قطاع النفط والغاز في البحرين .. إرث مستدام لأكثر من 90 عام وقصة من الإرادة الوطنية والتصميم على الإنجاز
خاصبنا
المنامة في 19 ديسمبر/ بنا / يشكل قطاع النفط والغاز أحد الركائز التي يعتمد عليها الاقتصاد البحريني، وعنصرًا فاعلاً في مسيرة التنموية الشاملة التي تشهدها مملكة البحرين في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وبدعم ومساندة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، حيث وصلت نسبة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، بحسب التقرير الاقتصادي الفصلي الصادر عن وزارة المالية والاقتصاد الوطني 14.5% خلال النصف الأول من العام الجاري (2024)، بما يؤكد أهميته كأحد القطاعات المؤثرة في النشاط الاقتصادي.
وفي ظل الأهمية المتزايدة لقطاع النفط والغاز، فإن مملكة البحرين نفذت خلال العقود الماضية، العديد من الخطط والبرامج لتطوير هذا القطاع، وفق أسس الاستدامة، والحفاظ على مصادر الطاقة، والتوسع في استخدام التقنيات الحديثة التي تلبي تطلعات المملكة في هذا المجال.
وتعتمد مملكة البحرين في جهودها المستمرة لتطوير قطاع النفط والغاز على ما لديها من تاريخ متميز وكفاءة في هذا المجال، حيث يعود تاريخ صناعة النفط والغاز في المملكة إلى ما يقارب قرن من الزمان، حينما منحت حكومة مملكة البحرين في 2 ديسمبر 1925م، أول امتياز للتنقيب عن النفط في البلاد، لتدخل البحرين منذ ذلك الوقت مرحلة جديدة في تاريخها الحديث اقتصادًا واجتماعيًا وتنمويًا، حيث تغيرت ملامح الحياة بأكملها ليس فقط على مستوى المملكة، وإنما على مستوى دول الخليج العربية، إذ ساعدت الوفورات التي تحققت في انتقال دول الخليج من اقتصاديات معتمدة على صناعة صيد اللؤلؤ كمصدر والتجارة، إلى اقتصاديات نفطية، ولتسهم مردودات النفط في دعم التنمية الاقتصادية المستدامة لدول الخليج، مما أتاح لها بناء بنية تحتية متقدمة. وأسهمت عائدات النفط في تعزيز القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة والنقل، وتأسيس مشروعات استراتيجية واستثمارات صناعية وتجارية كبرى، مما عزز من مكانة دول الخليج كمراكز اقتصادية وتجارية إقليمية وعالمية.
وكان تأسيس شركة نفط البحرين (بابكو) في يناير 1929، تحولاً جذريًا في مسيرة تطور قطاع النفط والغاز في المملكة، إذ قادت الشركة جهود البحث والتنقيب عن النفط، ثم جاء العام 1932 ليصبح عامًا تاريخيًا بامتياز، حيث تم اكتشاف النفط في “البئر رقم واحد” في جبل الدخان، ثم (البئر رقم 2) ليتدفق النفط بكميات تجارية، ولتكون مملكة البحرين أول دولة بالمنطقة يتم اكتشاف النفط بها، ولتبدأ مرحلة جديدة، ليس في تاريخ المملكة فقط، بل في مستقبل المنطقة والعالم.
ثم كان الحدث الأبرز في 7 يونيو 1934، بتصدير أول شحنة من النفط الخام البحريني إلى اليابان من محطة سترة على متن الناقلة “إل سيغوندو”، التابعة لـ “شركة ستاندرد أويل”، بما يدشن الانطلاقة الأولى في مسيرة الإنتاج النفطي البحريني، وكان دافعًا لاتجاه مملكة البحرين نحو إقامة استثمارات في قطاع النفط والغاز، تتواكب مع زيادة الإنتاج والطلب على النفط.
وتواصلت مسيرة تطور قطاع النفط والغاز في البحرين، ففي الأربعينيات تم مد خط أنابيب النفط بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية الشقيقة، ليصبح أطول خط مغمور في العالم، وفي العام 1945م قامت مصفاة بابكو من خلال هذا الخط بتكرير جزء من النفط السعودي، وقد شهد الخط عدة تحسينات وأخرها تطويره في العام 2018، في إطار التعاون بين شركة نفط البحرين “بابكو” وشركة “أرامكو” السعودية بسعة تصل الى 400 ألف برميل وبطول يصل الى 115 كيلو مترًا من المملكة العربية السعودية إلى مملكة البحرين.
وفي هذا السياق، تم إنشاء “مصفاة بابكو” التي افتتحت في العام 1936 بطاقة استيعابية تبلغ 10 آلاف برميل يوميًا، ثم شهدت المصفاة عدة مراحل من التوسعة والتطوير في العقود التالية، حتى وصلت طاقتها الإنتاجية في الوقت الحالي إلى 267 ألف برميل يوميًا، ومن المقرر الوصول بها إلى 400 ألف برميل يوميًا في مشروع التوسعة الجديد.
وفي ظل تزايد الاهتمام بالغاز الطبيعي في مجالات الصناعة والطاقة عالميًا، فقد اتجهت المملكة إلى تعزيز الاستفادة من الغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه بها في العام 1948 بشكل عملي، وقامت في العام 1979 بتأسيس شركة غاز البحرين الوطنية (بنا غاز)، وتضمن المشروع إنشاء 4 محطات لضغط الغاز، ومنطقة لتخزين المنتجات في سترة، ومصنع لاستخلاص غاز البروبان والبيوتان والنفثا، وقامت بتصدير أول شحنة لها من البيوتان في العام 1980م.
وقد شهدت بابكو للغاز بنا غاز سابقًا ، عبر تاريخها مجموعة من عمليات التوسعة، وأخرها تدشين مشروع مصنع الغاز الثالث في العام 2019م، بالتزامن مع الذكرى الأربعين لتأسيس الشركة، وقد تم تصميم المصنع ليستوعب 350 مليون قدم مكعب من الغاز المصاحب الإضافي المتوفر في حقل البحرين، و استخلاص 382 ألف طن متري سنويًا من سوائل غاز البترول المسال وهي البروبان، البيوتان والنفثا، وإعادة ضغط وحقن الغاز الفائض في الحقل ومعالجته وتجفيفه، وبلغت تكلفة تمويله نحو 645 مليون دولار، بسعة إنتاجية تصل إلى 350 مليون قدم مكعبة يوميًا (9.6 مليون متر مكعب يوميًا).
وفي نفس العام 1979م، تأسست شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات (جيبك) كمشروع مشترك لصناعة الأسمدة والبتروكيماويات بين ثلاث دول من مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويمتلك المشروع بالتساوي كل من حكومة مملكة البحرين والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) وشركة صناعة الكيماويات البترولية بدولة الكويت، وتستخدم الشركة الغاز الطبيعي الذي يتوفر في مملكة البحرين كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا واليوريا والميثانول، بالإضافة إلى معامل الإنتاج، ومجمع البتروكيماويات، المقام في سترة على مساحة تبلغ 60 هكتارًا.
ومع تولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في العام 1999م، توالت الإنجازات في قطاع النفط والغاز، حيث ركزت الرؤية السامية لجلالته رعاه الله على تطوير مصادر الطاقة في قطاع النفط والغاز لضمان توافر ركائز التنمية الاقتصادية في البلاد مستقبلًا، وذلك عبر مجموعة متكاملة من مشاريع الاكتشاف والتنقيب عن النفط في المناطق البحرية والبرية، واستخراج كميات إضافية من الغاز الطبيعي، والقيام بتحديث شامل للصناعة النفطية من خلال تحديث مصنع التكرير وبناء مشاريع تكرير جديدة، مع التمسك في ذات الوقت بتنفيذ البرامج والمبادرات الفعالة لزيادة الإيرادات غير النفطية والتوظيف الأمثل للموارد المالية، وصولاً لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
وفي هذا الإطار، صدر في العام 2005م، المرسوم الملكي السامي الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية للنفط والغاز، ثم في العام 2007 تم تأسيس الشركة القابضة للنفط والغاز، لتكون الذراع الاستثماري والتطويري للهيئة الوطنية للنفط والغاز.
كما شهد قطاع الغاز الطبيعي في العام 2008م نهضة مشهودة بعد تأسيس شركة توسعة غاز البحرين، والتي تعمل على تعزيز إنتاج النفط من حقل نفط البحرين ومعالجة الغاز المصاحب واستخلاص المنتجات التسويقية مثل البروبان والبيوتان والنفثا وتزويد الصناعات المحلية بفائض الغاز، بالإضافة إلى توفير فرص العمل وتدريب المواطنين البحرينيين.
وسعيًا من مملكة البحرين لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز، واستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية في عمليات استخراج النفط والغاز فقد تم في العام 2009م تأسيس شركة “تطوير للبترول”، هي شركة مملوكة بالكامل لحكومة مملكة البحرين، وتعمل كمسؤول عن استثمار الحكومة في مجموعة متنوعة من الشركات ذات الصلة بالطاقة، كما أنها المسؤولة عن جميع عمليات التنقيب والإنتاج في المملكة، بما في ذلك التنقيب عن النفط والغاز، وأنشطة التطوير والإنتاج، بالإضافة إلى توزيع الغاز وبيعه.
وشهد قطاع الغاز في البحرين تطورًا جديدًا في العام 2015م، وذلك من خلال تأسيس شركة البحرين للغاز المسال، بهدف أن تكون محطة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال لتساعد في تأمين إمدادات الغاز الحالية للوفاء بالطلب خلال فترات الذروة، وتعزيز مسيرة النمو في مملكة البحرين.
وفي خطوة لافتة لتطوير قطاع النفط والغاز في المملكة شهد العام 2023م تدشين الهوية الجديدة لمجموعة بابكو إنرجيز عوضًا عن الشركة القابضة للنفط والغاز، وذلك برئاسة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، وأعلن سموه حينها عن إطلاق مشروع تحول الطاقة في مملكة البحرين، تحت شعار “طاقة لأجيال قادمة”، واصفًا هذه الرؤية بأنها تشكل فصلاً جديدًا في تاريخ قطاع النفط والغاز، ومستقبل الطاقة في المملكة.
وتضم المحفظة الاستثمارية لمجموعة بابكو إنرجيز مجموعة من الشركات التابعة والمملوكة بالكامل، بما في ذلك: شركة بابكو للتكرير، شركة بابكو للاستكشاف والإنتاج، شركة بابكو للغاز، شركة بابكو تزويد، شركة بابكو لتزويد وقود الطائرات، شركة بابكو إنرجيز للمشاريع.
واليوم، يأتي مشروع تحديث مصفاة البحرين، كأكبر مشروع استراتيجي في تاريخ مملكة البحرين وفي قطاع الطاقة، وبما يضمه من 15 محطة فرعية و21 وحدة معالجة جديدة لتتمكن من تكرير كميات تصل إلى 400 ألف برميل في اليوم الواحد، ليدشن مرحلة جديدة في المسيرة التاريخية العريقة والمتميزة لقطاع النفط والغاز في المملكة، وهو التطور الذي من شأنه أن تسهم في تعزيز إسهامات قطاع النفط والغاز في الاقتصاد الوطني، وتوفير مزيد من فرص العمل للمواطنين.
م.ص, s.a