مقابر “المخطئات”… إفلات الجناة من العقاب بسطوة العشيرة والتقاليد في العراق بذريعة الشرف
تقول شيماء (اسم مستعار لفتاة من بغداد) إن أسرة ابنة عمها « فطومة »، أجبرتها على كتابة رسالة تفيد « انتحارها » وهي في سن 17 عاماً. تضيف أن أسرة عمها انتقلت من محافظة ريفية إلى وسط بغداد، وبحسب التقاليد العائلية، كان الاتفاق أن تتزوج ابن عمها، لكنّها أحبت ابن الجيران، الذي كان يحدثها سراً عبر هاتف حصلت عليه بمساعدة صديقاتها.
اكتشف أخوها وجود الهاتف، وعثر على الرسائل بينها وبين الشاب، فانهال عليها بالضرب المبرح، ثمّ أجبرها بمساعدة أبيه على كتابة رسالة انتحار، وأرغماها على تناول عقاقير بكميات كبيرة.
فطومة ليست حالة فردية، فهناك حالات كثيرة يحتال فيها الأهل بالانتحار، للتستر على جرائم القتل تحت مسمى « الشرف ». الناشطة « رنا » من ذي قار جنوب العراق، تشير إلى أن محافظتها تسجل أعلى معدلات الانتحار، لكنّها في الواقع « جرائم شرف ».
الأمر ذاته تؤكده المحامية روزكار إبراهيم، المختصة بقضايا جرائم الشرف بإقليم كردستان، فتقول إن عمليات قتل كثيرة بحجة « غسل العار »، تُعلن انتحاراً، للتغطية على جرائم القتل التي يرتكبها أفراد العائلة أنفسهم.
المدير السابق للطب العدلي في الديوانية، حسين الجنابي، أكد أيضاً أن الكثير من حالات الانتحار التي مرت عليه، اتّضح أنها جرائم « غسل عار »؛ ويذكر أن إحدى الحالات المصابة بطلق ناري وخلال التشريح تبيّن حملها رغم عدم زواجها، وتمّ رفع تقرير من الطب العدلي بذلك.
الأمر ذاته أفصح عنه مدير الطب العدلي في السليمانية برزان محمد، الذي قال إن حالات انتحار كثيرة لفتيات أثبتت التقارير أنها جرائم قتل.
اعتراف من الداخل
تواصلنا مع مصدر في وزارة الداخلية العراقية، فأفاد بأن ما يصل إلى 70 في المئة من قضايا الانتحار هي في الواقع جرائم غسل عار، وأكد أن السطوة العشائرية في كثير من الأحيان تمنع الأجهزة الأمنية من التحقيق في تلك الجرائم أو الإعلان عن تفاصيلها.
واستشهد المصدر بحالات « غريبة » تولى التحقيق فيها؛ من بينها فتاة مراهقة قيل إنها انتحرت عبر الشنق، لكن بمجرد وصوله موقع الحادث، كانت ساقاها تلامس الأرض بشكل كامل!
خلال تواصلنا مع المصدر، وفي اليوم ذاته، أرسل لنا برقيتين تؤكد ما كشفنا عنه. ففي الرابع من أيلول/سبتمبر 2024، وخلال أربع ساعات فقط، قُتلت فتاتان بعمر 15 عاماً، وأبلغ الأهل أنهما قد انتحرا؛ لكن بعد معاينة الأجهزة الأمنية، تبيّن مقتلهما تحت مسمى « غسل العار ».
تظهر الإحصائيات حدوث ارتفاع غير مسبوق في معدلات الانتحار في العراق خلال السنوات الأخيرة.
ووفق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فإنه خلال عامين ونصف العام (من 2022 إلى منتصف 2024) شهد العراق تسجيل أكثر من ألفي حالة ومحاولة انتحار؛ حيث شهد عام 2022 تسجيل ألف و73 حالة ومحاولة انتحار، في حين شهد عام 2023 تسجيل 700 حالة انتحار، وشهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2024، تسجيل 300 حالة ومحاولة انتحار.
وتوضح إحصائيات المركز أن الأعوام من 2016 إلى 2021، شهدت تسجيل ثلاثة آلاف و63 حالة ومحاولة انتحار.
(2016 تسجيل 343 حالة انتحار، وفي 2017 تسجيل 449 حالة انتحار، وفي 2018 تسجيل 519 حالة انتحار، وفي 2019 تسجيل 588 حالة انتحار، وفي 2020 تسجيل 644 حالة انتحار، وفي 2021 تسجيل 863 حالة).
ووفق مصادر في وزارتي الصحة والداخلية، فإن الغالبية الكبرى من عمليات ومحاولات الانتحار كانت لفتيات.
القتل تحت ستار الانتحار