الصناعات الثقافية الابداعية في الاردن.. خطوات متسارعة نحو تحقيق تنمية اقتصادية بمنظور اجتماعي

تقرير النشرة الثقافية لوكالة الأنباء الأردنية // فانا //
إعداد: مجدي التل
عمان في 06 إبريل / بنا / تشهد الصناعات الثقافية والاقتصاد الابداعي في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا ونمواً بوصفها أحد المجالات الإنمائية المستدامة والتي تعتمد على موارد متجددة غير محدودة عنوانها الإبداع الإنساني مرتكزة على الأفكار الخلاقة التي تمثل رأس المال لهذه الصناعات لتحقيق تنمية اقتصادية بمنظور اجتماعي وتعزيز المكانة الثقافية للدول والمجتمعات.
وفي السنوات الأخيرة جرى في الأردن على المستويين الرسمي والأهلي ومن خلال استراتيجية الدولة للتحديث ووضع الخطط لذلك، الالتفات إلى هذه الصناعات والسعي الى دعمها وتعزيزها وتطويرها من خلال العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تنفذها جمعيات وهيئات ثقافية وخصوصا في المحافظات ومجتمعاتها المحلية، والإفادة مما توفره من موارد طبيعية وخامات أولية من البيئة المحلية ومهارات تتكيء على التراث والثقافة الوطنية ومحاكاتهما وتوظيفهما في منتجات تصنع محليا من مواد أولية من البيئة الطبيعية المحيطة، وجهود ومهارات إبداعية لأفراد من المجتمع المحلي.
وتلعب المرأة وشريحة الشباب عنصرا فاعلا في ذلك يسهم بتمكين المرأة اقتصاديا، وبتوفير فرص عمل للشباب والشابات، وتقديم منتج محلي منافس يسوق الأردن سياحيا، وبالتالي يشكل عنصرا مساهما في الناتج المحلي الإجمالي، وعاملا فاعلا في الحلقة الاقتصادية الوطنية وفقاً للمقاييس الاقتصادية المتعارف عليها مثل القيمة المضافة الإجمالية والعمالة والإنتاجية.
كما تسهم الصناعات الثقافية الابداعية بتعزيز الابتكار والإبداع والحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية والثقافية وتعزيز السياحة الثقافية والتواصل الثقافي بين الشعوب مما يساعد في خلق فضاءات من التسامح والتفاعل والحوار.
والصناعات الثقافية الإبداعية تشتمل على مجموعة واسعة من المجالات التي تجمع بين العناصر الثقافية والإبداعية مع الأعمال التجارية، ومنها التراث والفنون البصرية والآداب والنشر وصناعة الفيلم والموسيقى والمسرح والتصميم والألعاب الرقمية والوسائل السمعية والبصرية والأزياء والمواقع الأثرية والمتاحف وغيرها.
وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عام 2008 فإن الصناعات الابداعية هي المنتجات التي تستخدم الإبداع ورأس المال الفكري كمدخلات أولية، وتشمل التراث، والفنون، ووسائل الإعلام، والإبداعات الوظيفية.
ويندرج ضمن تصنيف التراث أشكال التعبير الثقافي التقليدي ومنها الحرف اليدوية، فيما يندرج ضمن تصنيف الفنون الرسم، والنحت، وصناعة التحف.
وقالت مساعد الامين العام للشؤون الثقافية والفنية في وزارة الثقافة مديرة مديرية ثقافة الكرك عروبة الشمايلة في حديثها لوكالة الانباء الاردنية(بترا) إن الصناعات الثقافية تشكل جزءًا أساسيًا من التنمية المستدامة والحفاظ على الهوية الثقافية، الأمر الذي يستلزم تعزيز الوعي بأهميتها وتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانياتها في دعم التنمية والثقافة، وتكريس الجهود لتطويرها من خلال التمويل والترويج وتفعيل المشاركة المجتمعية.
وأضافت الشمايلة أنّ الصناعات الثقافية تمثل الجسر بين الإبداع والاقتصاد باعتبارها مصدرا للإيرادات ومولّدة لفرص العمل ومعززة للابتكار، إضافة لدورها بتعزيز وإثراء الهوية الثقافية الوطنية من خلال الفنون والأعمال الإبداعية التي تمكّن المجتمعات المحلية من التعبير عن تراثها وقيمها بطرق مبتكرة، علاوة على أهميتها في تجذير التفاهم بين مختلف الثقافات والشعوب من خلال تبادل الأعمال الثقافية والفنون.
وفي هذا الاطار وكنموذج عن ما توليه وزارة الثقافة الاردنية من أهمية للصناعات الثقافية الابداعية لاسيما في المجتمعات المحلية، نوهت بدور مديرية ثقافة الكرك ومن خلال مركز الحسن الثقافي حيث تُنفذ إستراتيجية وزارة الثقافة بتعزيز الجهود لدعم الصناعات الثقافية والإبداعية من أبرز المنصات التي تدعم الصناعات الثقافية في الأردن، إذ تُسهم في ترويج الفنون والتراث لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقالت إن مركز الحسن الثقافي، يتيح للفنانين والحرفيين فرصًا مميزة لعرض أعمالهم وتطوير مهاراتهم من خلال المساحات الإبداعية التي يوفرها، مما يسهم في الترويج للحرف اليدوية والفنون البصرية والمسرحية والموسيقية على نطاق أوسع، علاوة على الدور الذي تلعبه مديرية ثقافة الكرك ومركز الحسن الثقافي ضمن مشروعات وبرامج الوزارة، من دور محوري في الترويج السياحي للصناعات الثقافية الإبداعية، حيث توفّر منصات مهمة من خلال المهرجانات والفعاليات الوطنية لعرض المنتجات الثقافية والحرف اليدوية والفنون التراثية، تُسهم في إبراز الهوية الثقافية الأردنية عبر تقديم فضاء تفاعلي يمكّن الحرفيين
والفنانين من التواصل المباشر مع الجمهور، مما يعزز من مكانة الصناعات الإبداعية كجزء من التجربة السياحية.
كما تُسهم المديرية، بحسب الشمايلة، في ربط التراث بالحداثة من خلال دمج التقنيات الرقمية والترويج عبر المنصات الإلكترونية، مما يضمن وصول المنتج الثقافي إلى جمهور أوسع، ويحول الفعاليات الثقافية إلى نقاط جذب سياحي تعزز من الاقتصاد الإبداعي المحلي، مشيرة إلى أبرز المشاريع التي تم تنفيذها ومنها؛ صناعة صبغة النيلة من نباتات محلية، والخزف والصلصال، والنسيج، واستخدام ورق الموز في صناعة الكراسي الخشبي.
الشمايلة التي لفتت الى دور مديرية ثقافة الكرك في تمكين المرأة من خلال الصناعات الثقافية الابداعية عبر تقديم برامج تدريبية متخصصة في مجالات عديدة ومنها؛ النسيج، والصلصال، وإدارة المشاريع الثقافية والتسويق الرقمي أكدت أن هذه البرامج لا تقتصر على تنمية المهارات فقط، بل تفتح أمام النساء أبوابًا لدخول الأسواق المحلية والعالمية، عبر المعارض والمهرجانات التي تُنظَّم لتعزيز حضورهن في المشهد الثقافي والاقتصادي.
كما أكدت الشمايلة أن هذه البرامج تسهم كذلك في تمكين المرأة ثقافيًا وفنيًا من خلال تشجيعها على الانخراط في الفنون الأدائية، مثل المسرح والموسيقى، مشيرة إلى أن مركز الحسن الثقافي في الكرك يوفر بيئة داعمة تتيح للنساء التعبير عن أنفسهن من خلال الكتابة، وصناعة الأفلام، والفنون الرقمية، مما يعزز من دورهن في المشهد الثقافي الأردني الذي تسعى وزارة الثقافة لتوثيقه وترويجه عالميا.
والشمايلة التي نوهت بأهمية الشراكات التي تعقدها المديرية مع المؤسسات المحلية والتي تعد عنصرًا أساسيًا في تطوير الصناعات الثقافية وتمكين المرأة، وتتيح فرصًا لتبادل الخبرات والاستفادة من برامج دعم ريادة الأعمال الثقافية، لفتت إلى دور المديرية بالترويج للصناعات الثقافية، من خلال ما تبذله من جهود وتقدمه من برامج ومشروعات تمتد لتكون منصة فاعلة في تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، وإثراء المشهد الثقافي الأردني برؤى جديدة وإبداعية.
مدير مديرية التراث في وزارة الثقافة عاقل الخوالدة قال لـ(بترا) “بداية لابد من الإشارة لرؤية وزارة الثقافة واستراتيجية العمل الثقافي للوزارة، والتي ركزت على رعاية الإبداع والاهتمام بالتراث الوطني الذي تشكل الحرف اليدوية التقليدية أهم الصناعات الثقافية فيه”، مشيرا إلى المهام التي تضطلع بها المديرية من خلال جملة من البرامج والإجراءات التي تسهم في إبراز هذا الحقل الإبداعي الوطني وصونه من الاندثار.
ولفت الخوالدة الى انه على رأس هذه الإجراءات أطلقت الوزارة قاعدة بيانات العاملين في الحرف اليدوية التقليدية لتكون مرجعا ورابطا تنسيقيا يسهم في الوصول إلى المبدعين في مجال الحرف اليدوية التقليدية والتعرف عليهم، مبينا انها قاعد بيانات متاحة على موقع المديرية وتسعى الوزارة دائما لتحديثها بشكل مستمر، وهي تؤشر لحضور المرأة المنتجة والشباب الواعي في قوائم العاملين بهذا القطاع.
وأشار إلى العديد من مشاركات الانتاج الحي للصناعات الثقافية الابداعية والتي نفذتها وزارة الثقافة لاسيما في الفعاليات الكبرى ومنها خلال العام الماضي بالدورة الـ38 من مهرجان جرش للثقافة والفنون وذلك في جناح خاص أقيم لمعروضات الصناعات الثقافية الابداعية للدول الشقيقة والصديقة ومشاركة الجمهور التفاعلية؛ لغايات التعريف بالحرف التقليدية الموروثة، والترويج لها أمام جمهور وضيوف المهرجان.
وقال إنه ضمن خطة الوزارة أطلقت المديرية في العام الماضي برنامج المسارات السياحية الثقافية التي ركزت على أن تكون أماكن عرض الحرف التراثية محطة من محطات كل مسار من هذه المسارات؛ لغايات تعريف المشاركين بهذا الكنز الوطني الثمين، مشيرا إلى ان الوزارة نفذت خلال شهر رمضان الماضي وبالشراكة مع مجموعة من الوزارات والمؤسسات فعاليات رمضانيات 2025، حيث شملت جناحا للحرف التقليدية في العاصمة والمحافظات الأردنية كافة.
ولفت إلى أن إعادة إطلاق مجلة الفنون الشعبية هذا العام من خلال مديرية التراث في الوزارة يعد من ابرز الاجراءات التي تسهم في مجال الترويج للصناعات الثقافية الوطنية، ويشكل فرصة متجددة من فرص الترويج للتراث الوطني، وفتح آفاق الاستثمار فيه، والبحث والتوثيق فيه.
وبين أن الوزارة بدأت بالمرحلة الأولى من إطلاق متحف متخصص بالتراث الثقافي الأردني حيث ستكون الصناعات التقليدية من أهم محتويات هذا المتحف الذي يسعى لتعريف ضيوف الأردن والمهتمين بهذا الشأن بكنوزنا الوطنية التقليدية.
الخوالدة الذي أعتبر أن الحرف التقليدية الوطنية من أبرز وأهم الصناعات الثقافية، وتعبر عن كون الثقافة لم تعد انعكاسا لحياة المجتمع ونمطه المعيشي والإنتاجي، رأى انها محرك أساس من محركات الاقتصاد الوطني، القائم على إتاحة الفرصة للمبدعين والترويج لإبداعاتهم.
بدوره استعرض رئيس جمعية صناع الحرف التقليدية رائد البدري لـ(بترا) بدايات الحرف والصناعات التقليدية في الاردن والتي تعود إلى نمط العيش الذي كان متبعا في الماضي والاعتماد فيه على الخامات والمواد الاولوية التي توفرها البيئة المحيطة وتتواجد فيها .
وأكد البدري أهمية قطاع الحرف والصناعة التقليدية في التنمية الاقتصادية ودوره بتوفير فرص عمل للشباب والشابات من خلال المشاريع والورشات الصغيرة والميكروية والمتوسطة التي تقدم منتجات من الخامات الطبيعية المختلفة، مشيرا إلى العديد من البرامج التدريبية التي اسهمت فيها جمعيه صناع الحرف التقليدية وجهات اخرى عديدة في تدريب الفتيات والشباب وذوي الاحتياجات الخاصه والعديد منها في المحافظات والمناطق النائية مما أسهم بتمكينهم واسرهم إقتصاديا، ومنها منتجات غذائية وحرف تقليدية وصناعات الصابون والشمع والزيوت العطرية وغيرها.
واشار الى أن الجمعية نفذت عددا من البرامج التدريبية في مراكز الاصلاح والتأهيل (السجون) ومراكز إصلاح الاحداث، علاوة على الدور التثقيفي الذي تقوم به في عدد من الجامعات والمدارس حول اهمية هذه القطاع وامكانية توفيره لفرص تشغيلية لشريحة الشابات والشباب.
ولفت إلى العديد من الحرف والصناعات التقليدية التي كانت منتشرة في الارياف ومناطق البادية وتوظف الخامات الطبيعية الموجودة في بيئاتها ومنها القشيات واوراق الحلفاء وسعف النخيل واوراق الموز لصناعة السلال وصناعة العديد من الادوات المنزلية التي كانت تستخدمها المجتمعات المحلية في حياتها اليومية، وكذلك بعض الصناعات القائمة على جلود المواشي والفخاريات من طين الصلصال الطبيعي .
وأشار إلى العديد من الصناعات الثقافية الابداعية التي تعمل الجمعية على فتح آفاق لمنتجيها وتسويقها ومنها صناعة الخناجر والسيوف والصناعات الخشبية والحفر على الخشب والقلائد والازياء الشعبية والتراثية والمنسوجات والمطرزات وتهذيب الشماغ الاردني والتشكيل بالرمل الملون المعبأ في قوارير زجاجية والفسيفساء وغيرها.
وأكد البدري أن الصناعات الثقافية الابداعية وابرزها الحرف التقليدية تسهم بترويج المنتج التراثي الثقافي الاردني وتسويق الاردن سياحيا وتلعب دورا مهما بالتنمية الاقتصادية.
ع.ذ, S.E