خارطة طريق للمرحلة الانتقالية
مع إسقاط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، خطا السوريون خطوة مهمة نحو الخروج من حقبة مظلمة في تاريخهم المعاصر، وأصبحوا على أبواب مرحلة انتقالية حاسمة لإعادة بناء الدولة السورية بعد عقود من الاستبداد، وأربعة عشر عامًا من التضحيات التي أظهرت تطلّع الشعب السوري نحو الحرية والكرامة، وتركت آثارًا عميقة في بنية الدولة والنسيج الاجتماعي.
تمثّل المرحلة الانتقالية فرصةً لإرساء أسس نظام سياسي جديد لا يتجاوز نظام الاستبداد الذي عرفته سورية طوال أكثر من نصف قرن فحسب، بل يمنع نشوء أيّ نوع من الاستبداد أيضًا، ويستند إلى مبادئ الحكم الرشيد والمشاركة الشعبية واحترام حقوق المواطن وحرياته والتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري. وتتطلب هذه المرحلة مواجهة التحديات الكبيرة، المتمثلة بضعف مؤسسات الدولة، وانهيار بعضها (الجيش والأمن)، وانعدام الثقة بين مختلف الفئات الاجتماعية، والتدخلات الخارجية، والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ما يتطلب خطة واضحة للانتقال تسمح بالتغلب على هذه التحديات تشمل ما يلي:
أولًا: تشكيل هيئة حكم انتقالية
إن تشكيل هيئة حكم انتقالية ضرورة؛ فمن دونها يصعب فهم عملية صنع القرار في المرحلة الانتقالية أو إضفاء الشرعية القانونية عليها.
تتكوّن هذه الهيئة من شخصيات عسكرية ومدنية يجري اختيارها بناءً على معايير واضحة لضمان الكفاءة والقدرة على مواجهة تحديات المرحلة. وتعكس تركيبتها تضافر الجهود بين المقاتلين الذين كان لهم الدور الأبرز في هزيمة نظام بشار الأسد وإسقاطه، ومجموعة من التكنوقراط أصحاب الخبرات المناسبة، والسياسيين من ذوي الشعبية الواسعة، ممّن شاركوا في النضال ضد نظام الأسد. ويرأس مجلس الهيئة قائد إدارة العمليات العسكرية بصفته هذه.
وتتحمل الهيئة الانتقالية مسؤوليات أساسية تشمل ما يلي:
1. توفير الأمن والاستقرار من خلال وضع أسس لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بطريقة احترافية.
2. إعادة بناء الجيش الوطني والإشراف على جمع السلاح، بما في ذلك من الفصائل المقاتلة، ودمج عناصرها في إطار الجيش الوطني الجديد.
3. الإشراف على إدارة الشؤون الخارجية، بما في ذلك وزارة الخارجية، مع التركيز على بناء علاقات دولية تخدم المصلحة الوطنية السورية.
4. الإشراف على تشكيل حكومة تسيير أعمال تتولى إدارة المهمات اليومية للدولة، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية، وضبط الأمن.
5. ممارسة صلاحيات تشريعية استثنائية تُمكّن المجلس من معالجة الأوضاع القانونية المتراكمة من النظام السابق، تشمل ما يلي:
أ. إعلان دستوري مؤقت.
ب. إلغاء القوانين القمعية، بما في ذلك قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب، وأيّ قوانين أخرى تمنح أفراد السلطة العامة حصانات تحميهم من المحاسبة القانونية، لضمان عدم إفلات أيّ مسؤول من العقاب.
ج. تشريع قوانين جديدة (محدودة) متعلقة بالمرحلة الانتقالية تدعم الانتقال الديمقراطي، مثل قانون الانتخابات المؤقت، وقانون الأحزاب المؤقت، وقانون إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، وسنّ تشريعات أساسية لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية بما يضمن حياديتها واستقلاليتها.
وتتمثل معايير اختيار أعضاء الهيئة الانتقالية في:
1. الكفاءة المهنية والخبرة، بما في ذلك امتلاك الخبرة العملية في مجالات الإدارة والأمن والعلاقات الدولية، مع وجود ما يُثبت القدرة على العمل في ظروف استثنائية، والإلمام بالآليات السياسية والقانونية اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية.
2. النزاهة والاستقلالية، حيث يجري اختيار أعضاء سجلّهم خالٍ من الفساد والتجاوزات، وليس لهم ارتباط بالنظام السابق ولم يشغلوا مناصبَ قيادية فيه.
3. الالتزام بالمبادئ التي قامت عليها الثورة السورية، مثل الحرية والكرامة والعدالة.
4. التمثيل الوطني، بما يشمل ضمان تمثيل كافة المكونات الوطنية، والتنوع المجتمعي السوري، وأن يكون العضو ذا قبول في منطقته ومجتمعه.
5. الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والإيمان بسيادة القانون، واحترام التعددية السياسية، والعمل على تعزيز مشاركة مختلف الأطراف الوطنية.
6. التحلّي بالمرونة والقدرة على العمل الجماعي ضمن فريق متعدد الخلفيات والخبرات.
ويمكن اعتماد الآليات التالية في اختيار الأعضاء:
1. التوافق والمشاورات، بحيث تُعقد مشاورات مكثفة بين مختلف القوى الوطنية بقيادة إدارة العمليات العسكرية للوصول إلى توافق يعكس الإرادة الشعبية.
2. الاستعانة بلجنة لتقديم توصيات، يكون من مهماتها التحقق من السيرة الذاتية والخبرات العملية للمرشحين.
ثانيًا: حكومة تسيير الأعمال
تعمل حكومة تسيير الأعمال تحت إشراف الهيئة الانتقالية، وتُعدّ ركيزة أساسية للمرحلة الانتقالية. وتهدف إلى تحقيق استقرار الحياة اليومية للسكان ووضع اللّبنات الأولى لإعادة بناء الدولة السورية على أسس سليمة. وتتعاون مع الهيئة في بذل الجهود لرفع العقوبات عن سورية. وتتمثل أهدافها الرئيسة في ما يلي:
1. إدارة شؤون الحياة اليومية وتوفير السلع الأساسية، وتشغيل القطاعات الحيوية، بما في ذلك قطاعَا الصحة والتعليم.
2. إعادة تشغيل المرافق الحيوية، مع التركيز على إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء التي تضررت بسبب الحرب، وضمان توزيعها على نحوٍ مستدام وعادل.
3. إدارة المؤسسات الحكومية وإعادة تنظيم عملها لتقديم الخدمات بكفاءة وشفافية، بما يضمن وصول الخدمات إلى جميع المناطق من دون تمييز.
4. إغاثة الفئات الأشدّ تضررًا، ووضع خطط طوارئ لمساعدة النازحين، بما يشمل توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية.
5. وضع الأسس الاقتصادية والاجتماعية الممهّدة لإعادة الإعمار والتنمية، وتطوير سياسات اقتصادية لمعالجة التضخم والبطالة، وتوفير فرص عمل للشباب والمجتمع المحلي.
6. إطلاق عمليات إعادة إعمار البنية التحتية من خلال دراسة المشاريع العاجلة لإعادة بناء الطرق والجسور المدمرة، وربط المناطق الريفية بالمدن، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات.
7. تأهيل القطاعات الاقتصادية، ودعم القطاعات الزراعية لإحياء الإنتاج الزراعي، وضمان الأمن الغذائي.
8. تقديم التسهيلات لإعادة تشغيل المصانع والمنشآت الصناعية الصغيرة التي كانت قائمة قبل الحرب.
9. تعزيز التماسك الاجتماعي، وإنشاء برامج دعم اجتماعي تركز على إعادة النازحين واللاجئين إلى أماكن سكناهم الأصلية، ورعاية الأيتام وأسر الشهداء، وتوفير فرص تدريب وتأهيل مهني لهم.
10. العمل على توفير بيئة سياسية تتيح حرية الرأي والتعبير، وضمان حق التجمع السلمي وإشراك المواطنين في صنع القرار.
11. توفير بيئة آمنة تمهد الطريق لحوار وطني جامع يشمل كلّ مكونات الشعب السوري، وإطلاق منصات للحوار تشمل جميع المكونات السياسية والاجتماعية، بغرض التوصل إلى رؤية مشتركة حول شكل الدولة الجديدة مع إشراك ممثلين عن الشباب والمرأة والأقليات في عملية الحوار لضمان التنوع والشمولية.
12. العمل على إرساء مبادرات مصالحة محلية تهدف إلى حل النزاعات القائمة بين المجتمعات المحلية، وتقديم الدعم لآليات بناء الثقة بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية بما يضمن التماسك الوطني.
13. وضع إطار مبدئي للعدالة الانتقالية يركز على وضع أسس قانونية ومرجعية لإنصاف ضحايا الانتهاكات، والكشف عن الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، بما يضمن التمهيد لمصالحة مستدامة.
وتتبعُ حكومة تسيير الأعمال في عملها الآليات التالية:
1. إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وفقًا لمعايير الكفاءة والنزاهة لضمان تقديم خدمات فعالة لجميع المواطنين.
2. الاستعانة بالكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، بما يضمن توفير خبرات قادرة على إدارة التحديات المعقدة التي تواجه الحكومة المؤقتة.
3. التعاون مع المجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية لتوفير حلول سريعة ومبتكرة للتحديات اليومية، مع ضمان إشراك المواطنين في عملية صنع القرار.
4. العمل على تأمين دعم مالي دولي وإقليمي لإعادة الإعمار، مع توجيه هذه الموارد بشفافية لتلبية الاحتياجات الملحّة.
ثالثًا: الإعلان الدستوري
تُدار المرحلة الانتقالية بموجب إعلان دستوري يمثّل مرجعيةً قانونيةً للسلطات التي تديرها، ويُعدّ الوثيقة القانونية المؤقتة التي تنظم شؤون الدولة، وهو لا يحدد مستقبل سورية بل يحدد قواعد لإدارة البلاد في هذه المرحلة. وإلى جانب تحديد الحقوق الأساسية وآليات الرقابة، فإنه يمنح بعض الصلاحيات التشريعية للمجلس الانتقالي لضمان تحقيق العدالة والبدء في عملية بناء الدولة على أسس قانونية عادلة وتعلنه الهيئة الانتقالية، ويُعنى أساسًا بما يلي:
1. الحقوق المدنية والسياسية: يمثّل الإعلان الدستوري ضمانةً أساسيةً لحماية الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، بما في ذلك ضمان حرية الرأي والتعبير من دون خوف من الملاحقة، وحماية الصحافيين ووسائل الإعلام من التضييق أو القمع، وتمكين المواطنين من التجمع السلمي للتعبير عن آرائهم ومطالبهم، مع ضمان حماية هذا الحق من أيّ تعسف. وبموجب الصلاحيات الممنوحة للهيئة الانتقالية، تُلغى القوانين الاستثنائية التي قيّدت الحريات العامة، من قبيل قوانين الطوارئ التي تُستخدم أداةً لقمع المعارضة، وتأكيد مبدأ المساواة التامة بين جميع المواطنين أمام القانون، من دون تمييز أو محاباة.
2. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة عدم الاستقرار في المرحلة الانتقالية: تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في الإعلان الدستوري الحق في التعليم (المجاني) لجميع الفئات العمرية (مع وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الأطفال المتضررين من النزاع)، والحق في الصحة (مع ضمان توفير الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين، وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الطبية، وإنشاء برامج لمعالجة جراح الحرب النفسية والجسدية، خاصة للفئات الأشدّ ضعفًا).
3. إلغاء القوانين التي تمنح حصانات خاصة لأفراد السلطة العامة، والتي تُستخدم، غالبًا، لحمايتهم من المحاسبة على أفعالهم غير القانونية.
4. إعادة الإعمار والتنمية، بإطلاق خطط قصيرة ومتوسطة الأجل لإعادة بناء البنية التحتية، ودعم النشاطات الاقتصادية لتحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
5. آليات الرقابة وحماية حقوق المواطنين: تضمن آليات الرقابة المضمّنة في الإعلان الدستوري حماية المواطنين والمساءلة.
ولتنفيذ مضامين الإعلان الدستوري بفاعلية، يجري اعتماد هيكل إداري مؤقت، يضمُّ:
1. الهيئة الانتقالية: ذات صلاحيات واسعة لتوجيه المرحلة الانتقالية، بما في ذلك التشريع ومراقبة أداء حكومة تسيير الأعمال.
2. حكومة تسيير الأعمال: تتولى إدارة الشؤون اليومية للدولة، وتنفيذ السياسات المنصوص عليها في الإعلان الدستوري.
3. الهيئات التابعة للحكومة والمجلس: مثل هيئة العدالة الانتقالية.
رابعًا: الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع
تتولى الهيئة الانتقالية مسؤولية الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع باعتبارها الجهة المخوّلة بإدارة المرحلة الانتقالية. ويهدف المؤتمر إلى توحيد الجهود الوطنية ورسم ملامح سورية المستقبل على أسس تشاركية وشاملة. وتشمل أهدافه ما يلي:
1. جمع ممثلين عن كافة مكونات الشعب السوري ومختلف القوى السياسية، بما في ذلك الأحزاب، والجمعيات غير الحكومية والأهلية والاتحادات، والنخب الفكرية والأكاديمية؛ للمساهمة في بناء رؤية وطنية متكاملة.
2. وضع رؤية وطنية مشتركة تحدد الأولويات المستقبلية، مثل إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي، والاتفاق على المبادئ الأساسية لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
3. اختيار لجنة دستورية مستقلة تتولى صياغة دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري، ويضمن مشاركة جميع مكوّناته في بناء الدولة، مع ضمان تمثيل كافة الأطياف والمكونات السورية في اللجنة الدستورية لتعزيز شرعية الدستور الجديد وصدقيته.
1. معايير اختيار المشاركين في المؤتمر الوطني
لضمان نجاح المؤتمر وتحقيق أهدافه، تعتمد الهيئة الانتقالية معايير واضحة وشفافة لاختيار المشاركين، تشمل:
أ. التمثيل الشامل والمتوازن: يجري تمثيل كافة المناطق السورية ومختلف مكونات المجتمع.
ب. الكفاءة والخبرة: يجري اختيار شخصيات ذات كفاءة وخبرة في مجالات السياسة والقانون والاقتصاد وغيرها، مع ضمان أن يكون المشاركون قادرين على تقديم رؤى بنّاءة وحلول عملية للقضايا الوطنية.
ج. النزاهة: اختيار شخصيات ذات سمعة حسنة، ولم تتورط في انتهاكات أو ممارسات قمعية خلال النزاع.
