اخبار الإمارات

أوروبا ستواصل بمفردها فرض عقوبات ضد روسيا

مع سعي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لوضع الخطط اللازمة لإبرام اتفاق مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن أوكرانيا، يبدو أن تراجع الولايات المتحدة عن عقوباتها ضد روسيا، قريب الاحتمال، وسيجعل مثل هذا السيناريو أوروبا تواصل فرض عقوباتها على روسيا بمفردها، وهو وضع غير مسبوق، من شأنه أن يثير التساؤل حول ما إذا كانت الإجراءات الأوروبية الأحادية الجانب ستؤثر على موسكو بشكل كبير أم لا، والجواب هو نعم، خصوصاً إذا ركزت العقوبات الأوروبية على التجارة.

وتكمن قوة العقوبات الغربية في قدرة واشنطن وأوروبا على الاستفادة من استخدام الدولار الأميركي في الشؤون التجارية، إضافة إلى هيمنة الاقتصاد عبر «الأطلسي» على التجارة والاستثمار والتكنولوجيا في جميع أنحاء العالم.

وفي حالة روسيا، تُظهر الأرقام أن أوروبا تتمتع بنفوذ أكبر من الولايات المتحدة على روسيا، فمنذ أوائل عام 2022، تخلت روسيا عن الدولار الأميركي في محاولة لحماية نفسها من العقوبات، ما أدى إلى استخدام الشركات الروسية الدولار الأميركي في الوقت الراهن في أقل من 5% من تجارتها عبر الحدود. وعلاوة على ذلك، ظلت العلاقات التجارية بين روسيا والولايات المتحدة ضئيلة، ففي عام 2021، وهو آخر عام قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، استحوذت الولايات المتحدة على 3.6% فقط من صادرات روسيا و5.9% من وارداتها.

وعلى النقيض من ذلك، كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لموسكو، حيث زوّدها بما يقرب من 40% من وارداتها، واستحوذ على النسبة نفسها تقريباً من صادراتها.

وتُبرز هذه الأرقام نفوذ الاتحاد الأوروبي على روسيا من خلال العقوبات التجارية. ولنأخذ واردات روسيا أولاً، تغطي عقوبات الاتحاد الأوروبي 54% من واردات روسيا من الاتحاد الأوروبي (بناءً على بيانات عام 2021)، ما يُسبب صداعاً للعديد من الشركات الروسية التي تعتمد على السلع عالية التقنية المصنوعة في الاتحاد الأوروبي.

وبحلول نهاية عام 2024، على سبيل المثال، أوقفت شركة الطيران الروسية «إس سيفين» 31 طائرة من أصل 39 طائرة «إيرباص إيه 320 نيو» عن العمل بسبب نقص قطع الغيار. ومن دون صيانة، لن يكون أمام شركة «إس سيفين» خيار سوى إيقاف تشغيل هذه الطائرات في عام 2026.

مصادر الطاقة

ويبدو أن نفوذ أوروبا التجاري على روسيا أكبر عندما يتعلق الأمر بصادرات موسكو، ومعظمها من الهيدروكربونات، ففي هذا المجال، أضرّ الكرملين نفسه بتقييد شحنات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2022.

ومنذ ذلك الحين، يبذل الأوروبيون جهوداً حثيثة لتنويع مصادر توريد الطاقة، وإقامة البنية التحتية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وتسريع وتيرة التوسع في الطاقة المتجددة. ولا يوجد سبب يمنعهم من مواصلة هذه الجهود، التي ستُتوّج بحظر الاتحاد الأوروبي جميع واردات الهيدروكربونات الروسية بدءاً من عام 2027.

وقد لا يكون ترامب حريصاً على تشجيع إعادة ضبط علاقات الطاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا من خلال إحياء شحنات الغاز الروسية. والسبب في ذلك بسيط، وهو أن واشنطن وموسكو تتنافسان في مجال توريد الغاز إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيس للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، حيث تُمثل وارداتها ما يقرب من نصف واردات الكتلة.

فإذا استأنفت روسيا تصدير الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، سينخفض الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأميركي، كما تتنافس شركات الطاقة الروسية بشكل مباشر مع الشركات الأميركية في مجال الغاز الطبيعي المسال، إذ تُعدّ روسيا الآن ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، ولا شك في أن موسكو تطمح للوصول إلى المركز الأول.

ويمتد نفوذ أوروبا في مجال الطاقة على روسيا ليشمل شحنات النفط أيضاً. فقد وضعت مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي حداً أقصى لسعر صادرات النفط الروسية عند 60 دولاراً للبرميل، والتي تُشحن بمساعدة شركات التأمين أو خطوط الشحن الموجودة في الاتحاد الأوروبي، أو أعضاء آخرين في مجموعة الدول السبع.

وسيكون خروج الولايات المتحدة المحتمل من هذا الحد الأقصى للسعر أمراً سهلاً بالنسبة لبقية دول المجموعة، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب تتجنب ناقلات النفط الروسية في الوقت الراهن وجهات في مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي، وغالباً ما تستخدم ناقلات النفط هذه الموانئ الروسية في بحر البلطيق.

وهذا يعني أنها بحاجة إلى المرور عبر نقاط الاختناق البحرية التي يسيطر عليها الاتحاد الأوروبي، ما يمنح الاتحاد نفوذاً لتطبيق سقف الأسعار، على سبيل المثال، من خلال اشتراط حصول جميع السفن العابرة لمضائق الاتحاد الأوروبي على دليل على وجود تأمين مناسب (غربي)، وهو أمر يصعب على السفن الروسية توفيره.

الأصول المجمدة

ولإعادة تشغيل عملياتها في روسيا، ستحتاج الشركات الغربية إلى الوصول إلى القنوات المالية، وهو مجال آخر من مجالات نفوذ الاتحاد الأوروبي، إذ لم تكن البنوك الأميركية يوماً لاعباً رئيساً في روسيا. وتشير تجربة العقوبات على إيران إلى أن إقناع الممولين الأميركيين لاستئناف أعمالهم في روسيا، سيتطلب جهداً كبيراً، ففي حالة إيران، خشيت البنوك الأميركية من عودة العقوبات حتى بعد تخفيفها.

أما البنوك الغربية الكبرى، القليلة القادرة على تسهيل عودة الشركات الغربية إلى روسيا، فهي من أصول أوروبية، مثل بنك «رايفايزن» النمساوي، الذي لايزال لديه عمليات ضخمة في روسيا، فإذا أراد الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات، فيمكنه تقييد قدرة بنوكه على ممارسة الأعمال التجارية في روسيا.

وأخيراً، ماذا عن الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي؟ نظرياً، يُعد الاتحاد الأوروبي اللاعب الرئيس هنا، فمعظم هذه الاحتياطيات محفوظة في «يوروكلير» البلجيكي، ويبدو أن أكثر من 60% منها مقوم باليورو، وهو تقدير متحفظ يستند إلى بيانات نادرة متاحة.

وعلاوة على ذلك، تُدير المفوضية الأوروبية قرضاً بقيمة 50 مليار دولار، منحته دول مجموعة السبع لأوكرانيا باستخدام عائدات فوائد الأصول الروسية المجمدة. ومع ذلك، ثمة مشكلة، وهي أن موسكو قد شطبت هذه الاحتياطيات تحسباً لعدم استعادتها، وهذا لا يعني أن موسكو لا تهتم بها، لكنها على الأرجح ليست أولوية للكرملين، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع استخدامها كوسيلة ضغط.

وإذا تمكنت أوروبا من البقاء موحدة، فسيكون لديها نفوذ عقابي هائل على موسكو، يتمثل في العلاقات التجارية ووجود القطاع الخاص، وهما ورقتان رابحتان لا تستطيع واشنطن اللعب بهما.

وهذا أيضاً لا يعني أن العقوبات الأميركية، لاسيما التدابير التي تُقيد قدرة موسكو على وضع ديونها الخارجية في الأسواق المالية الأميركية والوصول إلى تكنولوجيا الطاقة الأميركية للحفاظ على إنتاج النفط والغاز، لا تُجدي نفعاً. ومع ذلك، بالنسبة للكرملين، من غير المرجح أن يكون رفع العقوبات الأميركية وحده كافياً، وهذا يعني أن ترامب لا يستطيع منح بوتين كل ما يريده في مفاوضات أوكرانيا، على الأقل ليس في ما يتعلق بالعقوبات، وقد يكون الاتحاد الأوروبي اللاعب الحقيقي هنا، ما يمنح ترامب سبباً وجيهاً واحداً على الأقل لإشراك التكتل في المفاوضات حول إنهاء محتمل للحرب الروسية الأوكرانية.

عن «الفورين بوليسي»

. الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لموسكو، حيث زوّدها بما يقرب من 40% من وارداتها واستحوذ على النسبة نفسها تقريباً من صادراتها.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى