«بسطات» لبيع «ساعات التطوع»! أخبار السعودية

انتشرت، أخيراً، ظاهرة بيع الساعات التطوعية (الوهمية) عبر منصات التواصل الاجتماعي، بأسعار تبدأ من 100 ريال إلى 600 ريال، بحسب عدد الساعات المطلوبة، وذلك لتسجيلها رسمياً في (منصة العمل التطوعي)، خصوصاً لدى الموظفين والطلاب لارتباط ذلك بعدد من المزايا.
وتواصل محرر «عكاظ» مع أحد المعلنين عن بيع الساعات التطوعية في موقع إلكتروني شهير، في تجربة حية للتأكد من انتشار الظاهرة وصدقيتها، وذلك للحصول على (ساعات تطوعية) مدفوعة الثمن دون عناء الخروج من المكتب، وتم الاتفاق والتفاوض على شراء 400 ساعة، بقيمة 400 ريال، وتسجيلها بتاريخ قديم على منصة العمل التطوعي، كمتطوع في (جمعية خيرية) – جنوب المملكة (تحتفظ «عكاظ» باسمها).
وكشفت رحلة تحقيق «عكاظ»، في هذا الملف، وسطاء يعملون في هذه التجارة وفق (عمولات) متفق عليها مسبقاً مع آخرين لإنهاء كامل الإجراءات، إذ تنشط هذه الإعلانات في المنصات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية التفاعلية بشكل لافت منذ سنوات.
جمعية: الساعات مقابل
خدمة مالية.. نظامي!
تواصلت «عكاظ» مع الجمعية الخيرية لسؤالها حول حقيقة بيع الساعات التطوعية الوهمية في منصات التواصل، وتسجيل المشترين (متطوعين) في أحد أنشطتها بتواريخ قديمة، جاء الرد نصّاً: «فيما يخص الساعات التطوعية، فلقد أضافت منصة العمل في الموقع الرسمي لها كثيراً من المجالات التطوعية، ومن ضمن المجالات المجال المالي، وتتم إضافة الساعات التطوعية مقابل خدمة مالية أو مبادرة أو تنظيم أو ما شابه ذلك من الخدمات الأخرى، التي يستحق عليها المتطوع ساعات تطوعية، وليس لدى الجمعية أي ساعات وهمية، ولا يوجد لدى الجمعية تعامل بـ(العمولات) إطلاقاً، وإنما عقود عمل يتم التعاقد مع الأفراد أو المؤسسات».
مسوّق: أعمل بالعمولة مقابل البيع
تحدثت «عكاظ»، مع أحد المسوقين للساعات التطوعية في منصات التواصل، وأكد أنه يعمل في هذا المجال بـ(العمولة)، بالاتفاق مع أحد العاملين في جمعية خيرية (تحتفظ «عكاظ» باسمها) وإرسال البيانات الكاملة لتسجيلها في المنصة.
وبشأن الحوالات المالية، أوضح أنه يتم تحويلها إلى حساب الموظف، ليبدأ في تسجيل الساعات المطلوبة كمتطوع في أيٍّ من أنشطة الجمعية وبرامجها، ومن ثم رفعها على المنصة.
الإعلان خارج المنصة.. غير نظامي
أوضح المتحدث باسم المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي عبدالله الشومر لـ«عكاظ»: أن القطاع غير الربحي يحظى بمنظومة حوكمة فاعلة في مختلف وظائفه، وأعلن واقع الحوكمة المميز في القطاع، بالتعاون والتكامل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، وأثمرت هذه الجهود، إضافة إلى الجهود التنموية المتعددة في مجال التطوع وغيره من أوجه التنمية في القطاع، عن الوصول إلى ما يزيد على مليون متطوع في 2024م، محققين بذلك، مستهدف رؤية السعودية 2030 قبل حلول عام الرؤية بست سنوات.
وأكد الشومر أن الإعلانات التي تُنشر في مختلف المنصات خارج المنصة الوطنية للعمل التطوعي غير نظامية، وتمثل إحدى ممارسات الاحتيال، يُستهدف منها التكسب غير المشروع واستغلال الراغبين في التطوع، مضيفاً، أن هذا في حد ذاته «يُعد تعطيلاً لهذه الممارسة القائمة على العطاء والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية». ودعا المتحدث باسم المركز الراغبين في التطوع إلى التقدم للفرص من خلال المنصة الوطنية للعمل التطوعي، إذ إنها المنصة الوحيدة المعنية بعرض الفرص التطوعية. وأكد أن جميع الجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية تُقر بصحة البيانات المتعلقة بالفرص التطوعية التي توفرها، وإقرار المتطوع على صحة إتمامه للعمل التطوعي، إضافة إلى الحرص على النشر المتواصل والتوعية بشأن نظام العمل التطوعي الصادر بموافقة مجلس الوزراء في عام 1441هـ.
محامٍ: مجرّم شرعاً ونظاماً
أوضح المحامي والمستشار القانوني سعد علي الشهراني لـ«عكاظ»، أن بيع الساعات التطوعية بمقابل مالي دون تقديم عمل فعلي تستفيد منه الفئة التي يستهدفها، هو أمر محرم شرعاً، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من غشنا فليس منا»، فالغش تدور به الأمة في حلقة مفرغة؛ لأن من يتحصّل على هذه الساعات التطوعية (الوهمية) يكون غرضه نيل وضع وظيفي أو تحصيل فائدة مالية لا يستحقهما، وهذا الأمر من صور الإعانة على الباطل؛ لأنه يؤدي إلى خلل واضح في المجتمع، الذي يتكون ويقوم على أناس قد تدرجوا إلى مراتب بالغش والمخادعة، وسواء أكان ذلك بأجر أو بغير أجر فإن فاعله شريك في الإثم، بل إن له النصيب الأكبر منه؛ لأنه هو أصل المفسدة وأصل الخيانة.
وتابع الشهراني قائلاً: «إن هذا الفعل مُجرّم نظاماً أيضاً من وجهين، فهو أحد أشكال (الرشوة) المجرمة طبقاً لنص (المادة التاسعة مكرر 2) من نظام مكافحة الرشوة ومن وجه آخر أحد أشكال التزوير التي تقع على (محرر عرفي)».
أما المسؤولية القانونية على من يروّج لبيع هذه الساعات التطوعية الوهمية، فإنه مما لا شك فيه أن المروّج لهذا الأمر هو في حكم (المرتشي): «كل شخص يعمل في الجمعيات الأهلية أو التعاونية أو المؤسسات الأهلية أو الشركات أو المؤسسات الخاصة أو الهيئات المهنية بأي صفة كانت، طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته، مما يشكل إخلالاً بواجباته الوظيفية، يعد مرتشياً، ويعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، أو بغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بهما معاً»
على من تنطبق صفة «الموظف»؟
المحامي الشهراني أوضح أن المادة رقم (8) من نظام مكافحة الرشوة عدت (موظفي الجمعيات الأهلية ذات النفع العام) ممن ينطبق عليهم صفة (الموظف العام)، ومن ثم فقد باتت جميع الأوصاف الجرمية التي اشتمل عليها هذا النظام منطبقة عليهم، ولا يخفى أن هذه الجمعيات هي التي يتم عادة تقديم الخدمات التطوعية من خلالها بطبيعة الحال.
وزاد في القول: إلى جانب صفة (المرتشي) فإن المسؤولية القانونية على من يروج لبيع هذه الساعات، تمتد لتكسبه وصفاً جرمياً آخر وهو «ارتكاب جريمة التزوير في محرر عرفي»، وذلك استناداً لما نصت عليه المادة (9) من النظام الجزائي لجرائم التزوير ونصها أن «من زوّر محرراً عرفيّاً، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على 300 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وهذه المسؤولية القانونية ليست قاصرة على شخص المروج وحده، وإنما تمتد لتشمل كلاً من (موظف منصة العمل التطوعي المتعاون مع الوسيط) أو (القائمين على الجهات التي تقدم شهادة تطوعية وهمية إلى منصة العمل التطوعي)؛ إذ إن جميعهم في نظر القانون في حكم (المرتشي) و(المزور لمحرر عرفي).
وبما أن جميعهم يشتركون في صفة (المرتشي وتزوير المحرر العرفي) فإنهم جميعاً مستحقون للعقوبة المنصوص عليها في (المادة التاسعة مكرر 2) من نظام مكافحة الرشوة؛ وهي السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، أو بغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال. وكذلك العقوبة المنصوص عليها في (المادة التاسعة) في (النظام الجزائي لجرائم التزوير)، وهي «السجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على 300 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين» مع الأخذ في الاعتبار مبدأ (تداخل العقوبات)؛ التي يتم الاكتفاء بموجبه بالعقوبة الأشد كعقوبة مفروضة على جميع الأوصاف الجرمية التي ارتُكبت لغرض واحد.
ولا فرق هنا بين (الفاعل الأصلي) و(الوسيط) في استحقاق العقوبة المنصوص عليها نظاماً، وهو ما أوضحته (المادة العاشرة) من نظام مكافحة الرشوة بنصها على أنه «يعاقب الراشي والوسيط وكل من اشترك في إحدى الجرائم الواردة في هذا النظام بالعقوبة المنصوص عليها في المادة التي تجرمها، ويعتبر شريكاً في الجريمة كل من اتفق أو حرض أو ساعد في ارتكابها مع علمه بذلك متى تمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق أو التحريض أو المساعدة».
