشير إلى وجود (قروبات) تحرّض على الغياب حتى أصبحت أعداد المتغيبين في ما يعرف بالأسابيع الميتة أكثر من الحضور، الأمر الذي قد يحرم المنضبطين من تلقي الدروس بحجة «ما في الفصول أحد»!
وبين يدي «عكاظ» رسالة SMS من إحدى المدارس تشير إلى إلغاء الاختبارات التي حددتها وزارة التعليم في الأسبوع الأخير من رمضان الفائت؛ للتحفيز على الانضباط، وبررت المدرسة عدم إحضار الطلاب للمدرسة بأن مكتب التعليم وجه بإلغاء الاختبارات؛ نظراً لشكاوى أولياء الأمور، وجاءت الرسالة قبيل السحور!
وطبقاً لعدد من أولياء الأمور، فإن الوضع في معالجة الغياب مبهم، ويقول أبو سلطان، إن الأسابيع التي تسبق كل إجازة وبعدها عرفت بالميتة لعدم حضور الطلاب، وعند حضور المنضبطين يتم صرفهم بحجة عدم وجود طلاب. ويضيف نواف الزهراني، أن المعلمين تقع عليهم مسؤولية في تحفيز طلابهم للحضور، واستغرب عبدالعزيز السفياني تداعي ظاهرة الغياب دون حل.
البصمة والسوار هما الحل
أكد مختصون لـ«عكاظ»، ضرورة تشريح المشكلة، ووضع الحلول العاجلة، وبحسب الإعلامي سعيد عبدالله الزهراني إن تعزيز الانضباط أمر مهم في المدارس، وهو ما تسعى له وزارة التعليم منذ سنوات، ومع ذلك تزايدت عمليات الغياب في السنوات الأخيرة بشكل لافت للنظر، حتى أن الأسبوع الميت تحول إلى أسابيع، وأيام الدراسة أصبحت في كثير من المدارس أربعة أيام بدلاً من خمسة؛ نتيجة الغياب المتكرر في يوم الخميس. لذلك أرى أن تقوم وزارة التعليم بالعمل على تطبيق بعض الإجراءات التقنية للحيلولة دون الغياب، أبرزها (بصمة الوجه) أو (سوار المعصم)، ثم النظر في تطبيق غرامات على أولياء الأمور في حال الغياب المتكرر لأبنائهم، مع وضع ضوابط للإجازات المرضية، والهدف من إجراءات الانضباط تعويد الأجيال الحالية على احترام الوقت وساعات العمل، ومنع الفاقد التعليمي، والاتجاه إلى سوق العمل المستقبلي بكل ثبات؛ باعتبار أن الانضباط هو الطريق إلى سوق عمل واحد وإلى إنتاجية عالية، وتطبق وزارة التعليم، التقنيات لإثبات حضور وانصراف المعلمين والمعلمات، فهذا يرفع من مستوى الانضباط على مستوى المدارس. ويشدد الزهراني، على أهمية الإسراع في رفع مستوى الانضباط؛ لأن الغياب لا يؤثر على الطالب المهمل أو غير المجتهد، بل يؤثر على الطالب المميز باعتبار أن بعض المدارس تتوقف عن إعطاء الدروس بحجة أن أغلب الطلاب غائبون، ما يزيد من الفاقد التعليمي، ناصحاً أولياء الأمور بضرورة الحرص على عدم تغييب أبنائهم وبناتهم عن المدرسة؛ كون ذلك يؤدي إلى فقدان استثمار الأسرة لأطفالهم بالشكل المطلوب، وسيؤثر ذلك على مستقبلهم بشكل كبير، وأن حلاوة الغياب حالياً ستتحول إلى مرارة مستقبلاً.
هذه هي أسباب الغياب !
الباحث التربوي ومعلم التربية الخاصة خالد مسفر الروقي، لخّص الأسباب الرئيسية لغياب الطلاب في خمسة محاور تتمثل في الفصول الدراسية الثلاثة؛ إذ تعتبر أبرز الأسباب الرئيسية لغياب الطلاب بسبب طول العام الدراسي والاقتصار في الفصول الثلاثة على المناهج الدراسية دون وجود أنشطة إضافية جديدة، تساهم في كسر الروتين اليومي المعتاد وتقلل من وجود الملل، ومن الأسباب ضعف الدافعية لدى بعض الطلاب، وعدم تعزيز قيمة الانضباط المدرسي من الأسر، والجمود في بعض البيئات المدرسية، والاكتفاء بالتدريس للمناهج دون مصاحبة ذلك بالعديد من الأنشطة المحببة للطلاب؛ التي تساهم في زيادة دافعيتهم نحو التعلم وتنمية حرصهم على الانضباط والحضور لمدارسهم. ومن الأسباب أيضاً ضعف الوعي لدى بعض الطلاب بأهمية الانضباط المدرسي وأثره على تحصيلهم الدراسي خصوصاً، وعلى مستقبلهم في الحياة عموماً، مصحوباً ذلك بعدم إلمامهم بلائحة الانضباط والسلوك والآثار المترتبة على غيابهم عن مدارسهم.
3 جهات تتحمل المسؤولية
المعالج النفسي الدكتور عبدالله بن أحمد الوايلي، يرى أنه لا بد من التوضيح بأن ظاهرة الغياب المدرسي تُعد ظاهرة اجتماعية سلبية ومؤثرة؛ سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر؛ لأنها ذات أثر مرحلي ومستقبلي أكاديمياً واجتماعياً، وأن هذه الظاهرة منتشرة بالمجتمعات ككل ما دفع بعض المؤسسات التربويّة إلى دراستها لأجل منعها أو الحد منها؛ بهدف القضاء عليها نظراً لآثارها ونتائجها السلبية المتعددة كالمشكلات النفسية والسلوكية المؤثرة على الطلاب والطالبات وذويهم والمجتمع، واستناداً لما سبق فإنه لا بد لنا من تحديد مفهوم الغياب وتوضيح تعريفه الذي يتمحور حول الانقطاع المتكرر عن المدرسة بشكل غير طبيعي، مما يُفقد الطالب العديد من المهارات العلمية والاجتماعية والسلوكية.
وتماشياً مع ما تم ذكره، فإن عملية الغياب تعني عدم الالتزام بالحضور والانصراف التي لا بد أن تنحصر في آلية التوعية والترغيب والحزم، إذ إن المسؤولية هنا مشتركة وهي ثلاثية الأبعاد يتحملها كل الطلاب والطالبات أنفسهم والأُسرة ممثلة بالوالدين والمؤسسة التعليمية.
ولا بد من القول إن المجال الدراسي خصوصاً ما يتعلق بالغياب الجماعي غالباً سواءً في الأسبوع الأول من بعد الإجازة الدراسية أو الأسبوع الأخير من الدراسة، يحتاج إلى التهيئة النفسية المدرسية الجماعية، وهي عملية تكاملية وتفاعلية متداخلة فيما بينها تنطلق من الكل إلى الجزء وتعتمد على ثلاثة مكونات رئيسية هي: (معرفية، وجدانية، سلوكية)، وترتبط بشكل مباشر بالأسرة والمؤسسة التعليمية والمجتمع، فهي لا تقتصر على جزء دون الآخر يعني على المدرسة أو الأسرة فقط؛ لأنها عامة لكل أفراد المجتمع بما فيها من أُسر وبما في الأُسر من أفراد، سواءً الأبوين أو الأبناء من الجنسين أو منسوبي الحقل التعليمي؛ لأنها تقوم على أساس تفاعلي مشترك من الجانبين المادي والمعنوي.
