اخبار

القمة العربية الطارئة أمام تحديات تاريخية لا سابق لها

تناقش القمة العربية إعلان موقف عربي موحد يتصدى لطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وخطة مصر لإعادة إعمار القطاع، وسط مخاوف من أن تؤدي الخلافات العربية بشأن سلاح المقاومة وعدم قدرة الدول العربية على التوافق على خطوات واضحة، تتعدى مرحلة الرفض بالبيانات إلى عرقلة جهود البدء في الإعمار. وكان من المفترض أن تعقد القمة الطارئة في 28 شباط / فبراير الماضي، قبل أن تعلن القاهرة تأجيلها لأيام بسبب ما وصفته بالأسباب اللوجستية.

وبرر السفير جمال رشدي المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، عدم انعقاد القمة في الموعد، الذي سبق وأعلنته وزارة الخارجية المصرية، إلى التنسيق لحضور معظم القادة العرب، لما تحمله القضية المطروحة على جدول أعمال القمة من حساسية تتعلق بالأمن القومي للمنطقة ومستقبل القضية الفلسطينية.

في المقابل تقول مصادر مطلعة إن الخلافات التي شهدتها القمة المصغرة التي عقدت في السعودية أواخر الشهر الماضي بشأن سلاح المقاومة، ومستقبل حركة “حماس” كانت الدافع الأساسي لتأجيل القمة.

والأحد الماضي، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن خطة إعادة إعمار غزة اكتملت وسيتم عرضها على القمة العربية الطارئة للموافقة عليها.

وتتكون الخطة المصرية من 3 مراحل أساسية بداية من التدخل الإنساني، وصولا إلى إعادة الإعمار، وتتضمن مشاركة أهالي قطاع غزة في العملية من خلال إنشاء مناطق داخل قطاع غزة يقيم فيها الفلسطينيون بشكل مؤقت لإفساح المجال للشركات المصرية والعربية التي ستشارك. وتنص الخطة المصرية على تولي لجنة إدارية مسؤولية إدارة شؤون قطاع غزة لمرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، بالتوازي مع تمكين السلطة الفلسطينية بالكامل من إدارة القطاع وفق تصريح عبد العاطي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني محمد مصطفى.

وتعتمد الخطة المصرية في تنفيذها على دعم عربي واسع وكبير، حرصت القاهرة على حشده. وتتضمن إدخال آلاف المنازل المتنقلة لإيواء أهل غزة في مناطق آمنة حتى يتم إزالة الأنقاض واستعادة خدمات المياه والكهرباء.

 تسليم الأسلحة

وتطرح مصر أن تقوم “حماس” وباقي الفصائل بتسليم الصواريخ والقذائف التي يمكن استخدامها لمهاجمة إسرائيل، على أن يتم تخزينها في مستودعات تحت إشراف مصري وأوروبي حتى يتم إنشاء دولة فلسطينية. ووفق لمصادر، يمثل نزع سلاح حركة “حماس”، أحد أهم النقاط الخلافية في الموقف العربي. فبينما تتبنى المملكة العربية السعودية والإمارات نزع سلاح “حماس”، وتشترط الإمارات انتهاء دور الحركة تماما وخروجها من القطاع قبل أي مشاركة في إعادة الإعمار، ترى مصر أنه من غير الواقعي الحديث عن القضاء على الحركة وتبحث عن حل آخر يخفف من سلطتها في القطاع عبر مشاركة باقي الفصائل الفلسطينية الأخرى في إدارة القطاع.

وكانت مصر استضافت محادثات خلال الأشهر الماضية بين حماس والسلطة الفلسطينية لتشكيل لجنة مستقلة تدير غزة أثناء إعادة إعمارها تحت عنوان “لجنة الإسناد”، على أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراطية تمثل كل الفصائل الفلسطينية، يمكن أن تتفاوض في نهاية المطاف على إنشاء دولة فلسطينية.

قلق

وفي حديث مع “القدس العربي”، عبر علاء الخيام رئيس حزب الدستور السابق، عن قلقه من قدرة الدول العربية على اتخاذ موقف موحد، في ظل غرق بعضها في المشكلات الداخلية، مثل الأزمات الاقتصادية والديون الخارجية، ووجود انقسام واضح حول الموقف من التطبيع مع الاحتلال.

وقال الخيام: “لدينا أزمة أخرى تتعلق بغياب الاستراتيجية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهناك ضغوط أمريكية تمارس على الدول العربية سواء في ملف المساعدات مثل استخدام واشنطن لورقة المعونة التي تحصل عليها منذ توقيع اتفاقية السلام مع الاحتلال الإسرائيلي المعروفة إعلاميا بـ”كامب ديفيد” عام 1979 للضغط على مصر، أو التهديدات الأمنية وعدم استقرار بعض الدول مثل السودان وليبيا وغيرها، إضافة إلى ارتباط بعض الدول بمصالح اقتصادية مباشرة مع الاحتلال، مثل اتفاقية التجارة مع الأردن والإمارات، أو اتفاقيات الغاز مع مصر”.

