اخبار

الحرب والمفاوضات .. مستحيلات الخطوط الحمر…!

دوامة دامية تراوح فيها مفاوضات الحرب والصفقة، دوامة لأنها تدور في نفس الحلقة التي يرفض كل طرف فيها الشروط الجدية للآخر ودامية لأنها تجري على ضفاف بحيرة الدم الفلسطيني المسفوك منذ أكثر من عام ونصف العام بلا توقف وها هي تصل للحظتها الأكثر حرجاً لشدة وضوحها، حركة حماس تريد وقف الحرب وهو ما يرفضه نتنياهو بشدة قبل إسقاط الحركة معتبراً كما قال، إن الأمر يعني 7 أكتوبر جديدا وأسرى جددا وانتصارا للمحور الإيراني.

وفي المقابل، اسرائيل تريد من «حماس» أن تسلم سلاحها، وهو ما لا يمكن للحركة قبوله بهذا الشكل الأكثر إهانة وهكذا وصلت المفاوضات لعقدتها الأكبر، فمن ناحية اسرائيل وقف الحرب وبقاء «حماس» حاكماً لغزة وقوة رئيسة يعني خلخلة الفكرة الإسرائيلية التي قامت عليها الدولة الآمنة، وعلى الجانب الآخر فإن تسليم السلاح يعني خلخلة الفكرة التي قامت عليها حركة حماس كحركة مقاومة كانت جزءا من التسمية التي انطلقت بها وحققت من خلالها هذا الحضور الشعبي الكبير.
إذاً، كل من طرفي المعادلة يريد إنهاء الآخر، أو هكذا يتصور كل منهما أن في شرط الخصم ما يحمل دلالات القضاء عليه. وبصرف النظر عن ممكنات كل منهما وما يمكن أن تفرضه موازين القوى، بتنا أمام معادلة يكمن حلها في شطب واحد من طرفيها، هنا العقدة التي تأجلت كحقيقة تتجنب تلك الأطراف الإعلان عن الرفض خشية امتداداتهما الشعبية، فلا اسرائيل قادرة على مواجهة جمهورها بصراحة الفشل في حين أن فرصة استعادة الأسرى في متناول اليد، ولا «حماس» قادرة على مواجهة جمهورها بعودة الحرب بقوة. لذا تجري محاولات تبرير كل طرف لموقفه أملاً بأن يساعد بالضغط على الوسطاء بالضغط على الخصم للتنازل وهو ما يبدو مستعصياً مع عدم قدرة أي منهما على التنازل عن خطوطه الحمراء أو ما يعتبره شروط البقاء، لتصبح كل من الحرب والمفاوضات حربا وجودية ومفاوضات وجودية بالنسبة لهما.
لا يمكن لإسرائيل أن تنهي الحرب وتعود حركة حماس قوة في غزة مهما قدمت من تعهدات، فقد أشرف مكتب رئيس الحكومة ذات مرة بنفسه على نقل الأموال للحركة خلال السنوات الخمس الماضية مقابل توفير الهدوء ومع ذلك تعرضت اسرائيل للخديعة ولأكبر ضربة وأكبر تهديد في تاريخها لذا من الصعب أن تثق اسرائيل بـ»حماس» مرة أخرى، فهي تعتقد أن الحركة ستعيد بناء نفسها وتكرر الأمر كحركة مقاومة في ظل الاحتلال.
لا يمكن لحركة حماس تسليم سلاحها فذلك يعني أن توافق الحركة على إعدام نفسها، لأن الدور الوظيفي الذي يبرر وجودها والذي أعطاها هذا الحضور هي المقاومة المسلحة. وهنا بتنا أمام الاستعصاء بأن كل طرف يعتبر مطالب الطرف الآخر الموافقة على شطبه أو إنهاء وجوده، وهو الاستعصاء الذي يصيب المراقبين بالفزع من إدامة الحرب وخصوصاً أنه يقف على جانبيها طرفان دينيان: الحركة الدينية الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية التي تضم أربع قوى دينية تستمد من النصوص التوراتية وقود معاركها مع الفلسطيني وريث الكنعاني، وفي الحروب ذات الطابع الديني لا أحد يسأل عن حجم الخسائر خصوصاً من الضحايا والبشر.
لا تستطيع لا اسرائيل ولا «حماس» قبول الاشتراطات التي بنظرهما تتجاوز الخطوط الحمراء، لكن موازين القوى هنا تفعل فعلها في تكريس نتائج لصالح الطرف القوي وهي اسرائيل التي تملك إمكانيات كبيرة. ففي رفض اسرائيل لشرط الحركة الفلسطينية ما يضمن لها إدامة الحرب واستكمال تحطيم القطاع وتحويله لمنطقة طاردة وصولاً للهدف الإستراتيجي الذي يتحدث عنه بن غفير وهو خطة ترامب للترحيل، وفي رفض «حماس» للشرط الإسرائيلي أيضاً ما يضمن إدامة الحرب واستكمال تحطيم القطاع وتحويله لمنطقة طاردة ومشروع ترامب. وهكذا تفتح السيناريوهات على نفس الخسارة بالنسبة للفلسطيني وهو ما يشجع التصلب الإسرائيلي المستفيد بكل الحالات.
إلى متى تستطيع «حماس» أن تصمد؟ وما مدى إمكانية تغيير المعادلة لأن في استمرارها نزيفاً لا يمكن أن يحتمل فلسطينياً؟. حين أدرك عرفات أن المعادلة في لبنان هي معادلة شطب وأن الاستمرار هو انتحار ليتخذ قراره بالانحناء للريح باحثاً عن حل مشرف ليحافظ على ما تبقى من قوات ومن شعب ومن مبانٍ وشوارع وقضية.
أمام هذا الاستعصاء بات من الضروري البحث عن حل مشرف يحفظ لـ»حماس» شكل النهاية دون حرج، ويعطي لإسرائيل ضمانات أمنية شريطة وقف الحرب وانسحابها من غزة. وهنا لا يمكن لغير الوسطاء وتحديداً مصر وضع سيناريو مقبول على الطرفين «حماس» وإسرائيل، خاصة أن مصر تعرف أكثر من غيرها أنه لم يعد يوجد سلاح حقيقي في غزة المغلقة بعد هذه الحرب الطويلة، فقد نفد المخزون ولكن بالمقابل لا يمكن لـ»حماس» إعلان الاستسلام، لا يمكن تجاهل موازين القوى في معارك السلاح، ولا يمكن تجاهل الوقائع التي يفرضها هذا السلاح ولا يمكن الاستمرار هكذا لأن الاستمرار يفتح على كل السيناريوهات التي تمكن اسرائيل من تحقيق أهدافها بسحق غزة واقتلاعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى