اخبار

عن قوة نتنياهو وضعف المعارضة ..مصطفى ابراهيم

من متابعتي لما يكتبه بعض الكتاب والمحللين الإسرائيليين، ان مركز الثقل الجديد للإجماع في إسرائيل، هو “عودة جميع المخطوفين، ولو بثمن وقف الحرب”. وأن هذا المسار مرحب به، حتى لو حدث بشكل بطيء. ومع ذلك، والأهم هو التركيز على النصف الثاني من المعادلة. باعتبار أن وقف للحرب “ثمناً” وتضحية باهظة من الصعب تحمُّلها، ووقف الحرب في غزة هو أمر جيد بالنسبة إلى إسرائيل.

ولخص بيان نشر الاسبوع الماضي لعدد من كبار المسؤولين السابقين في أجهزة الأمن الإسرائيلية، والقول أن سلوك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يمثل خطرًا واضحًا وفوريًا على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. وأن تجديد القتال في غزة لأسباب غير مهنية ومن دون هدف سياسي قابل للتحقيق، لن يؤدي إلى عقد صفقة للأفراج عن الاسرى المختطفين، ولا إلى إخضاع حماس، بل يمحو إنجازات الجيش والأجهزة الأمنية”، وأن توقف الحرب من شأنه فتح الباب أمام التطبيع مع السعودية والاستعداد لمواجهة التحدي الإيراني”.

ويعتبر اخرون في إسرائيل رفض نتنياهو وحكومته استبدال العدو الحمساوي بطرف حُكم آخر وإنهاء الحرب، لأن هذا سيشكل نهاية لائتلافه، وسيتمكن الاسرائيليين من محاسبته بواسطة لجنة تحقيق رسمية، وإطاحته من خلال الانتخابات. 
يأتي ذلك في إطار الاتهامات الموجهة لنتنياهو على إثر هجوم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأنه الشخص الأول الذي يتحمل الفشل في توقع ومنع الهجوم، وإخفاق الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف التي وضعت للحرب، وما زال لا يعترف بالفشل، ويحمل المسؤولية لقادة الجيش والأجهزة الأمنيةـ ولا يزال رئيساً للحكومة اليمينيّة الأكثر تطرفاً قومياً ودينياً. وأنه السبب في إطالة أمد الحرب كونها تخدم مصلحته السياسية والشخصيّة.

ويوجه محللين سياسيين وعسكريين الاتهامات لنتنياهو بخرق اتفاق وقف إطلاق النار في الـ 19 من كانون الثاني/ يناير الماضي، وعودة الجيش الإسرائيلي لاستئناف القتل والدمار والسيطرة على انحو 50‎%‎ من مساحة قطاع غزة.

خلال الأسبوعين الماضيين انتشرت حملة واسعة من الاحتجاجات داخل الجيش الإسرائيلي، بتوقيع أفراد من وحدات مختلفة في الجيش والأجهزة الأمنية والوحدات الخاصة سابقون وناشطون في قوات الاحتياط وغيرها من الأجهزة الأخرى. وانضم إليهم عدد من العاملين في قطاع الصحة، بينهم أطباء حاصلون على “جائزة نوبل”. إلى جانب بيانات مماثلة صادرة عن أكاديميين ومعلمين وكتّاب، على عرائض تطالب بإعادة الأسرى فوراً، حتى بثمن وقف الحرب. واتهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإدارة حرب سياسية شخصية لأهداف لا تتعلق بالأهداف المعلنة للحرب. 
 
وعلى الرغم من محاولة رئيس هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي ايال زامير قمع صوت الاحتجاج السياسي بين ضباط الاحتياط، وفرض عقوبات ضدهم وفصل عدد منهم، إلا أن ذك لم يمنع من انضمام فئات أخرى وصلت عشرات الآلاف، مع إمكانية خروج الاحتجاج عن السيطرة. 
ونقلت القناة 12 التلفزيونية تقريرا عن تراجع نسبة الاستجابة إلى دعوة جنود الاحتياط الى الخدمة القتالية بنسبة 40% منذ بداية العام، ووصلت نسبة عدم الاستجابة للاستدعاءات للخدمة القتالية تبلغ ما بين 50% و70% مقارنة مع بداية الحرب على غزة في العام 2023 التي حظيت باجماع اسرائيلي مقارنة مع بداية الحرب وبلغت النسبة في حدها الأقصى 300%.

وكما ينشر في بعض وسائل الإعلام الاسرائيلية لقد أدرك زامير، متأخراً، أنه عُيّن في منصبه على يد مستوى سياسي فاسد، ينتظر منه أن يستأنف حرباً سياسية مخادعة والتضحية بالمخطوفين والجنود من أجل احتلال برّي للقطاع وإدارته بواسطة حُكم عسكري. وأنه لا يوجد إجماع على هذه الحرب، ولا يوجد عدد كافٍ من الجنود. 

تزداد الاحتجاجات والاتهامات الموجهة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ضوء قراره إقالة جهات رقابية مثل رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار والمستشارة القضائية، في حين أنهم من يقودون التحقيق، إضافة إلى أن إعلانه عن تعيين رئيس جديد للشاباك، ثم التراجع عنه، يكشف أن اعتبارات الولاء الشخصي هي التي تقود قراراته.

يبدو أن (المعركة) التي تتبلور ببطيء في اسرائيل أساسها حملة ضباط الاحتياط في الجيش التي تتحول الى احتجاجات سياسية يعبرها الاعلام الإسرائيلي أنها غير مسبوقة، مع التأكيد على أن هذا الحراك يأتي في ظل الاجماع الصهيوني، ومنطلقاته أمنية، ونجح حتى الان في إحداث تحرك بطيء للضغط من أجل إتمام صفقة الافراج عن الأسرى الاسرائيليين وإنهاء الحرب على غزة.

وتطرح الأسئلة حول أسباب استمرار نتنياهو في منصبه، على الرغم من اتهامه بالمسؤولية عن اخفاقه في الحرب، في الحقيقة أن الحكومة التي يقودها اليمين القومي العلماني (الليكود)، وتحالف مع اليمين الديني الحريدي واليمين القومي الديني الصهيوني وهناك تماسك بين مكوناتها.
غير أن التماسك في صفوفها تفوق بكثير درجة التنافر، لا سيما أن الحرب على غزة هي التي تغذي تماسكها، وهذا مرتبط باستمرار الحرب والقتل والدمار والخراب في غزة، والسعي لتحقيق أحلام هذا الائتلاف باحتلال قطاع غزة وعودة الاستيطان فيها. ووقف الحرب يعني انفراط عقد الحكومة ونهاية حكم اليمين، ونهاية حكم نتنياهو.

في حين أن المعارضة الإسرائيلية ضعيفة وليست موحدة في مواجهة الحكومة، بل أن بعض احزابها شاركوا في ما سمي في بداية الحرب “مجلس الحرب” بشن حرب الإبادة الجماعية، وهي التي شكلت اجماعاً، وتصويت الكنيست الإسرائيلي العام الماضي بأغلبية 99 عضو كنيست تأييداً لقرار الحكومة معارضة الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية.
وقد يكون الأمر المهم، في ما يتعلق بالمعارضة الإسرائيلية وضعفها، كما لخصه الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، وهو أنه لا توجد معارضة حقيقية على تماس لصيق بالمسائل الأساسية التي يمكن أن تغيّر صورة إسرائيل، كالاحتلال والحرب والديمقراطية، هذه المسائل لا توجد فوارق كبيرة بين اليمين والوسط واليسار الصهيوني، وثمة دولة تتكلم بصوت واحد ولديها وجهة نظر واحدة ورأي واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى