قبل قراءة القرآن الكريم.. أحكام شرعية وآداب مهمة يجب أن تعرفها
11:16 م
الأحد 02 فبراير 2025
كتب- علي شبل:
يقول الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ}، وأخرج البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن من حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال رسول الله ﷺ: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين، وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين).
ومن المهم عند تلاوة القرآن الكريم أن نتأدب بآداب التلاوة، ظاهرة وباطنة، وهذه الآداب الظاهرة هي من الفضائل وليست من الحتم اللازم، إلا أن بالتمسك بها وإعطائها حقها ينال القارئ الخير العميم، فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)، وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (أ ل م) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).
وقد حدد العلماء آداباً وأحكاماً شرعية لقراءة القرآن الكريم، يرصد مصراوي أبرزها في النقاط التالية:
أما آداب التلاوة الظاهرة فقد سبق أن حددها الدكتور علي جمعة وهي عشرة:
1- أن يكون القارئ على وضوء، وأن يكون على هيئة السكينة والأدب سواء أكان قائما أو جالسا، وأن يكون مستقبلا للقبلة، وأفضل الأحوال أن يقرأ في الصلاة قائما سواء أكان في المسجد أم في البيت، وله أن يقرأ أثناء الصلاة من المصحف فإن ذكوان مولى عائشة كان يصلي بها رضي الله عنها التهجد من المصحف.
2- في مقدار القراءة، وهذا يختلف باختلاف الناس; فمنهم من يختمه في شهر ومنهم من يختمه في أسبوعين ومنهم من يختمه في أسبوع، ولا ينبغي أن يختمه القارئ في أقل من ثلاث ليال لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما- وقال الترمذي حسن صحيح- (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه) وعلل العلماء ذلك بأنه لا يرتله.
3-: من قرأ في شهر فإن المسلمين قد قسموا القرآن إلى ثلاثين جزءا وهذه الأجزاء متساوية في عدد الحروف ولذلك أمكن في طبعات القرآن أن يكون كل جزء في عشرين صفحة وقسموا كل جزء إلى حزبين وكل حزب إلى أربعة أرباع فأصبح في القرآن 240 ربعا.
4- تعظيم المصحف وكتابته بخط واضح كبير، وهذا التعظيم له أشكال كثيرة منها: أن يوضع القرآن فوق كل كتاب، وأن يحترم، وأن يحمل باليمين.
5- الترتيل وهو مستحب لأنه يجود ألفاظ القرآن من ناحية ويعين على التدبر والتفكر من ناحية أخرى، وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها فيما أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا.
6- البكاء فهو مستحب مع القراءة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا) أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بإسناد جيد،.
7- أن يراعي حق الآيات; فإذا مر بآية سجدة سجد، وإذا مر بآية عذاب استعاذ، وإذا مر بآية رحمة دعا الله سبحانه وتعالى أن يكون في رحمته.
8-: أن يبدأ تلاوته بقوله: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم; لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.. [النحل : 98], وليقل عند فراغه من القراءة: صدق الله العظيم كما نص عليه الإمام الغزالي في كتاب (آداب تلاوة القرآن) وذلك امتثالا لقوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللهُ}.. [آل عمران : 95].
9- الجهر بالقراءة والإسرار بها، ولكل موطنه وفضله شأن ذلك شأن الصدقة كما ورد في مسند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي حديث (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر به كالمسر بالصدقة) وذلك من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
10- تحسين القراءة قال صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
أولًا: الآداب الباطنة:
1- الإخلاص لله تعالى:
• فإن قراءة القرآن عبادة، والعبادة مبناها على الإخلاص؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
والأعمال إنما تكون صحيحة مقبولة بحسب نية العامل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
والإخلاص في النية: هو إفراد الله سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرُّب إلى الله دون شيء آخر من تصنُّعٍ لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخَلْق أو غير ذلك.
2- تعظيم كلام الله تعالى:
ينبغي أن يمتثل التالي والسامع كلمات التنزيل وآياته التي ينطق بها جبريل عليه السلام حين يبلغ رسالة ربِّه إلى أفضل أنبيائه ثم حين يقرؤها بعده رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، ثم يُبلِّغها الصحابة، فإن استحضر ذلك خشَع قلبُه وخشعت جوارِحُه، واستولت على حواسِّه مخافة الله وخشيته وجلاله وعظمته.
وإذا استحضر عظمة القرآن، وأنه كلام الله عز وجل، استشعر نعمة الله تعالى وفضله ولُطْفه بخَلْقِه أن يسَّرَ لهم قراءته وفهمه.
قال ابن القيم رحمه الله: “فمن قُرئ عليه القرآنُ فليقدر نفسه كأنما يسمعه من الله يخاطبه به”.
3- حضور القلب:
بأن يطرد حديث النفس أثناء تلاوته للقرآن، ويتولَّد من هذا التعظيم، فإن المعظِّم لكلام الله يستبشر به، ويأنس له، ولا يغفل عنه، وعلى القارئ أن يستحضر في ذهنه أنه بين يدي مولاه، ويُناجيه بتلاوة كلامه، ويتقرَّب إليه بقراءة كتابه، فإن ذلك أقرب إلى الخشوع والتدبُّر.
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: “قاعدة جليلة: إذا أردت الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعَكَ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خاطب منه لك على لسان رسوله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وقوله: ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ المراد به: القلب الحي الذي يعقل عن الله؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾ [يس: 69، 70]؛ أي: حي القلب، وقوله: ﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ﴾؛ أي: وجه سمعه، وأصغى حاسَّة سمعه إلى ما يُقال له، وهذا شرط التأثُّر بالكلام، وقوله: ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾؛ أي: شاهد القلب، حاضر غير غائب؛ قال ابن قتيبة: استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته عن تعقُّل ما يُقال له، والنظر فيه وتأمُّله.
4- تدبُّر الآيات:
بأن يتدبَّر القارئ ما يقرأ ويتفهَّم معانيه؛ إذ لا خير في قراءة لا تدبُّر فيها، فيحاول استيعاب المعاني وفهمها؛ لأنها أوامر رب العالمين التي يجب أن ينشط العبد لتنفيذها بعد فهمِها وتدبُّرها.
والتدبُّر هو المقصود الأعظم من القراءة؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
يقول القرطبي: “دلَّت هذه الآية على وجوب التدبُّر في القرآن ليعرف معناه”.
ويقول ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: “لأن أقرأ سورة وأرتِّلها، وأتدبَّرها أحَبُّ إليَّ من أن أقرأ القرآن كله”.
5- التفاعل مع الآيات:
بأن يتفاعل مع كل آية بما يليق بها فيتأمل في معاني أسماء الله وصفاته ويتأمل في أفعاله تبارك وتعالى ليستدلَّ على عظمته سبحانه.
ويتأمَّل قصص الأنبياء، وكيف كذبوا وأُوذُوا، وكيف كانت عاقبة المتقين، ويعتبر من أحوال المكذبين للرسل، وكيف أهلكهم الله، وأن كل من عصى الله، وكذَّب الرسل، فهو معرَّض للهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.
اقرأ أيضًا:
هل رفض الزوجة إقامة حماتها معها نشوز؟.. 3 أمور مهمة يكشف عنها عالم بالأزهر