د. التنوع الفكري: يجري إشراك شخصيات من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية؛ على نحو يضمن أن تكون مخرجات المؤتمر شاملة وممثلة لكافة أطياف المجتمع.
ه. الالتزام بالمبادئ الوطنية: اختيار المشاركين الذين يلتزمون بمبدأ وحدة سورية أرضًا وشعبًا، ورفض التدخلات الخارجية التي تقوّض السيادة الوطنية، ورفض استخدام العنف في حلّ الخلافات السياسية.
2. آليات اختيار المشاركين
لضمان اختيار المشاركين على نحوٍ عادل وفعّال، تضع الهيئة الانتقالية آليات واضحة تشمل:
أ. تشكيل لجنة تنظيمية منبثقة من الهيئة الانتقالية للإشراف على عملية اختيار المشاركين، وتضمّ شخصيات قانونية معترف بها لضمان الشفافية والنزاهة.
ب. الإعلان عن إجراءات شفافة تشمل معايير الاختيار وآلياته بصورة علنية؛ لضمان مشاركة المواطنين وموافقتهم على مخرجات المؤتمر.
ج. التشاور مع القوى الوطنية، من خلال دعوة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتقديم قوائم بأسماء مرشحيها لحضور المؤتمر، وإجراء مشاورات مكثفة مع القيادات المحلية والمجالس الأهلية؛ لضمان تمثيل المناطق المختلفة.
د. إشراك المنظمات المحلية في عملية اختيار المشاركين؛ لضمان شموليتها وشفافيتها، مع ضمان وجود مراقبين محليين لمتابعة سير العملية وإعداد تقارير حولها.
ه. إنشاء منصات إلكترونية؛ لتلقّي ملاحظات المواطنين وضمان استيعاب آرائهم.
3. آليات تنفيذ مخرجات المؤتمر الوطني
لتنفيذ مخرجات المؤتمر الوطني، يجب:
أ. توزيع التمثيل داخل المؤتمر بناءً على معايير عادلة تراعي التوازن بين المناطق والمكونات السورية، ومنع احتكار أيّ طرف للقرارات، بما يضمن أن تكون مخرجات المؤتمر معبّرة عن التوافق الوطني.
ب. توفير إشراف محلّي؛ لضمان الشفافية والصدقية، مع احترام السيادة الوطنية.
ج. العمل على بناء الثقة مع المجتمع الدولي؛ لدعم مخرجات المؤتمر وتقديم الدعم اللازم لتنفيذها.
د. تحديد جدول زمني واضح لتنفيذ البنود، من قبيل تشكيل اللجنة الدستورية وصياغة الدستور الجديد.
ه. إطلاق حوار وطني مستمر، بجعل المؤتمر بداية لحوار وطني مستمر يشمل جميع مكونات المجتمع السوري لضمان تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي.
خامسًا: صياغة الدستور الجديد
تُعدّ صياغة دستور جديد لسورية من أولى الخطوات الأساسية في بناء الدولة بعد المرحلة الانتقالية؛ فهو يمثّل العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الدولة ومواطنيها، ويهدف إلى إرساء قيم الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، بما يضمن مشاركة جميع مكوّنات الشعب السوري في بناء مستقبلهم على أسس متينة وشاملة، ويشمل ذلك:
1. عمل اللجنة الدستورية
تُكلَّف اللجنة الدستورية بصياغة دستور جديد يعكس تطلّعات الشعب السوري وتوجهاته نحو الديمقراطية والعدالة. ويجري تشكيلها بناءً على معايير واضحة تضمن استقلالها وكفاءتها، وتحدد مهماتها بصياغة دستور جديد يسعى إلى:
أ. تحديد شكل الدولة ومؤسساتها، عبر مواد تحدد شكل الدولة بوصفها دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق جميع المواطنين، ووضع نصوص واضحة تنظم عمل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)؛ لضمان الفصل بينها وتجنّب الاستبداد.
ب. ترسيخ قيم الديمقراطية، وذلك بنظام سياسي يضمن إمكانية تداول السلطة سلميًا ودوريًا، وإرساء مبدأ سيادة القانون بحيث يكون الجميع متساوين أمامه من دون أيّ استثناءات.
ج. تعزيز التعددية السياسية، من خلال نصوص قانونية تضمن حرية تأسيس الأحزاب والجمعيات السياسية.
د. إدراج مواد تضمن حقوق الإنسان وتنص على الحقوق المدنية والسياسية (مثل حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي، وحرية الصحافة)، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (بما يشمل الحق في التعليم والصحة والسكن).
ه. حماية حقوق مختلف مكونات المجتمع السوري، وذلك بتحقيق المساواة الكاملة على أساس المواطنة وضمان عدم التمييز أو إقصاء المنتمين إلى جماعات محددة عن المشاركة السياسية، وحماية الحقوق الثقافية الجماعية.
و. تحقيق العدالة الانتقالية، من خلال وضع إطار قانوني يشمل كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، عن طريق محاكمات علنية تستوفي كافة معايير العدالة، وجبر الضرر للضحايا، وإنشاء آليات لتوثيق الجرائم والانتهاكات التي حدثت خلال النزاع لضمان عدم تكرارها.
ز. تمكين الفئات المهمشة، بما يشمل تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة من خلال تخصيص نسبة معيّنة للتمثيل النسائي في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وإدراج نصوص تدعم حقوق الشباب وتشجع مشاركتهم في صنع القرار، وتمكين ذوي الإعاقة وضمان حقهم في التعليم والعمل والمشاركة السياسية.
2. آليات عمل اللجنة الدستورية
لضمان نجاح اللجنة الدستورية في تحقيق مهماتها، تُعتمد آليات عمل محددة تشمل:
أ. التشكيل المتوازن: تضمّ اللجنة خبراء قانونيين وسياسيين من مختلف مكونات المجتمع السوري، مع تمثيلٍ عادل للمرأة والشباب والأقليات لضمان شمولية المخرجات.
ب. إجراءات شفافة ومشاركة شعبية: عقد جلسات علنية لإطْلاع المواطنين على مسار صياغة الدستور وضمان مشاركتهم في المناقشات، واستقبال المقترحات من المواطنين والمجتمع المدني، بما يضمن أن يعكس الدستور تطلعات الشعب.
ج. الاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية: دراسة تجارب الدول الأخرى في صياغة دساتيرها بعد النزاعات للاستفادة من أفضل الممارسات.
د. التنسيق مع الهيئة الانتقالية: العمل على نحوٍ وثيق مع الهيئة الانتقالية؛ لضمان اتساق الدستور الجديد مع المرحلة الانتقالية وأهدافها، وعرض المسودة النهائية للهيئة قبل طرحها للاستفتاء الشعبي.
3. آليات الاستفتاء الشعبي
يُعرض الدستور الجديد على استفتاء شعبي عام؛ لضمان شرعيته وموافقة الشعب عليه، وفقًا لآليات تضمن الشفافية والصدقية، وتشمل:
أ. تنظيم الاستفتاء: يجري تحديد موعد لإجراء الاستفتاء بعد إتمام صياغة الدستور ومراجعته، وإعداد آليات إجرائية تضمن سهولة وصول المواطنين إلى مراكز الاقتراع في جميع المناطق السورية.
ب. إشراف مستقل: إنشاء لجنة وطنية مستقلة للإشراف على تنظيم الاستفتاء (تضمّ شخصيات معروفة بالنزاهة والاستقلالية)، مع ضمان وجود مراقبين محليين ودوليين لمتابعة سير العملية الانتخابية وتقديم تقارير عن نزاهتها.
ج. ضمان الشمولية: تمكين اللاجئين والنازحين داخليًا من المشاركة في الاستفتاء عبر آليات ميسّرة، وتوفير التوعية الكافية حول محتوى الدستور الجديد؛ بما يضمن نجاح عملية التصويت.
د. الإعلان عن النتائج: إعلان نتائج الاستفتاء بطريقة شفافة ومباشرة عبر مختلف وسائل الإعلام، والالتزام بمخرجات الاستفتاء، والعمل على تنفيذها بوصفها تمثيلًا للإرادة الشعبية.
سادسًا: إجراء الانتخابات
تُعدّ الانتخابات الحرة والنزيهة المحطة النهائية في المرحلة الانتقالية، حيث تمثّل تتويجًا للجهود المبذولة في إعادة بناء المؤسسات وضمان مشاركة الشعب السوري في تقرير مصيره. وتُعتبر أساسًا لإضفاء الشرعية على النظام السياسي الجديد، وتحديد القيادة التي ستتولى إدارة شؤون الدولة خلال مرحلة الاستقرار.
1. إجراءات تنظيم الانتخابات
تتطلب الانتخابات الناجحة تنظيمًا دقيقًا لضمان شفافيتها ونزاهتها، وتشمل الإجراءات التالية:
أ. إعداد الإطار القانوني والتنظيمي: صياغة قانون انتخابات جديد يضمن التعددية السياسية، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات تتمتع بالاستقلالية والحياد، وتنظيم حملات توعية للناخبين حول أهمية الانتخابات وآلياتها لضمان مشاركة فعّالة.
ب. تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة: إجراء انتخابات برلمانية لتشكيل مجلس تشريعي يمثّل إرادة الشعب ويُشرف على سنّ القوانين ورقابة الحكومة، وانتخابات رئاسية لاختيار رئيس للدولة وفقًا للدستور الجديد، والالتزام بجدول زمني محدد لإجراء الانتخابات في إطار المرحلة الانتقالية.
ج. ضمان مشاركة كافة المواطنين في الداخل والخارج: توفير آليات تصويت للنازحين داخليًا واللاجئين في الخارج بالتنسيق مع الدول المضيفة، وإنشاء مراكز اقتراع إضافية في المناطق التي يصعب الوصول إليها لضمان شمولية العملية الانتخابية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل التصويت الإلكتروني، في المناطق الآمنة لتسهيل المشاركة.
د. الإشراف الدولي والمحلي: تجري دعوة منظمات دولية متخصصة مثل الأمم المتحدة؛ للإشراف على الانتخابات لضمان نزاهتها، وإشراك منظمات المجتمع المدني المحلي في متابعة العملية الانتخابية وتقديم تقارير عن سيرها.
ه. ضمان أمن العملية الانتخابية: يجري تأمين مراكز الاقتراع لضمان عدم التدخل أو الترهيب، ومراقبة العملية الانتخابية لمنع أيّ محاولات للتزوير أو التأثير في الناخبين.
2. ضمان الشمولية في الانتخابات
لضمان تمثيلٍ عادل وشامل لجميع مكونات الشعب السوري، يجب اتخاذ تدابير خاصة تشمل:
أ. تمكين المرأة والشباب: تخصيص نسبة معينة من المقاعد تضمن حدًّا أدنى لتمثيل النساء، ووضع برامج خاصة لتشجيع الشباب على الترشح والمشاركة في العملية السياسية.
ب. مشاركة مختلف مكونات الشعب السوري: ضمان تمثيل عادل للمكونات الاجتماعية العرقية والدينية في المجالس المنتخبة من خلال تمثيل عادل لمختلف المحافظات، وضمان التنوع في قوائم مرشحي جميع الأحزاب، وتوفير بيئة سياسية تضمن حرية التعبير والمشاركة لكل المكونات من دون تمييز.
ج. إعادة دمج النازحين واللاجئين: تسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية لضمان مشاركتهم في الانتخابات، وتوفير وثائق تعريفية للمواطنين الذين فقدوا أوراقهم الرسمية خلال النزاع؛ لضمان حقّهم في التصويت.
3. الإجراءات اللوجستية والفنية للانتخابات
يتطلب تنظيم الانتخابات، على المستوى اللوجستي والفني، ما يلي:
أ. إعداد قوائم الناخبين: إنشاء قاعدة بيانات وطنية محدثة تضم جميع المواطنين المؤهّلين للتصويت، والتحقق من قوائم الناخبين بالتعاون مع المجالس المحلية لضمان دقّتها.
ب. تنظيم الحملات الانتخابية: ضمان تساوي الفرص لجميع المرشحين في الوصول إلى الناخبين من خلال وسائل الإعلام والفعاليات العامة، ومنع استخدام المال السياسي أو الموارد العامة في الحملات الانتخابية.
ج. مراقبة الانتخابات: يجب نشر مراقبين دوليين ومحليين في جميع مراكز الاقتراع لمتابعة سير العملية الانتخابية، وإنشاء خط ساخن لتلقّي الشكاوى والانتهاكات التي ربما تحدث أثناء الانتخابات.
د. إعلان النتائج: تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات عن النتائج بطريقة شفّافة ومباشرة، ويجري توفير آليات للطعن في النتائج أمام قضاء مستقل؛ لضمان معالجة أيّ اعتراضات بصورة عادلة.
سابعًا: نهاية المرحلة الانتقالية
تُختتم المرحلة الانتقالية بنقل السلطة إلى قيادة منتخَبة من الشعب السوري، بما يدشّن مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية. وتشمل هذه المرحلة:
1. تسليم الهيئة الانتقالية السلطة إلى حكومة منتخبة بعد انتهاء الانتخابات، بما يضمن تجنّب أيّ فراغ سياسي أو إداري.
2. إطلاق مرحلة الاستقرار من خلال العمل على تنفيذ البرامج المتفق عليها خلال المرحلة الانتقالية لتعزيز التنمية الوطنية.
3. إعادة بناء المؤسسات الوطنية، بتفعيل عملها بما يتوافق مع الدستور الجديد.
4. تعزيز الثقة بالمستقبل، إذ يجب أن تؤكد القيادة المنتخبة التزامها بمبادئ الشفافية والمساءلة والعمل على تحقيق تطلعات الشعب السوري، وإطلاق مشاريع وطنية كبرى لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الشاملة.
خاتمة
تمثّل المرحلة الانتقالية فرصةً تاريخيةً لإعادة بناء سورية على أسس ديمقراطية وعدالة شاملة، وإنشاء نظام يحظى بشرعية شعبية. ويعتمد نجاح هذه المرحلة على وضوح الرؤية وشمولية الإجراءات والوحدة الوطنية لإنجاح الانتقال، ودعم المجتمع الدولي، من خلال تشكيل مجلس انتقالي قويّ، وإعلان دستوري شامل، وصياغة دستور ديمقراطي يضمن الحقوق العامة، ويمكّن من تحقيق انتقال سياسي مستدام وبناء سورية المستقبل التي تطمح إليها الأجيال المقبلة.
الجديدة: خارطة طريق للمرحلة الانتقالية
مع إسقاط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، خطا السوريون خطوة مهمة نحو الخروج من حقبة مظلمة في تاريخهم المعاصر، وأصبحوا على أبواب مرحلة انتقالية حاسمة لإعادة بناء الدولة السورية بعد عقود من الاستبداد، وأربعة عشر عامًا من التضحيات التي أظهرت تطلّع الشعب السوري نحو الحرية والكرامة، وتركت آثارًا عميقة في بنية الدولة والنسيج الاجتماعي.
تمثّل المرحلة الانتقالية فرصةً لإرساء أسس نظام سياسي جديد لا يتجاوز نظام الاستبداد الذي عرفته سورية طوال أكثر من نصف قرن فحسب، بل يمنع نشوء أيّ نوع من الاستبداد أيضًا، ويستند إلى مبادئ الحكم الرشيد والمشاركة الشعبية واحترام حقوق المواطن وحرياته والتعددية السياسية والثقافية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري. وتتطلب هذه المرحلة مواجهة التحديات الكبيرة، المتمثلة بضعف مؤسسات الدولة، وانهيار بعضها (الجيش والأمن)، وانعدام الثقة بين مختلف الفئات الاجتماعية، والتدخلات الخارجية، والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ما يتطلب خطة واضحة للانتقال تسمح بالتغلب على هذه التحديات تشمل ما يلي:
أولًا: تشكيل هيئة حكم انتقالية
إن تشكيل هيئة حكم انتقالية ضرورة؛ فمن دونها يصعب فهم عملية صنع القرار في المرحلة الانتقالية أو إضفاء الشرعية القانونية عليها.
تتكوّن هذه الهيئة من شخصيات عسكرية ومدنية يجري اختيارها بناءً على معايير واضحة لضمان الكفاءة والقدرة على مواجهة تحديات المرحلة. وتعكس تركيبتها تضافر الجهود بين المقاتلين الذين كان لهم الدور الأبرز في هزيمة نظام بشار الأسد وإسقاطه، ومجموعة من التكنوقراط أصحاب الخبرات المناسبة، والسياسيين من ذوي الشعبية الواسعة، ممّن شاركوا في النضال ضد نظام الأسد. ويرأس مجلس الهيئة قائد إدارة العمليات العسكرية بصفته هذه.
وتتحمل الهيئة الانتقالية مسؤوليات أساسية تشمل ما يلي:
1. توفير الأمن والاستقرار من خلال وضع أسس لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بطريقة احترافية.
2. إعادة بناء الجيش الوطني والإشراف على جمع السلاح، بما في ذلك من الفصائل المقاتلة، ودمج عناصرها في إطار الجيش الوطني الجديد.
3. الإشراف على إدارة الشؤون الخارجية، بما في ذلك وزارة الخارجية، مع التركيز على بناء علاقات دولية تخدم المصلحة الوطنية السورية.
4. الإشراف على تشكيل حكومة تسيير أعمال تتولى إدارة المهمات اليومية للدولة، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية، وضبط الأمن.
5. ممارسة صلاحيات تشريعية استثنائية تُمكّن المجلس من معالجة الأوضاع القانونية المتراكمة من النظام السابق، تشمل ما يلي:
أ. إعلان دستوري مؤقت.
ب. إلغاء القوانين القمعية، بما في ذلك قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب، وأيّ قوانين أخرى تمنح أفراد السلطة العامة حصانات تحميهم من المحاسبة القانونية، لضمان عدم إفلات أيّ مسؤول من العقاب.
ج. تشريع قوانين جديدة (محدودة) متعلقة بالمرحلة الانتقالية تدعم الانتقال الديمقراطي، مثل قانون الانتخابات المؤقت، وقانون الأحزاب المؤقت، وقانون إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، وسنّ تشريعات أساسية لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية بما يضمن حياديتها واستقلاليتها.
وتتمثل معايير اختيار أعضاء الهيئة الانتقالية في:
1. الكفاءة المهنية والخبرة، بما في ذلك امتلاك الخبرة العملية في مجالات الإدارة والأمن والعلاقات الدولية، مع وجود ما يُثبت القدرة على العمل في ظروف استثنائية، والإلمام بالآليات السياسية والقانونية اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية.
2. النزاهة والاستقلالية، حيث يجري اختيار أعضاء سجلّهم خالٍ من الفساد والتجاوزات، وليس لهم ارتباط بالنظام السابق ولم يشغلوا مناصبَ قيادية فيه.
3. الالتزام بالمبادئ التي قامت عليها الثورة السورية، مثل الحرية والكرامة والعدالة.
4. التمثيل الوطني، بما يشمل ضمان تمثيل كافة المكونات الوطنية، والتنوع المجتمعي السوري، وأن يكون العضو ذا قبول في منطقته ومجتمعه.
5. الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والإيمان بسيادة القانون، واحترام التعددية السياسية، والعمل على تعزيز مشاركة مختلف الأطراف الوطنية.
6. التحلّي بالمرونة والقدرة على العمل الجماعي ضمن فريق متعدد الخلفيات والخبرات.
ويمكن اعتماد الآليات التالية في اختيار الأعضاء:
1. التوافق والمشاورات، بحيث تُعقد مشاورات مكثفة بين مختلف القوى الوطنية بقيادة إدارة العمليات العسكرية للوصول إلى توافق يعكس الإرادة الشعبية.
2. الاستعانة بلجنة لتقديم توصيات، يكون من مهماتها التحقق من السيرة الذاتية والخبرات العملية للمرشحين.
ثانيًا: حكومة تسيير الأعمال
تعمل حكومة تسيير الأعمال تحت إشراف الهيئة الانتقالية، وتُعدّ ركيزة أساسية للمرحلة الانتقالية. وتهدف إلى تحقيق استقرار الحياة اليومية للسكان ووضع اللّبنات الأولى لإعادة بناء الدولة السورية على أسس سليمة. وتتعاون مع الهيئة في بذل الجهود لرفع العقوبات عن سورية. وتتمثل أهدافها الرئيسة في ما يلي:
1. إدارة شؤون الحياة اليومية وتوفير السلع الأساسية، وتشغيل القطاعات الحيوية، بما في ذلك قطاعَا الصحة والتعليم.
2. إعادة تشغيل المرافق الحيوية، مع التركيز على إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء التي تضررت بسبب الحرب، وضمان توزيعها على نحوٍ مستدام وعادل.
3. إدارة المؤسسات الحكومية وإعادة تنظيم عملها لتقديم الخدمات بكفاءة وشفافية، بما يضمن وصول الخدمات إلى جميع المناطق من دون تمييز.
4. إغاثة الفئات الأشدّ تضررًا، ووضع خطط طوارئ لمساعدة النازحين، بما يشمل توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية.
5. وضع الأسس الاقتصادية والاجتماعية الممهّدة لإعادة الإعمار والتنمية، وتطوير سياسات اقتصادية لمعالجة التضخم والبطالة، وتوفير فرص عمل للشباب والمجتمع المحلي.
6. إطلاق عمليات إعادة إعمار البنية التحتية من خلال دراسة المشاريع العاجلة لإعادة بناء الطرق والجسور المدمرة، وربط المناطق الريفية بالمدن، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات.
7. تأهيل القطاعات الاقتصادية، ودعم القطاعات الزراعية لإحياء الإنتاج الزراعي، وضمان الأمن الغذائي.
8. تقديم التسهيلات لإعادة تشغيل المصانع والمنشآت الصناعية الصغيرة التي كانت قائمة قبل الحرب.
9. تعزيز التماسك الاجتماعي، وإنشاء برامج دعم اجتماعي تركز على إعادة النازحين واللاجئين إلى أماكن سكناهم الأصلية، ورعاية الأيتام وأسر الشهداء، وتوفير فرص تدريب وتأهيل مهني لهم.
10. العمل على توفير بيئة سياسية تتيح حرية الرأي والتعبير، وضمان حق التجمع السلمي وإشراك المواطنين في صنع القرار.
11. توفير بيئة آمنة تمهد الطريق لحوار وطني جامع يشمل كلّ مكونات الشعب السوري، وإطلاق منصات للحوار تشمل جميع المكونات السياسية والاجتماعية، بغرض التوصل إلى رؤية مشتركة حول شكل الدولة الجديدة مع إشراك ممثلين عن الشباب والمرأة والأقليات في عملية الحوار لضمان التنوع والشمولية.
12. العمل على إرساء مبادرات مصالحة محلية تهدف إلى حل النزاعات القائمة بين المجتمعات المحلية، وتقديم الدعم لآليات بناء الثقة بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية بما يضمن التماسك الوطني.
13. وضع إطار مبدئي للعدالة الانتقالية يركز على وضع أسس قانونية ومرجعية لإنصاف ضحايا الانتهاكات، والكشف عن الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، بما يضمن التمهيد لمصالحة مستدامة.
وتتبعُ حكومة تسيير الأعمال في عملها الآليات التالية:
1. إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وفقًا لمعايير الكفاءة والنزاهة لضمان تقديم خدمات فعالة لجميع المواطنين.
2. الاستعانة بالكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، بما يضمن توفير خبرات قادرة على إدارة التحديات المعقدة التي تواجه الحكومة المؤقتة.
3. التعاون مع المجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية لتوفير حلول سريعة ومبتكرة للتحديات اليومية، مع ضمان إشراك المواطنين في عملية صنع القرار.
4. العمل على تأمين دعم مالي دولي وإقليمي لإعادة الإعمار، مع توجيه هذه الموارد بشفافية لتلبية الاحتياجات الملحّة.
ثالثًا: الإعلان الدستوري
تُدار المرحلة الانتقالية بموجب إعلان دستوري يمثّل مرجعيةً قانونيةً للسلطات التي تديرها، ويُعدّ الوثيقة القانونية المؤقتة التي تنظم شؤون الدولة، وهو لا يحدد مستقبل سورية بل يحدد قواعد لإدارة البلاد في هذه المرحلة. وإلى جانب تحديد الحقوق الأساسية وآليات الرقابة، فإنه يمنح بعض الصلاحيات التشريعية للمجلس الانتقالي لضمان تحقيق العدالة والبدء في عملية بناء الدولة على أسس قانونية عادلة وتعلنه الهيئة الانتقالية، ويُعنى أساسًا بما يلي:
1. الحقوق المدنية والسياسية: يمثّل الإعلان الدستوري ضمانةً أساسيةً لحماية الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، بما في ذلك ضمان حرية الرأي والتعبير من دون خوف من الملاحقة، وحماية الصحافيين ووسائل الإعلام من التضييق أو القمع، وتمكين المواطنين من التجمع السلمي للتعبير عن آرائهم ومطالبهم، مع ضمان حماية هذا الحق من أيّ تعسف. وبموجب الصلاحيات الممنوحة للهيئة الانتقالية، تُلغى القوانين الاستثنائية التي قيّدت الحريات العامة، من قبيل قوانين الطوارئ التي تُستخدم أداةً لقمع المعارضة، وتأكيد مبدأ المساواة التامة بين جميع المواطنين أمام القانون، من دون تمييز أو محاباة.
2. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة وحالة عدم الاستقرار في المرحلة الانتقالية: تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها في الإعلان الدستوري الحق في التعليم (المجاني) لجميع الفئات العمرية (مع وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الأطفال المتضررين من النزاع)، والحق في الصحة (مع ضمان توفير الرعاية الصحية المجانية لجميع المواطنين، وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الطبية، وإنشاء برامج لمعالجة جراح الحرب النفسية والجسدية، خاصة للفئات الأشدّ ضعفًا).
3. إلغاء القوانين التي تمنح حصانات خاصة لأفراد السلطة العامة، والتي تُستخدم، غالبًا، لحمايتهم من المحاسبة على أفعالهم غير القانونية.
4. إعادة الإعمار والتنمية، بإطلاق خطط قصيرة ومتوسطة الأجل لإعادة بناء البنية التحتية، ودعم النشاطات الاقتصادية لتحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
5. آليات الرقابة وحماية حقوق المواطنين: تضمن آليات الرقابة المضمّنة في الإعلان الدستوري حماية المواطنين والمساءلة.
ولتنفيذ مضامين الإعلان الدستوري بفاعلية، يجري اعتماد هيكل إداري مؤقت، يضمُّ:
1. الهيئة الانتقالية: ذات صلاحيات واسعة لتوجيه المرحلة الانتقالية، بما في ذلك التشريع ومراقبة أداء حكومة تسيير الأعمال.
2. حكومة تسيير الأعمال: تتولى إدارة الشؤون اليومية للدولة، وتنفيذ السياسات المنصوص عليها في الإعلان الدستوري.
3. الهيئات التابعة للحكومة والمجلس: مثل هيئة العدالة الانتقالية.
رابعًا: الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع
تتولى الهيئة الانتقالية مسؤولية الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع باعتبارها الجهة المخوّلة بإدارة المرحلة الانتقالية. ويهدف المؤتمر إلى توحيد الجهود الوطنية ورسم ملامح سورية المستقبل على أسس تشاركية وشاملة. وتشمل أهدافه ما يلي:
1. جمع ممثلين عن كافة مكونات الشعب السوري ومختلف القوى السياسية، بما في ذلك الأحزاب، والجمعيات غير الحكومية والأهلية والاتحادات، والنخب الفكرية والأكاديمية؛ للمساهمة في بناء رؤية وطنية متكاملة.
2. وضع رؤية وطنية مشتركة تحدد الأولويات المستقبلية، مثل إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي، والاتفاق على المبادئ الأساسية لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
3. اختيار لجنة دستورية مستقلة تتولى صياغة دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري، ويضمن مشاركة جميع مكوّناته في بناء الدولة، مع ضمان تمثيل كافة الأطياف والمكونات السورية في اللجنة الدستورية لتعزيز شرعية الدستور الجديد وصدقيته.
1. معايير اختيار المشاركين في المؤتمر الوطني
لضمان نجاح المؤتمر وتحقيق أهدافه، تعتمد الهيئة الانتقالية معايير واضحة وشفافة لاختيار المشاركين، تشمل:
أ. التمثيل الشامل والمتوازن: يجري تمثيل كافة المناطق السورية ومختلف مكونات المجتمع.
ب. الكفاءة والخبرة: يجري اختيار شخصيات ذات كفاءة وخبرة في مجالات السياسة والقانون والاقتصاد وغيرها، مع ضمان أن يكون المشاركون قادرين على تقديم رؤى بنّاءة وحلول عملية للقضايا الوطنية.
