العقوبات الأمريكية على سوريا: من احتضان الإرهاب إلى كسر العزلة بدعم خليجي (1979 – 2025)

بقلم: حسام لبش
في تاريخ العلاقات الدولية، نادرا ما تُفرض عقوبات على دولة ما وتستمر لأكثر من أربعة عقود. لكن سوريا كانت استثناءً، إذ واجهت حصارًا متواصلاً بدأ منذ عهد الرئيس حافظ الأسد، وتضاعف خلال فترة حكم ابنه بشار، حتى بلغت العقوبات ذروتها في ظل حرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس، وفتحت الباب أمام تدخلات خارجية، على رأسها المشروع الإيراني التوسعي.
ومع دخول سوريا مرحلة سياسية جديدة في عام 2025، شهد العالم تحوّلاً تاريخيا تمثّل في رفع العقوبات الأمريكية والدولية عن سوريا، بفضل حراك خليجي مخلص وضع ثقل العروبة فوق كل اعتبارات المصالح. في ما يلي استعراض للمسار التاريخي للعقوبات، وأسبابها، وكيف انتهت في ظل قيادة سورية جديدة ودعم خليجي صادق.
1979: حافظ الأسد و”الاحتضان الرسمي” للإرهاب
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، اتّخذت إدارة حافظ الأسد مساراً تصادمياً مع الولايات المتحدة، من خلال تقديم الدعم العلني لفصائل مثل “الجبهة الشعبية” و”حزب الله”، إضافة إلى تدخله العسكري العنيف في لبنان.
عام 1979، أدرجت واشنطن سوريا رسميًا على لائحة الدول الراعية للإرهاب، لتبدأ بذلك سلسلة من العقوبات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية.
2003: بعد الغزو الأمريكي للعراق – دعم الإرهاب واستهداف لبنان
استمرت سوريا، تحت قيادة بشار الأسد، في دعم الميليشيات المناهضة للمشروع الأمريكي في العراق، ورفضت الانسحاب من لبنان، ما أدى إلى صدور قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان.
نص القانون على حظر الصادرات، ومنع الطيران، وتجميد الأصول، وتقييد التعامل مع أي شركة لها صلة بالحكومة السورية.
2004 – 2010: العقوبات تتسع… والمشروع الإيراني يتعمّق
في هذه المرحلة، بدأت ملامح النفوذ الإيراني تتغلغل داخل مؤسسات الدولة السورية، الأمنية والعسكرية والدينية.
دعمت دمشق الحرس الثوري الإيراني ومكّنته من بناء نفوذ داخل الأراضي السورية، مقابل حماية النظام من أي تهديد داخلي أو خارجي.
الولايات المتحدة استجابت بتوسيع دائرة العقوبات، مستهدفةً شركات وبنوكًا ومؤسسات تتبع للنظام أو تموّل أدوات القمع.
2011 – 2020: الثورة السورية… وولادة العقوبات الأشد
مع اندلاع الثورة السورية، واستخدام بشار الأسد القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات، تحوّلت سوريا إلى دولة منبوذة على المستوى الدولي.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة، شملت تجميد الأصول، حظر التعامل مع البنك المركزي، منع استيراد النفط، واستهداف رجال أعمال نافذين داخل الحلقة الضيقة المرتبطة بالنظام.
وفي 2020، صدر قانون قيصر، ليغلق كل منفذ اقتصادي متاح، ويمنع أي شركة أو دولة من الاستثمار في سوريا ما دام النظام القديم في السلطة.
2023: الزلزال… والرحمة الإنسانية لا تُغيّر الواقع السياسي
بعد الكارثة الطبيعية التي ضربت شمال سوريا وجنوب تركيا، منحت واشنطن إعفاءً مؤقتًا لتيسير دخول المساعدات.
لكن جوهر العقوبات بقي كما هو: لا إعمار، ولا دعم، ولا انفتاح، ما دامت سوريا واقعة تحت قبضة نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين.
2025: لحظة التحوّل… وسقوط مشروع التبعية
سقط النظام. وغاب بشار الأسد عن المشهد.
برزت قيادة وطنية جديدة تمثلت بالرئيس أحمد الشرع، الذي حمل مشروعًا سوريًا مستقلًا، بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية أو أدواتها الميليشياوية.
وهنا لعب المحور الخليجي – وعلى رأسه السعودية، الإمارات، وقطر – الدور الأبرز في إعادة سوريا إلى الحضن العربي، سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا.
من خلال تحركات ولقاءات على أعلى المستويات، ضغطت العواصم الخليجية في المحافل الدولية لرفع العقوبات، وقدّمت ضمانات لمرحلة انتقالية مستقرة تعيد التوازن الإقليمي، وتنهي حالة الارتهان لإيران.
خاتمة: الخليج.. الحصن العربي لسوريا الحرة
لم تكن العقوبات يومًا بسبب الشعب السوري، بل بسبب نظام تماهى مع إيران، وأفقد سوريا قرارها.
اليوم، وبعد عقود من العزلة، تعود سوريا إلى عمقها الطبيعي، بين إخوتها العرب، محمولةً على الأكتاف الخليجية التي لم تتخلّ عنها في أصعب اللحظات.
ولأن العرب لا ينسون بعضهم، أثبتت السعودية، الإمارات، وقطر أن سوريا لا تموت، بل تُشفى، وتنهض من بين الركام… إذا وجدت من يؤمن بها.