وتابع: “كل هذا يدفعني للتخوف من ألا تخرج القمة بموقف فعلي للتصدي للتهجير، وأن تقتصر القمة على كلمات تعبر عن الموقف الرافض لخطة ترامب، وتأكيد الحق الفلسطيني وهذه نقطة ثابتة لا يستطيع أحد التخلي عنها، والدعم الكامل للشعب الفلسطيني في إقرار حق العودة”.

وقال: “حتى يتحول الموقف العربي من مجرد رفض لقدرة على تحقيق فعل على الأرض، يتطلب وجود دعم مالي واضح ومحدد المصادر لإعادة إعمار قطاع غزة، إضافة إلى الضغط على الاحتلال من خلال التهديد بقطع العلاقات وطرد الدبلوماسيين وملاحقته في المحاكم الدولية، ودعم المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الخلاف بين الفصائل وحركة “فتح”، والتعاون مع القوى صاحبة المواقف ضد الاحتلال، مثل جنوب افريقيا والدول الأوروبية التي اتخذت موقفا داعما للقضية الفلسطينية خلال العدوان”.

ولفت الخيام النظر إلى الخلافات التي شهدتها القمة التي استضافتها الرياض حول سلاح المقاومة، وقال: “طرح نزع سلاح المقاومة غير مقبول، وتبنى هذا الطرح من أي طرف يمثل خيانة للقضية الفلسطينية، فأي احتلال يواجه بالمقاومة، وكل دول العالم الذي احتلت قاومت، وكل المؤسسات الدولية تؤكد أن فلسطين دولة تحت الاحتلال”. وزاد: “ربما نتفهم أن يكون الطرح عدم إسناد حكم قطاع غزة إلى حركة “حماس” خلال الفترة المقبلة، واعتقد أن الحركة نفسها لن تسعى لذلك، لكن نزع السلاح أمر آخر، ولن يتحقق”. وأضاف: “منذ بداية الحرب وقبل حتى أن يسيطر الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح والمحور الحدودي، تحكم الاحتلال في إدخال المساعدات، فعلى الرغم من أن المعبر مصري فلسطيني، إلا أن المساعدات كانت تتجه في بداية الحرب إلى معبر كرم أبو سالم للخضوع للتفتيش قبل عودتها ودخولها من معبر رفح، وبعد احتلال المحور الحدودي اتجهت حركة المساعدات إلى معبر كرم أبو سالم، كل هذا مؤشر على مدى إمكانية العرب فرض قرارهم”.

الأصعب منذ التأسيس

أما سامح حسنين القيادي في حزب الكرامة، فاعتبر أن القمة العربية الطارئة هي الأصعب والأكثر تعقيدا ربما منذ تأسيس جامعة الدول العربية. وقال لـ”القدس العربي”: تأتي القمة وسط حالة عربية مفككة ومهترئة، فالكثير من الدول غارقة في أزماتها الداخلية، في مواجهة إدارة أمريكية لم تعد تغطي قبحها ولا تستر قباحتها، ولا تواري استراتيجيتها في إنهاء القضية الفلسطينية لصالح قاعدتها العسكرية المتقدمة التي جرى زراعتها بالقهر والعدوان فوق أراضينا”.

وأضاف: “ما لم يحسن العرب قراءة اللحظة التاريخية والخطر الماثل الذي يمثله مشروع التهجير، أو ما يُطبخ في كواليس الإدارة الأمريكية فسنكون أمام نكبة أكبر من نكبة 1948، فأمام موقف مصر الحازم والحاسم برفض مشروع التهجير وإنهاء القضية الفلسطينية – رغم أن خطر مشروع التهجير ما زال ماثلا- خرج زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بخطة بديلة في إطار سيناريو توزيع الأدوار، تقوم على أن تتولى مصر إدارة قطاع غزة لمدة 5 سنوات قد تمتد إلى 15 سنة مقابل تسديد ديونها. باختصار خطة لابيد تستهدف أن تلعب مصر دور الشرطي في حماية أمن إسرائيل وتتولى المواجهة مع الفصائل الفلسطينية ونزع سلاحها، وإنهاء المقاومة المسلحة كأشرف ظاهرة عربية في مواجهة الاحتلال وجرائمه”.

وأعرب عن أمله في “أن تعي الأنظمة العربية أن كل موقف استجداء سيقابله موقف استقواء من العدو، وأن التاريخ لن يرحم كل من يفرط أو يتخلى أو يتنازل عن شبر من تراب فلسطين، والمطلوب أن تقود مصر ـ على اعتبار أن قضية فلسطين هي بالأساس قضية أمن قومي مصري ـ موقفا عربيا رافضا بشكل أكثر حزما لقضية التهجير، لا يسمح لأي قوى إقليمية بإعطاء إشارات للإدارة الأمريكية باستعدادها لإدارة القطاع، وأن يكون هناك قرار عربي بإعادة إعمار غزة ومد غزة بأسباب الحياة، ورفض قاطع لاستئناف العدو لعدوانه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى