موظفون في «المحرقة» ! أخبار السعودية
وكشف عدد من الموظفين، لـ«عكاظ»، أن خيار الصمت الأفضل طالما أن الرئيس لا يعدل في توزيع المهمات، كما يقول عبدالله البقمي ونورة سعود.
ولخطورة الاحتراق، أدرجته منظمة الصحة العالمية، ضمن قائمة التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض، إذ تم الاعتراف بهذه المتلازمة عالمياً في 2022م. ويتضح من الدراسات أن أكثر من 70% من الموظفين يتعرضون للاحتراق؛ ففي إحدى الدراسات التي أجريت في القطاع الصحي بالرياض وشملت عينة من الأطباء، والممرضين والأخصائيين، والصيادلة بلغ عددها 1174 فرداً من الجنسين، أظهرت نتائجها أن 80% من العاملين في القطاع يعانون من الاحتراق الوظيفي بدرجات متفاوتة، كما أظهرت الدراسة أن الإناث أكثر عرضة من الذكور للإصابة بالاحتراق، وأن 33% من الأفراد المشاركين في الدراسة، فكروا في الانسحاب من القطاع الصحي. وفي دراسة أخرى أجريت على موظفي أحد البنوك تبين أن الاحتراق وصل 70% بين موظفي التحصيل.
إرهاق ذهني وعاطفي
المتخصصة في ريادة الأعمال الدكتورة منى حسن الزهراني، ترى أن للاحتراق الوظيفي أثراً على ريادة الأعمال والإنتاجية، فقد أصبحت ظاهرة متزايدة في بيئة العمل الحديثة، إذ يعاني الكثير من الموظفين من ضغوط العمل المستمرة، ما يؤثر سلباً على إنتاجيتهم وصحتهم النفسية والجسدية. وتضيف أن التأثير يمتد ليشمل الكيانات بشكل عام، خصوصاً في ريادة الأعمال، الذي يعتمد بشكل كبير على الابتكار والإبداع لتحقيق النجاح والاستدامة. وأضافت الزهراني: أن الاحتراق الوظيفي في ريادة الأعمال والإنتاجية يؤدي إلى انخفاض كبير في إنتاجية الموظفين وابتكارهم، ما يُضعف القدرة التنافسية للكيانات، إذ إن الإجهاد المستمر قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، وضعف في إدارة الفرق، وبالتالي خسارة فرص نمو حقيقية ويظهر تراجع الإبداع، إذ يشعر الموظف بالإرهاق الذهني والعاطفي، ما يقلل من قدرته على التفكير خارج الصندوق وزيادة معدلات الاستقالة. والموظفون المحترقون وظيفياً غالباً ما يبحثون عن بيئة عمل أفضل، مما يرفع تكاليف التوظيف والتدريب وضعف الولاء المؤسسي ويؤدي إلى نقص الحماس والالتزام بأهداف الكيان.
الأطباء والممرضون في المحرقة
وتضيف الدكتورة الزهراني: إنه على رغم فوائد التقنية في تسهيل العمل وزيادة الكفاءة، إلا أنها قد تكون أحد أسباب الاحتراق الوظيفي، إذ إن العمل المستمر دون انقطاع باستخدام التقنية يجعل الموظفين متاحين على مدار الساعة، مما يمنعهم من الحصول على الراحة اللازمة، وزيادة الأدوات التقنية المتقدمة ترفع من توقعات الأداء، مما يزيد الضغط على الموظفين لتحقيق مستويات عالية من الإنتاجية، والاعتماد الزائد على التقنية يقلل من التفاعل البشري، ما يزيد من الشعور بالعزلة.
الزهراني أشارت، إلى أن أكثر التخصصات عرضة للاحتراق الوظيفي هم الأطباء والممرضون؛ بسبب طبيعة العمل المرهقة والمسؤوليات الكبيرة. وموظفو التقنية والمعلومات، إذ تتطلب هذه الوظائف ساعات عمل طويلة وضغوطاً مستمرة لتحقيق الإنجازات، وكذلك موظفو التعليم بسبب الاحتكاك المستمر مع الطلاب، وإدارة الأعمال وريادة الأعمال بسبب التحديات المستمرة في اتخاذ القرارات وإدارة الموارد.
ولتجنب الاحتراق الوظيفي والتخفيف من أثره، تنصح الدكتورة الزهراني، بخلق بيئة عمل داعمة وتشجيع التواصل المفتوح بين الفرق وتعزيز روح الفريق، توفير برامج تدريب وتطوير لضمان تنمية المهارات وتقليل شعور الموظفين بالجمود المهني، تشجيع التوازن بين العمل والحياة، من خلال وضع حدود واضحة لساعات العمل ومنح الموظفين مرونة في إدارة وقتهم، استخدام التقنية بحكمة، تحديد أوقات محددة للتواصل الإلكتروني وتشجيع الانفصال عن الأجهزة بعد ساعات العمل.
الزهراني تضيف: أن الاحتراق الوظيفي ظاهرة لا يمكن تجاهلها، خصوصاً في عالم ريادة الأعمال الذي يعتمد على الابتكار والإنتاجية. وباستخدام نهج متوازن ومستدام، يمكن لرواد الأعمال تحويل بيئات العمل إلى مساحات داعمة تُحفّز على الإبداع والإنتاجية بعيداً عن الاحتراق الوظيفي.
مشاعر التوتر والإحباط
المختص في الموارد البشرية زياد السليس، قال: إن الاحتراق الوظيفي يعتبر من القضايا الملحة التي تؤثر على الأفراد والمنظمات بشكل كبير، ومن أسبابه ضغط العمل المستمر لساعات طويلة دون راحة كافية، ونقص الدعم من الزملاء أو المديرين، وعدم وضوح الأهداف، وغموض المهمات والمسؤوليات مما يسبب القلق، وعدم التقدير، وقلة الاعتراف بالجهود المبذولة، واختلال التوازن بين العمل والحياة الشخصية، والتركيز المفرط على العمل يؤدي إلى إهمال الصحة والعائلة.
وعن أبعاده، أضاف السليس، أنها أبعاد نفسية ضمن مشاعر الإرهاق والإحباط والتوتر المزمن، وأبعاد اجتماعية، كالتأثير السلبي على العلاقات مع الزملاء والأسرة، وهناك أبعاد مهنية، مثل انخفاض الأداء والإبداع، وزيادة احتمالية ارتكاب الأخطاء، وأبعاد صحية كظهور أعراض جسدية مثل الأرق، الصداع، ومشكلات القلب.
ولمعالجتها على مستوى الفرد، قال السليس: لا بد من ضرورة التوازن، وتحديد أولويات العمل والحياة الشخصية، والتطوير الذاتي، وتعلم مهارات إدارة الضغط وتحسين الوقت، وطلب الدعم، والتحدث مع متخصصين نفسيين أو زملاء موثوقين، والراحة، والحصول على إجازات دورية واستغلالها للتجديد والسفر.
وأضاف السليس: أنه يجب إيجاد بيئة عمل صحية، تدعم التواصل المفتوح والإبداع، وتكرّس عدالة توزيع العمل، وتجنب تحميل الموظفين مسؤوليات زائدة، والتقدير والتحفيز، وتعزيز روح الفريق وتقدير الجهود الفردية، إضافة للدعم النفسي، وتقديم برامج استشارية ودورات لإدارة الضغط. فالاحتراق الوظيفي ليس مشكلة فردية فقط، بل انعكاس لثقافة العمل ومعالجته تتطلب تعاوناً لضمان بيئة عمل متوازنة ومستدامة، ونشر الوعي عنه يعتبر خطوة أساسية لتحفيز الحوار ومعالجة الجذور.
قسم خاص للسعادة
أستاذ الاتصال والصحافة المساعد الدكتورة أمل المولد، لفتت إلى دور وسائل الإعلام بمختلف أنواعها في نشر التوعية بالاحتراق الوظيفي ومخاطره على جودة العمل الفردي والمؤسسي، وذلك بعدة مجالات؛ منها توظيف المنصات الرقمية الحديثة لفتح نقاشات، أو لتقديم دورات تدريبية توعوية حول أهمية الصحة النفسية في بيئة العمل. وتشجيع الموظف من خلال البرامج الحوارية مع الخبراء والمختصين على أهمية اللجوء للطب النفسي لأخذ الاستشارات النفسية من أهل الاختصاص، وعلاج الاحتراق الوظيفي نفسياً وسلوكياً وتعلم مهارات إدارة الضغوط والتعامل مع المشاعر الناتجة عنه. وأكدت المولد أن لوسائل الإعلام دوراً جوهرياً في تثقيف القيادات الكبرى بالمؤسسات والمنظمات، على أهمية تبني نهج قيادي بناء من شأنه أن يدعم المبدعين ويثمن ابتكاراتهم، ويوصف لهم مهماتهم الوظيفية بدقة، ووقت ابتدائها وانتهائها حتى يعمل الموظف بواقعية ومنطقية بما يمنحه الأمان النفسي والاستقرار الذهني. وعلى وسائل الإعلام أن تستثمر تأثيرها بتوعية القيادات ببيئات الأعمال بضرورة استحداث قسم سعادة الموظف، على سبيل المثال، والذي يوفر الاستشارات النفسية والدورات التدريبية التطويرية، والأنشطة الترفيهية التثقيفية للموظف متى ما دعت الحاجة، لخلق بيئة عمل صحية توازن بين العمل والحياة الشخصية، وتمد جسور التواصل العميق البناء بين الموظف والقادة، لتحمي موظفها من الاحتراق الوظيفي والانغلاق التواصلي.
حذار من بيئة العمل السلبية
أستاذ الاتصال والصحافة المساعد بقسم الإعلام بجامعة أم القرى الدكتورة أمل المولد، تعرّف الاحتراق الوظيفي، بأنه حالة شعور مستمر بالضغط والتوتر من متطلبات العمل اللامتناهية، ما يؤدي سلبا للتأثير على الصحة النفسية والجسدية للموظف، فضغوط ومهمات العمل المتواصلة، وبيئة العمل السلبية، وغياب الدعم والتقدير من قبل القيادات أو زملاء العمل، أدى لظهور ما يعرف بظاهرة الاحتراق الوظيفي، والتي بدورها خلقت العزلة الاجتماعية في بيئة العمل، والتقلبات المزاجية وغياب الاستقرار النفسي للموظف، إذ يعاني البعض من قلق وتوتر واكتئاب ولا مبالاة من بيئة العمل وكل ما يتعلق بها، ليس ذلك فحسب، بل يمتد الأمر ليصل للإرهاق الجسدي والعقلي، الذي يصعب التخلص منه، حتى لو أخذ الشخص قسطاً كافياً من الراحة لتذكره الدائم باستمرار وتيرة العمل، والتي تلاحقه كشبح يعكر صفوه حتى بلحظات هدوئه واسترخائه. وأشارت المولد إلى أن صعوبة التركيز والتشتت الذهني وعدم المقدرة على اتخاذ القرارات تعزى أيضاً للاحتراق الوظيفي كإحدى العلامات التي قد يصاب بها الموظف.
التهميش يطاله القانون
المستشار القانوني الدكتور وليد الذيابي قال: إن من أحد أهم أسباب الاحتراق الوظيفي هو تهميش الرئيس لمرؤوسيه في عدة صور؛ منها عدم تقدير ما يملك من مهارات ومؤهلات ومنح الامتيازات في الترقيات وغيرها لمن هم أقل منه وتعيين وتكليف من يحابيه في المناصب رغم أنه قد يكون أفضل منهم، وكذلك إعطاء الموظف مهمات لا تتناسب مع ما يملك من خبرات ومؤهلات ومهارات، إذ إن فعل مثل هذه السلوكيات السلبية من الرئيس ضد المرؤوس يعد عقوبة مقنعة يكون الهدف منها تحقيق مصالح ودوافع غير مشروعة. ودعا الذيابي، لضرورة محاسبة من يسلكون هذا الطريق وفقاً لمدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة واللائحة التنفيذية للموارد البشرية، ولا يخل ذلك بالمساءلة الجنائية عن جريمة استغلال النفوذ الوظيفي.