وزاد: لخطورة هذه الجرائم على المجتمع؛ ولأنها من قبيل جرائم (الفساد المالي والإداري) فقد تم إسناد النظر فيها حصراً إلى دوائر الفساد المالي والإداري بالمحكمة الجزائية بالرياض، دون النظر لمكان وقوع الجريمة، وذلك استناداً لما ورد بالتعميم الصادر من رئيس المجلس الأعلى للقضاء برقم (1431/ت).
ثغرة تستوجب الإغلاق الفوري
أشارت المؤسس والعضو بمجلس إدارة في جمعيات عدة الدكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم لـ«عكاظ»، إلى أن بيع الساعات التطوعية ليس ظاهرة جديدة، لكنه أصبح أكثر وضوحاً وانتشاراً مع ازدياد الطلب على شهادات التطوع متطلباً أكاديميّاً أو وظيفياً. وقالت: في السابق، ربما كان الأمر يتم في نطاقات ضيقة وبطرق غير مكشوفة، لكن الآن ومع تحول التطوع إلى (شرط) بدلاً من (اختيار)، أصبح هناك سوق واضحة لمن يريدون الحصول على هذه الساعات دون بذل أي جهد.
وقالت: «إن المشكلة ليست فقط في الأشخاص الذين يشترون الساعات، بل في النظام الذي أتاح هذه الثغرة أساساً ويستوجب إغلاقها فوراً، فعندما تُفرض ساعات التطوع متطلباً للحصول على منافع معينة، من الطبيعي أن يبحث البعض عن طرق مختصرة، سواء بالشراء المباشر أو من خلال تسجيل حضورهم في أنشطة صورية لا تقدم أي أثر حقيقي».
ولفتت البراهيم، إلى «أن الوضع يضر بالجميع؛ إذ إن المتطوعين الحقيقيين الذين يبذلون جهدهم بصدق، والجهات التي تعتمد على العمل التطوعي الفعلي، وحتى المجتمع الذي يُفترض أن يستفيد من هذه الجهود جميعهم متضررون، والأسوأ أن هذه الظاهرة تخلق حالة من التعود على الغش في بيئات من المفترض أن تبني القيم والأخلاق، مثل الجامعات والمؤسسات التعليمية».
ونبهت في حديثها، إلى أن الحل ليس فقط في ملاحقة من يبيعون أو يشترون الساعات، بل في إعادة النظر في الآليات التي جعلت ذلك ممكناً، ما لم يتم ضبط عمليات التوثيق، وتوفير فرص حقيقية للتطوع، وتعزيز الوعي بأن التطوع ليس مجرد رقم يُضاف للسيرة الذاتية، فإن هذه المشكلة ستظل قائمة، وربما تتطور إلى أشكال أكثر تعقيداً.
فجوة ثقة بين المؤسسات
الخبير في القطاع التطوعي أنس آل محمد أكد لـ«عكاظ»، أن الظاهرة باتت محبطة للمتطوعين الحقيقيين، ما يستوجب تدخل صاحب الصلاحية لحوكمة هذا القطاع وضبطه بصرامة أكثر، مع تشديد الرقابة على الساعات التطوعية الصادرة عن الجمعيات الأهلية والخيرية بكافة أشكالها.
وأضاف: «إن ظاهرة بيع الساعات التطوعية الوهمية تشكل تحديّاً كبيراً ينعكس سلباً على بيئة التطوع؛ إذ تؤثر على مصداقية الجهود المبذولة، وتخلق فجوة في الثقة بين المؤسسات والمتطوعين الحقيقيين، فالعمل التطوعي يقوم على مبادئ العطاء والالتزام الأخلاقي وعندما يتم التلاعب به بهذه الطريقة، فإن ذلك يهدد استدامته ويفقده قيمته المجتمعية، كما أن وجود هذه الظاهرة قد يؤثر على فرص التطوع الحقيقية، ويحد من الاستفادة من الجهود الفعلية للأفراد الذين يسعون بصدق لخدمة مجتمعهم؛ لذلك من المهم تكثيف التوعية بمخاطر هذه الممارسات وتعزيز دور الجهات المسؤولة في تطوير أنظمة تضمن نزاهة العمل التطوعي؛ لكي يكون مستداماً وذا أثر حقيقي يخدم المجتمع بالشكل الذي يعكس جوهره الأصيل».
موقع شهير
يحذف إعلان التطوع
تواصلت «عكاظ»، مع مالك موقع شهير في السعودية نشر على موقعه إعلاناً لبيع ساعات التطوع، وسألته عن مدى نظاميته، فبادر فوراً بحذفه من موقعه، دون تعليق.
أخبار ذات صلة