نحن بحاجة إلى مبادرة شبيهة بمبادرة الزعيم الكردي..مهند عبد الحميد

دعا الزعيم الكردي عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا منذ 26 عاماً إلى التخلي عن السلاح وحل حزب العمال الكردستاني.
اللجنة التنفيذية للحزب اتفقت مع مضمون الدعوة والتزمت بمتطلباتها وبالتنفيذ، وأعلنت فوراً عن وقف إطلاق نار من طرف واحد.
والتزم حزب الله بدور الدولة اللبنانية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لخمسة مواقع لبنانية، ووافق أو لم يعترض على مواقف الرئيس اللبناني جوزيف عون ومواقف رئيس الحكومة نواف سلام اللذين أكدا أن قرار الحرب والسلم بيد الدولة وأن السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح الدولة اللبنانية.
وكان حزب المؤتمر الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا قد انتقل من النضال المسلح إلى النضال السلمي.
التجارب السابقة تؤكد أن أسلوب النضال يتغير بحسب الحاجة والضرورة ومصلحة الشعب الذي يناضل من أجل حريته، وأن الحزب أو التنظيم أداة ووسيلة لتحقيق التحرر أو النمو والازدهار والديمقراطية.
فعندما توصل عبد الله أوجلان وحزب العمال إلى حقيقة مفادها أن السلاح فشل في تحقيق أهداف الشعب الكردي بعد 40 سنة من النضال، دعا إلى ترك السلاح وإلى تغيير الأداة وهي الحزب المسلح، وعندما أدرك حزب الله أن دولة الاحتلال ماضية في تدمير الجنوب وفي تحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة قَبِلَ بوقف إطلاق النار وبالانسحاب من الحدود وبإحالة قرار الحرب والسلم للدولة، وعندما أيقن حزب المؤتمر الأفريقي أن النضال المسلح عملية خاسرة انتقل إلى النضال السلمي ونجح في استقطاب دعم أكثرية دول وشعوب العالم لعزل ومحاصرة نظام الفصل العنصري وفاز عليه.
في حين تحدث حزب الله في خطابه عن نصر، لكنه عملياً غلب التعامل البراغماتي في آخر أيام الحرب ليقلل من خسائره وخسائر قاعدته الاجتماعية وخسائر لبنان. مقابل ذلك كان الأكراد والجنوب أفريقيون أكثر شجاعة وهم ينحازون لمصلحة شعوبهم بالانتقال من شكل نضالي غير مجد وفاشل إلى شكل آخر مجد ومثمر، وهم يكيفون أحزابهم مع التحول الجديد.
أما حالتنا الفلسطينية الراهنة، فهي تنتمي إلى عماء إيديولوجي يحجب الواقع ويمنع الرأي الآخر، يتم احتكار تقييم نتائج الحرب كما جرى احتكار قرار البدء بالحرب وقرار وقفها.
تصر حركة حماس على أنها منتصرة في الحرب في الوقت الذي تتحدث فيه عن الإبادة والتدمير وتحطيم مقومات الحياة في قطاع غزة.
لا شيء يخدم حالة النصر، لا لغة أرقام الخسائر ولا صور الدمار ولا الحالة المزرية للمنكوبين المعلنة أو المسكوت عنها، ولا واقع استمرار التحكم الإسرائيلي بدخول الدواء والغذاء والوقود والخيام، إضافة للتحكم في التزود بالمياه والكهرباء والاتصالات والحركة وبعمل ما تبقى من مستشفيات ومؤسسات وبخاصة «الأونروا».
حماس تتجاهل مشروع التهجير والضم وشطب القضية الفلسطينية الذي يطبخ في الدوائر الأميركية والإسرائيلية على نار قوية وأحياناً منخفضة، وربما يُصار إلى تنفيذه على مراحل، كضم أجزاء وحشر 2.3 مليون مواطن في شروط غير قابلة للعيش دون مستشفيات ومدارس لدفعهم نحو التهجير.
حماس تتجاهل هزيمة استراتيجية المقاومة في قطاع غزة والضفة وفي لبنان وسائر بلدان محور المقاومة والممانعة بقيادة إيران، تتجاهل الهزيمة ولا تفكر إطلاقاً في قطع الطريق على نتائجها الكارثية السياسية.
والأنكى أنها تتجاهل دخول العالم في الحقبة الترامبية التي فاقت الحقبة المكارثية السابقة في أميركا والحقبة الفاشية السابقة في أوروبا والتي يتشارك معها نتنياهو ومعسكره الكهاني في الانقلاب على كل شيء إيجابي وعقلاني في النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد بدأت شعوب ودول تدفع الثمن والباقي أعظم. المشروع الأميركي الجديد لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بشرط استمرار الإفراج عن نصف الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين المتبقين الأحياء والأموات.
بيت القصيد أن ترامب يعمل على إعادة كل الأسرى وإبقاء قطاع غزة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية وحظر وجود السلاح والتنظيم المسلح دون قتال، وإذا تعذر ذلك فإنه سيسمح لنتنياهو باستئناف الحرب التي أعلنت المؤسسة العسكرية عن فصولها التي تبدأ بإعادة تهجير المواطنين من الشمال إلى الجنوب وتدمير ما تبقى منه.
تعتقد حماس أنها تملك عناصر قوة تستطيع من خلالها قطع الطريق على الأهداف الأميركية الإسرائيلية، عنصر القوة الأول هو وجود 24 أسيراً عسكرياً إسرائيلياً بينهم ضباط، وأن العودة إلى الحرب ستهدد حياتهم، وفي حالة موتهم فإن نتنياهو سيكون مسؤولاً عن موتهم ما يؤدي إلى اضطراب إسرائيلي داخلي.
وعنصر القوة الثاني، يتأتى من أن استئناف الحرب سيهدد مصير مئات آلاف المواطنين، وستتآكل البقية الباقية من مكانة وسمعة إسرائيل، وستجد محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية ما يؤكد ضلوع إسرائيل في حرب إبادة.
لكن هذه العناصر لا تكفي لردع دولة فوق القانون ودولة تحظى بدعم عسكري ومالي بلا سقف.
كما لا يجوز إنسانياً ووطنياً وأخلاقياً القبول بتعظيم عذاب ومعاناة وإذلال المواطنين وتهديد بقائهم من أجل استعادة حماس لحكمها.
عدم الاعتراف بخطأ مغامرة الطوفان، وعدم الاعتراف بمقامرة المقاومة العلنية في الضفة، وبالنتائج المأساوية الخطيرة، أدى إلى الاستمرار في المغامرات التي قد تؤدي إلى نتائج تمس المصير والوجود الفلسطيني.
إن هذا يعيدنا إلى تجارب الشعب الكردي واللبناني والجنوب أفريقي التي مررت عنها في بداية المقال واستخلاص الدروس منها ومن 15 شهراً من حرب الإبادة.
يلزمنا مواقف وسياسات من شأنها وقف كل تدهور وخسائر وعذابات إضافية. بإعلان فلسطيني شبيه بإعلان أوجلان يقول إن تنظيمات المقاومة تتوقف عن العمل المسلح بشكل كامل، وإن الحركة السياسية والمجتمع المدني الفلسطيني سيتوقفان عند هذه التجربة ونتائجها في المراحل المختلفة من النضال الفلسطيني. مطالبة حركة حماس بالانضمام للشرعية الفلسطينية والدخول في مؤسسات منظمة التحرير والالتزام بأنظمتها ولوائحها دون شروط مسبقة، والإقرار بأن المؤسسة الفلسطينية الشرعية هي من يقرر الحرب والسلم.
دخول حماس إلى الشرعية هو نقيض ذهاب الشرعية إلى حماس والالتقاء في منتصف الطريق تحت عنوان التوافق.
كما جاء في عرائض وبيانات تدعو إلى تشكيل قيادة مؤقته، أو إطار قيادي مؤقت، وإعادة بناء مؤسسات المنظمة.
هذه المواقف التوافقية وصفة سحرية لخسارة الشرعية التي تتعرض إلى تهميش وإضعاف من جهة وإلى هجوم شرس من حكومة نتنياهو.