تثاقل في الاستيقاظ
الإخصائية النفسية أفنان الشمراني، ترى أن ظاهرة الاحتراق الوظيفي، إحدى أكبر المشكلات التي تواجه العاملين في مختلف القطاعات، وهي ليست مجرد شعور بالإرهاق أو التعب العادي الذي يزول بعد قسط من الراحة، بل حالة نفسية وجسدية معقدة تؤثر على الفرد بشكل عميق، وتجعله يفقد الحماس والشغف تجاه عمله وحياته اليومية. ويتجلى الاحتراق الوظيفي عندما يجد الشخص نفسه محاصراً في دائرة لا تنتهي من المسؤوليات والضغوط، دون فرصة كافية للتنفس أو إعادة شحن طاقته، وقد يكون هناك شعور بالحماس والرغبة في تقديم الأفضل، ومع مرور الوقت وتزايد الضغوط يبدأ الحماس في الانطفاء تدريجياً. وأضافت الشمراني: يصبح الاستيقاظ صباحاً للذهاب إلى العمل عبئاً ثقيلاً، وتتراجع الإنتاجية، ويظهر الشعور الدائم بالإرهاق النفسي والجسدي. وعن تعدد أسباب الاحتراق الوظيفي، قالت الإخصائية النفسية الشمراني: إن أكثرها شيوعاً هو الضغط المستمر لتحقيق الأهداف دون وجود دعم كافٍ من الإدارة أو الزملاء، وساعات العمل الطويلة، وغياب التقدير، وتكرار المهمات الروتينية، وكلها عوامل تساهم في تآكل الروح المهنية، وربما يكون أخطرها غياب التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، إذ يُصبح العمل هو المحور الوحيد لحياة الفرد.
ابحث عن مصدر جديد للإلهام
الأخصائية النفسية الشمراني، أضافت، أن الأشخاص الذين يعانون من الاحتراق الوظيفي غالباً ما يواجهون صعوبات في النوم، ومشكلات صحية مزمنة، ومشاعر دائمة بالقلق والاكتئاب. كما تتأثر علاقاتهم الاجتماعية والعائلية بشكل كبير، إذ يُصبح من الصعب عليهم التفاعل بإيجابية مع الآخرين أو تخصيص وقت للجوانب الشخصية من حياتهم. وللتغلب على ذلك، تعتبر الخطوة الأولى هي الاعتراف بالمشكلة والوعي بها، وأنها ليست ضعفاً شخصياً، بل نتيجة طبيعية لضغوط لا يمكن تجاهلها بعد ذلك، والبدء في اتخاذ خطوات عملية لتحسين الحالة، إضافة لتعلم كيفية إدارة الوقت بشكل أفضل، وتحديد أولويات العمل، وأخذ فترات راحة منتظمة، ومن المهم أيضاً إعادة اكتشاف الأنشطة التي تجلب السعادة، مثل ممارسة الهوايات، الجلوس بين العائلة، القيام برحلات قصيرة للاسترخاء، معتبرة الاحتراق الوظيفي رسالة يبعثها الجسم والعقل لينبّه الشخص إلى ضرورة التوقف وإعادة تقييم حياته، وأن الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الشخصية ليس رفاهية، بل هو أساس لصحة نفسية وجسدية مستقرة.
وفي نظرة تفاؤل قالت الأخصائية النفسية الشمراني: صحيح أن الشغف قد ينطفئ أحياناً، لكن بإعادة ترتيب الأولويات والبحث عن مصادر جديدة للإلهام، يمكن استعادته وإحياء الدافع لتحقيق النجاح.