ج. النزاهة: اختيار شخصيات ذات سمعة حسنة، ولم تتورط في انتهاكات أو ممارسات قمعية خلال النزاع.
د. التنوع الفكري: يجري إشراك شخصيات من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية؛ على نحو يضمن أن تكون مخرجات المؤتمر شاملة وممثلة لكافة أطياف المجتمع.
ه. الالتزام بالمبادئ الوطنية: اختيار المشاركين الذين يلتزمون بمبدأ وحدة سورية أرضًا وشعبًا، ورفض التدخلات الخارجية التي تقوّض السيادة الوطنية، ورفض استخدام العنف في حلّ الخلافات السياسية.
2. آليات اختيار المشاركين
لضمان اختيار المشاركين على نحوٍ عادل وفعّال، تضع الهيئة الانتقالية آليات واضحة تشمل:
أ. تشكيل لجنة تنظيمية منبثقة من الهيئة الانتقالية للإشراف على عملية اختيار المشاركين، وتضمّ شخصيات قانونية معترف بها لضمان الشفافية والنزاهة.
ب. الإعلان عن إجراءات شفافة تشمل معايير الاختيار وآلياته بصورة علنية؛ لضمان مشاركة المواطنين وموافقتهم على مخرجات المؤتمر.
ج. التشاور مع القوى الوطنية، من خلال دعوة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتقديم قوائم بأسماء مرشحيها لحضور المؤتمر، وإجراء مشاورات مكثفة مع القيادات المحلية والمجالس الأهلية؛ لضمان تمثيل المناطق المختلفة.
د. إشراك المنظمات المحلية في عملية اختيار المشاركين؛ لضمان شموليتها وشفافيتها، مع ضمان وجود مراقبين محليين لمتابعة سير العملية وإعداد تقارير حولها.
ه. إنشاء منصات إلكترونية؛ لتلقّي ملاحظات المواطنين وضمان استيعاب آرائهم.
3. آليات تنفيذ مخرجات المؤتمر الوطني
لتنفيذ مخرجات المؤتمر الوطني، يجب:
أ. توزيع التمثيل داخل المؤتمر بناءً على معايير عادلة تراعي التوازن بين المناطق والمكونات السورية، ومنع احتكار أيّ طرف للقرارات، بما يضمن أن تكون مخرجات المؤتمر معبّرة عن التوافق الوطني.
ب. توفير إشراف محلّي؛ لضمان الشفافية والصدقية، مع احترام السيادة الوطنية.
ج. العمل على بناء الثقة مع المجتمع الدولي؛ لدعم مخرجات المؤتمر وتقديم الدعم اللازم لتنفيذها.
د. تحديد جدول زمني واضح لتنفيذ البنود، من قبيل تشكيل اللجنة الدستورية وصياغة الدستور الجديد.
ه. إطلاق حوار وطني مستمر، بجعل المؤتمر بداية لحوار وطني مستمر يشمل جميع مكونات المجتمع السوري لضمان تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي.
خامسًا: صياغة الدستور الجديد
تُعدّ صياغة دستور جديد لسورية من أولى الخطوات الأساسية في بناء الدولة بعد المرحلة الانتقالية؛ فهو يمثّل العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الدولة ومواطنيها، ويهدف إلى إرساء قيم الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، بما يضمن مشاركة جميع مكوّنات الشعب السوري في بناء مستقبلهم على أسس متينة وشاملة، ويشمل ذلك:
1. عمل اللجنة الدستورية
تُكلَّف اللجنة الدستورية بصياغة دستور جديد يعكس تطلّعات الشعب السوري وتوجهاته نحو الديمقراطية والعدالة. ويجري تشكيلها بناءً على معايير واضحة تضمن استقلالها وكفاءتها، وتحدد مهماتها بصياغة دستور جديد يسعى إلى:
أ. تحديد شكل الدولة ومؤسساتها، عبر مواد تحدد شكل الدولة بوصفها دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق جميع المواطنين، ووضع نصوص واضحة تنظم عمل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)؛ لضمان الفصل بينها وتجنّب الاستبداد.
ب. ترسيخ قيم الديمقراطية، وذلك بنظام سياسي يضمن إمكانية تداول السلطة سلميًا ودوريًا، وإرساء مبدأ سيادة القانون بحيث يكون الجميع متساوين أمامه من دون أيّ استثناءات.
ج. تعزيز التعددية السياسية، من خلال نصوص قانونية تضمن حرية تأسيس الأحزاب والجمعيات السياسية.
د. إدراج مواد تضمن حقوق الإنسان وتنص على الحقوق المدنية والسياسية (مثل حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي، وحرية الصحافة)، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (بما يشمل الحق في التعليم والصحة والسكن).
ه. حماية حقوق مختلف مكونات المجتمع السوري، وذلك بتحقيق المساواة الكاملة على أساس المواطنة، وضمان عدم التمييز أو إقصاء المنتمين إلى جماعات محددة عن المشاركة السياسية، وحماية الحقوق الثقافية الجماعية.
و. تحقيق العدالة الانتقالية، من خلال وضع إطار قانوني يشمل كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، عن طريق محاكمات علنية تستوفي كافة معايير العدالة، وجبر الضرر للضحايا، وإنشاء آليات لتوثيق الجرائم والانتهاكات التي حدثت خلال النزاع لضمان عدم تكرارها.
ز. تمكين الفئات المهمشة، بما يشمل تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة من خلال تخصيص نسبة معيّنة للتمثيل النسائي في المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وإدراج نصوص تدعم حقوق الشباب وتشجع مشاركتهم في صنع القرار، وتمكين ذوي الإعاقة وضمان حقهم في التعليم والعمل والمشاركة السياسية.
2. آليات عمل اللجنة الدستورية
لضمان نجاح اللجنة الدستورية في تحقيق مهماتها، تُعتمد آليات عمل محددة تشمل:
أ. التشكيل المتوازن: تضمّ اللجنة خبراء قانونيين وسياسيين من مختلف مكونات المجتمع السوري، مع تمثيلٍ عادل للمرأة والشباب والأقليات لضمان شمولية المخرجات.
ب. إجراءات شفافة ومشاركة شعبية: عقد جلسات علنية لإطْلاع المواطنين على مسار صياغة الدستور وضمان مشاركتهم في المناقشات، واستقبال المقترحات من المواطنين والمجتمع المدني، بما يضمن أن يعكس الدستور تطلعات الشعب.
ج. الاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية: دراسة تجارب الدول الأخرى في صياغة دساتيرها بعد النزاعات للاستفادة من أفضل الممارسات.
د. التنسيق مع الهيئة الانتقالية: العمل على نحوٍ وثيق مع الهيئة الانتقالية؛ لضمان اتساق الدستور الجديد مع المرحلة الانتقالية وأهدافها، وعرض المسودة النهائية للهيئة قبل طرحها للاستفتاء الشعبي.
3. آليات الاستفتاء الشعبي
يُعرض الدستور الجديد على استفتاء شعبي عام؛ لضمان شرعيته وموافقة الشعب عليه، وفقًا لآليات تضمن الشفافية والصدقية، وتشمل:
أ. تنظيم الاستفتاء: يجري تحديد موعد لإجراء الاستفتاء بعد إتمام صياغة الدستور ومراجعته، وإعداد آليات إجرائية تضمن سهولة وصول المواطنين إلى مراكز الاقتراع في جميع المناطق السورية.