قصور عاطفي وطلاق
ويشير الدكتور عبدالله أحمد الوايلي، إلى أن ظاهرة الغياب المدرسي تعود لأسباب عدة ومظاهر تتركز في الجوانب الشخصية للطلاب أو الاضطرابات النفسية والعضوية التي يعانون منها أو المشكلات الأُسرية التي يتعرضون لها؛ المتمثلة في التفكك الأسري وما يعتريه من تشتت وقصور عاطفي وطلاق وغيرها، فإن ما يتعرض له الطالب أحياناً من مشكلات سلوكية كالعنف اللفظي أو غير اللفظي والتنمر بأنواعه والإهمال واللامبالاة وغيرها تعتبر من أهم مظاهر الغياب وأساسياته التي تحتاج للبحث والدراسة؛ لأنها تدل على ضعف الدافعية الداخلية للطالب؛ أي عدم رغبته في التعليم إما بسبب عدم إيمانه بالهدف التعليمي أو أي سبب آخر كالشعور بالقلق والتوتر والإرهاق الناتج غالباً عن السهر المستمر الذي يؤثر على عملية الاستيقاظ من النوم، مما يفقده الشعور بالفائدة المرجوة من الذهاب للمدرسة، وهنا تنخفض الدافعية النفسية المدرسية، فيصبح الطالب متذمراً وناقداً على التعليم، وكارهاً له، ناهيك عن كراهية الطالب لمعلم معين أو مادة بعينها؛ نظراً لعدم قدرة المعلم على إيصال المعلومة أو لأسلوبه في التعامل أو غير ذلك، إضافة إلى المعاملة الأبوية، خصوصاً المتمثلة في القسوة أو التدليل الزائدين.
الشفافية والاتزان والعقلانية
خلاصة القول، طبقا للدكتور الوايلي: إن التفكير السلبي لدى بعض الطلاب وأسرهم يعتبر من أكبر معوقات العملية التعليمية، إذ إن التفكير السلبي يعتبر عائقاً عندما يؤدي إلى عدم الدافعية للتعلم والإنجاز والاستخدام الخاطئ للمهارات المتعلمة وعدم القدرة على تحويل الأفكار الإيجابية إلى سلوكيات لفظية أو غير لفظية وضعف العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين وعدم القدرة على التركيز وتشتت الانتباه. لذلك لا بد من الأخذ بالحسبان أن آلية التفكير تساعد على الاستعداد الدراسي الأمثل والتهيئة النفسية المدرسية التي تعتمد على ثلاثة مكونات أساسية، هي إدراكية حسية أو دلالية كلامية أو مفاهيمية، وتعمل التهيئة النفسية بشكل أفضل عندما تكون المحفزات من نفس الطبيعة؛ فمثلاً عندما تكون التهيئة بصرية فإنها تعمل بشكل أفضل مع الإشارات والمحفزات المرئية، وعندما تكون التهيئة لفظية فإنها تعمل بشكل أفضل مع الإشارات والمحفزات السمعية والبصرية وهكذا.
وفي هذا الإطار، فقد أظهرت بعض الدراسات الاجتماعية أن التهيئة النفسية يمكن أن تؤثر على عملية اتخاذ القرارات، إذ توضح نظرية الأشراط الكلاسيكية في السلوك بأن المكان يرتبط بالأحداث التي تقع فيه والمدرسة مكان لأحداث قد تكون مؤلمة وقد تكون سعيدة للطلاب.
ونتيجة لما سبق، فإنني أؤكد على أهمية التهيئة النفسية المدرسية، وأنها أهم الحلول المناسبة لمشكلة الغياب المدرسي؛ لأنها تؤدي إلى تخفيف حدة القلق والتوتر لدى الطلاب، وتهيئة الطالب فعلياً للمدرسة من خلال مشاركته باختيار متطلبات المدرسة ومساعدته في تقبل التغير وتوضيح آلية التعامل مع الطالب وماهية الإجراءات والسياسات ما للطلاب وما عليهم بكل شفافية واتزان وعقلانية.
قضية مؤرقة ومربكة
الإعلامية نورة العطوي، قالت: إن مثل تلك القضية المؤرقة والمربكة للجهود التعلمية لم تكن غائبة بأي حال من الأحوال عن الطرح الإعلامي بكل وسائله المقروءة والمرئية والمسموعة، وقد أُسهبت طرحاً ونقاشاً وتحليلاً، وسيستمر ويواصل الإعلام دوره في التوعية والتثقيف ومعاودة النظر وفق دراسة المستجدات وتلمس الاقتراحات وبحث الحلول الممكنة مع طرفي القضية طالما استمرت لهذا الحد؛ الذي وصل إلى التحدي الصريح والمباهاة المزعجة من أولياء الأمور للقرارات الوزارية، التي صدرت أخيراً لائحتها الواضحة والصريحة في تحمُّل ولي الأمر جزءاً من تلك الإشكالية التي تعيق العملية التربوية قبل التعليمية، فالموضوع هنا يتعلق بالمدرسة والبيت ويحتاج إلى تعاون بين الجميع من أجل جيل هو مستقبل المجتمع.
مفهوم خاطئ للاستقلالية
الأخصائية الاجتماعية آمال عبدالقادر، قالت: البداية هي الأساس الذي يتم تنميته في شخصية الفرد؛ فالانضباط هو الهيكل الذي يساعد الفرد على مواكبة الحياة، وتنمية الانضباط الداخلي تكون من الأسرة خلال مراحل نمو الطفل مروراً بالمراهقة وحتى مرحلة النضج، وبذلك يتعلم السلوك الصحيح والمرغوب ويعرف الحدود التي لا يمكن تجاوزها، وعند تفحص ظاهرة الغياب الجماعي للطلاب لا بد أن نعرف من هو المسؤول عنها وعلى من تقع مسؤولية هذه الظاهرة التي عمدت وانتشرت في الأوساط المدرسية، هل ذلك يعود إلى إحساس الطالب بواجبه بالتصرف باستقلالية وتأييد أصدقائه للقيام بهذا الفعل بالاتفاق، وإذا خالف ذلك أصبح منبوذاً عنهم، أو قد يظنون أنه بلا شخصية وغير قادر على اتخاذ قرار التغيب عن المدرسة.
هنا يظهر دور التربية الوالدية وأثرها في تكوين شخصية الطالب وقدرته على التمسك بالمبدأ؛ الذي يراه مناسباً وعدم التأثر بأقرانه وفرض شخصيته برغبته في الحضور إلى الصفوف الدراسية وقدرته على تجاوز التنمُّر الذي قد يوجه إليه منهم. ولا ينتهي دور الآباء هنا، ولكن لا بد أن تستمر عملية التربية بالإشراف المستمر والتواصل الفعال بين الأسرة والمدرسة، وأن تكون هنالك مكافآت ومحفزات للفعل الإيجابي كما ستكون هنالك عقوبات متفاوتة للأفعال غير المقبولة على أن لا يكون هنالك تصادم قد يفقد الوالدين السيطرة على الموقف وكذلك بعيداً عن الصراعات التي قد يتعرضون لها نتيجة الالتزام من الأبناء بمجموعة الأقران، وذلك بوضع قواعد ثابتة للعقاب وعدم الارتجال وتحديد أولويات لهذه القواعد حسب المرحلة العمرية للطالب، وهنا لا نقصد بالانضباط المعاقبة للطالب، ولكن نقصد تغيير سلوك سلبي إلى سلوك جيد وبناء الانضباط الذاتي لديه، وبذلك نكون قد أوجدنا نوعاً من الاتزان الذي ينعكس إيجابياً على الفرد والمجتمع، فإن الانضباط المدرسي ليس فقط حد من التسريب الدراسي، وإنما هو أسلوب حياة لمساعدة الطلاب للحصول على أقصى استفادة من العملية التعليمية لبناء النجاح لهم على المستوى الأكاديمي وعلى المستوى المهني مستقبلاً، وهناك العديد من الأسئلة التي يجب على التربويين مناقشتها للوصول إلى حل للحد من ظاهرة الغياب الجماعي بعد أو قبل الإجازات الرسمية، وكذلك في المناسبات الاجتماعية.
المتحدث لا يرد
من جهتها، تواصلت «عكاظ»، مع المتحدث باسم وزارة التعليم صالح الثبيتي؛ لتستفسر عن إحصاءات الوزارة في خصم درجات السلوك للمتسيبين من الطلاب والمعلمين، والضوابط ومدى تطبيقها، ولكن لم يرد، رغم التواصل معه منذ سبعة أيام.