ب. إشراف مستقل: إنشاء لجنة وطنية مستقلة للإشراف على تنظيم الاستفتاء (تضمّ شخصيات معروفة بالنزاهة والاستقلالية)، مع ضمان وجود مراقبين محليين ودوليين لمتابعة سير العملية الانتخابية وتقديم تقارير عن نزاهتها.
ج. ضمان الشمولية: تمكين اللاجئين والنازحين داخليًا من المشاركة في الاستفتاء عبر آليات ميسّرة، وتوفير التوعية الكافية حول محتوى الدستور الجديد؛ بما يضمن نجاح عملية التصويت.
د. الإعلان عن النتائج: إعلان نتائج الاستفتاء بطريقة شفافة ومباشرة عبر مختلف وسائل الإعلام، والالتزام بمخرجات الاستفتاء، والعمل على تنفيذها بوصفها تمثيلًا للإرادة الشعبية.
سادسًا: إجراء الانتخابات
تُعدّ الانتخابات الحرة والنزيهة المحطة النهائية في المرحلة الانتقالية، حيث تمثّل تتويجًا للجهود المبذولة في إعادة بناء المؤسسات وضمان مشاركة الشعب السوري في تقرير مصيره. وتُعتبر أساسًا لإضفاء الشرعية على النظام السياسي الجديد، وتحديد القيادة التي ستتولى إدارة شؤون الدولة خلال مرحلة الاستقرار.
1. إجراءات تنظيم الانتخابات
تتطلب الانتخابات الناجحة تنظيمًا دقيقًا لضمان شفافيتها ونزاهتها، وتشمل الإجراءات التالية:
أ. إعداد الإطار القانوني والتنظيمي: صياغة قانون انتخابات جديد يضمن التعددية السياسية، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات تتمتع بالاستقلالية والحياد، وتنظيم حملات توعية للناخبين حول أهمية الانتخابات وآلياتها لضمان مشاركة فعّالة.
ب. تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة: إجراء انتخابات برلمانية لتشكيل مجلس تشريعي يمثّل إرادة الشعب ويُشرف على سنّ القوانين ورقابة الحكومة، وانتخابات رئاسية لاختيار رئيس للدولة وفقًا للدستور الجديد، والالتزام بجدول زمني محدد لإجراء الانتخابات في إطار المرحلة الانتقالية.
ج. ضمان مشاركة كافة المواطنين في الداخل والخارج: توفير آليات تصويت للنازحين داخليًا واللاجئين في الخارج بالتنسيق مع الدول المضيفة، وإنشاء مراكز اقتراع إضافية في المناطق التي يصعب الوصول إليها لضمان شمولية العملية الانتخابية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل التصويت الإلكتروني، في المناطق الآمنة لتسهيل المشاركة.
د. الإشراف الدولي والمحلي: تجري دعوة منظمات دولية متخصصة مثل الأمم المتحدة؛ للإشراف على الانتخابات لضمان نزاهتها، وإشراك منظمات المجتمع المدني المحلي في متابعة العملية الانتخابية وتقديم تقارير عن سيرها.
ه. ضمان أمن العملية الانتخابية: يجري تأمين مراكز الاقتراع لضمان عدم التدخل أو الترهيب، ومراقبة العملية الانتخابية لمنع أيّ محاولات للتزوير أو التأثير في الناخبين.
2. ضمان الشمولية في الانتخابات
لضمان تمثيلٍ عادل وشامل لجميع مكونات الشعب السوري، يجب اتخاذ تدابير خاصة تشمل:
أ. تمكين المرأة والشباب: تخصيص نسبة معينة من المقاعد تضمن حدًّا أدنى لتمثيل النساء، ووضع برامج خاصة لتشجيع الشباب على الترشح والمشاركة في العملية السياسية.
ب. مشاركة مختلف مكونات الشعب السوري: ضمان تمثيل عادل للمكونات الاجتماعية العرقية والدينية في المجالس المنتخبة من خلال تمثيل عادل لمختلف المحافظات، وضمان التنوع في قوائم مرشحي جميع الأحزاب، وتوفير بيئة سياسية تضمن حرية التعبير والمشاركة لكل المكونات من دون تمييز.
ج. إعادة دمج النازحين واللاجئين: تسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية لضمان مشاركتهم في الانتخابات، وتوفير وثائق تعريفية للمواطنين الذين فقدوا أوراقهم الرسمية خلال النزاع؛ لضمان حقّهم في التصويت.
3. الإجراءات اللوجستية والفنية للانتخابات
يتطلب تنظيم الانتخابات، على المستوى اللوجستي والفني، ما يلي:
أ. إعداد قوائم الناخبين: إنشاء قاعدة بيانات وطنية محدثة تضم جميع المواطنين المؤهّلين للتصويت، والتحقق من قوائم الناخبين بالتعاون مع المجالس المحلية لضمان دقّتها.
ب. تنظيم الحملات الانتخابية: ضمان تساوي الفرص لجميع المرشحين في الوصول إلى الناخبين من خلال وسائل الإعلام والفعاليات العامة، ومنع استخدام المال السياسي أو الموارد العامة في الحملات الانتخابية.
ج. مراقبة الانتخابات: يجب نشر مراقبين دوليين ومحليين في جميع مراكز الاقتراع لمتابعة سير العملية الانتخابية، وإنشاء خط ساخن لتلقّي الشكاوى والانتهاكات التي ربما تحدث أثناء الانتخابات.
د. إعلان النتائج: تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات عن النتائج بطريقة شفّافة ومباشرة، ويجري توفير آليات للطعن في النتائج أمام قضاء مستقل؛ لضمان معالجة أيّ اعتراضات بصورة عادلة.
سابعًا: نهاية المرحلة الانتقالية
تُختتم المرحلة الانتقالية بنقل السلطة إلى قيادة منتخَبة من الشعب السوري، بما يدشّن مرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية. وتشمل هذه المرحلة:
1. تسليم الهيئة الانتقالية السلطة إلى حكومة منتخبة بعد انتهاء الانتخابات، بما يضمن تجنّب أيّ فراغ سياسي أو إداري.
2. إطلاق مرحلة الاستقرار من خلال العمل على تنفيذ البرامج المتفق عليها خلال المرحلة الانتقالية لتعزيز التنمية الوطنية.
3. إعادة بناء المؤسسات الوطنية، بتفعيل عملها بما يتوافق مع الدستور الجديد.
4. تعزيز الثقة بالمستقبل، إذ يجب أن تؤكد القيادة المنتخبة التزامها بمبادئ الشفافية والمساءلة، والعمل على تحقيق تطلعات الشعب السوري، وإطلاق مشاريع وطنية كبرى لإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الشاملة.
خاتمة
تمثّل المرحلة الانتقالية فرصةً تاريخيةً لإعادة بناء سورية على أسس ديمقراطية وعدالة شاملة، وإنشاء نظام يحظى بشرعية شعبية. ويعتمد نجاح هذه المرحلة على وضوح الرؤية وشمولية الإجراءات والوحدة الوطنية لإنجاح الانتقال، ودعم المجتمع الدولي، من خلال تشكيل مجلس انتقالي قويّ، وإعلان دستوري شامل، وصياغة دستور ديمقراطي يضمن الحقوق العامة، ويمكّن من تحقيق انتقال سياسي مستدام وبناء سورية المستقبل التي تطمح إليها الأجيال المقبلة.