عيد آخر حزين في غزة: لا أضاحي ولا حج.. إبادة وتشرد وسكان يبحثون عن كسرات الخبز

يحل عيد الأضحى هذا العام على المسلمين، وسكان قطاع غزة في أسوأ أوضاعهم المعيشية منذ بداية الحرب المستمرة، وسلبت كل ظروف الحياة الشاقة والجوع والفقر كل مظاهر الاحتفالات من قلوب السكان، الذين أنستهم هذه الظروف القاسية تلك الذكريات التي كانوا يعيشونها في السابق.
وفي هذا الوقت تضيق المناطق التي يسمح جيش الاحتلال الإقامة بها، لتصبح فقط تمثل نحو 20% من مساحة قطاع غزة الاجمالية، بعد أن صنف باقي المناطق على أنها مناطق عمليات عسكرية، وشرع في التوغل في الكثير منها، منفذا سياسة الأرض المحروقة، ولذلك بات مشهد تكدس الخيام، أو الإقامة في مراكز الإيواء، هو المشهد المسيطر على القطاع، فيما تفيض المنازل المتبقية التي نجت من التدمير الكلي وأصابها الضرر الجزئي بأصحابها وأقاربهم النازحين.
عيد رابع تحت الحرب
وهذا هو العيد الرابع لسكان غزة خلال الحرب، فالمواطنون عايشوا من قبل عيدين فطر وعيد أضحى، شابهت ظروفهم ما يعيشونه في هذا الوقت وإن كانت الأمور تسير صوب الأسوأ مع تقدم أيام الحرب التي وصلت إلى شهرها الـ 20.
وتقوم أحلام المصري من شمال قطاع غزة، والتي تنزح وأسرتها في هذا الوقت غرب مدينة غزة، في منطقة خيام ضيقة ومكتظة بالنازحين، إنها لم تشهد أي من الأعياد السابقة في منطقة سكنها منذ بدء الحرب، فهذه السيدة التي نزحت أسرتها في بدايات الحرب أمضت أيام الأعياد في مناطق النزوح في مدينتي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة، قبل أن تنزح من جديد هذا العيد والذي قبله في هذا المكان، وتقول هذه السيدة لـ القدس العربي “أيام العيد مروا علينا مثل باقي الأيام، ما اختلف شيء”، وتضيف “الملابس نفس الملابس ما شرينا جديد ولا حتى للأطفال، والخيمة هي الخيمة، والمأساة نفس المأساة”.
اختفاء الاحتفالات والأضاحي
وبات الأهم الأكبر لهذه السيدة كغيرها من النازحين هو توفير وجبة طعام واحدة تقدم للأسرة التي تضم أطفال وأجداد، والحصول على كمية من الماء الصالح للشرب، وقد بدا التعب والمشقة واضحين على هذه السيدة التي تمثل شريحة نساء غزة، من خلال مظهرها وملبسها، حيث اعتادت على ارتداء “ملابس الصلاة”، سهلة الارتداء والتي تتيح للنساء الحركة بسهولة أيضا، وتقول “اللبس (الملابس) هي هي ما راح تتغير لا في العيد ولا في غير العيد”، وتشير إلى أن أطفال الأسرة كذلك لم يحصلوا على ملابس جديدة، حيث بالكاد تستطيع الأسرة توفير الطعام القليل بما تملك من نقود قليلة.
وتقول هذه السيدة إنها كغيرها من سكان غزة، لم تشهد يوما مريحا منذ بدء الحرب، وإن الذكريات الجميلة عن العيد والاحتفالات الخاصة به مسحتها مشقة الحياة من ذاكرتهم، وتقول “هموم الحياة أنستنا ذكرياتنا السابقة”.
وتخلو من قطاع غزة كل مظاهر استقبال العيد السابقة، فأغلب المنازل والمحال والشوارع التي كانت تضع الزينة والاضاءات دمرت وأصبحت أثرا بعد عين، وتبدلت مشاهد غزة الجميلة إلى ركام ورماد أسود سببه القصف الإسرائيلي، ولم تعد تشاهد تلك الزينة التي كانت تضع في الشوارع وعلى واجهات المحال والمطاعم استقبالا للعيد.
وكان أبرز الغائبين كما الموسم الماضي الأضاحي، التي اعتاد سابقا السكان على ذبحها في اليوم الأول، في أجواء احتفالية كان يشارك فيها جميع أفراد الأسرة خاصة الأطفال منهم، فعلى خلاف السنوات الماضية لن يتمكن محمد الأسطل من مدينة خان يونس جنوبي القطاع، أن ينحر أضحيته هذا العام، واستذكر كيف كان يقدم بخروف العيد قبل يومين أو ثلاثة إلى الفناء المقابل لمنزله، ويشارك وقتها أطفال العائلة في إطعامه واللعب معه، حتى يوم العيد. واستذكر خروجه في هذا العيد مع عائلته لزيارة شقيقاته المتزوجات وأقارب وجيران لهم في المحيط، بعد ارتداء ملايس جديدة، ويشير إلى أن شكل منطقة سكنه غرب خانيونس تغير شكلها، بسبب الغارات، فلم تعد هناك مساحات الأراضي الخضراء كما كانت، حيث تحولت إلى مساكن للنازحين، فيما طال منزله دمارا جزئيا، وقال “لا أضاحي هذا العيد، وفي هذا الوقت ببحث عن كيفية توفير أي نوع من الطعام للأسرة”، وأضاف بحسرة “الواحد نسي شكل العيد”.
انتظار الموت بدل العيد
واستذكر غزاويون كيف كانت تتجمع لديهم كميات كثيرة من اللحوم توضع في الثلاجات، بعد إهدائها لهم من الأٌقارب والجيران، أو بعد ذبح بعضهم للأضاحي، فيما باتوا حاليا يشتهون تذوق أي نوع من اللحوم التي فقدت منذ أشهر من الأسواق بعد أن كانت تدخل بكميات محدودة جدا، بسبب إجراءات الحصار الإسرائيلي.
ولم تسمح إسرائيل منذ بدء الحرب دخول أي من العجول أو الخراف إلى غزة، وسمحت في مرات قليلة مرور شاحنات تقل لحوم مجمدة، وبسبب الحصار وتدمير المزارع نفذت كل أنواع الخراف والعجول، فيما توقفت مزارع الدجاج عن التفريخ. ويقول سمير عليان إنه لم يتذوق طعم اللحوم سواء البيضاء أو الحمراء منذ ثلاثة أشهر، فيما حصل على أخر وجبةا فيه لحم دجاج من أحد تكايا الطعام التي وزعتها بكمية قليلة بداية التهدئة السابقة.
وحين تحدث عن أجواء العيد قال “يمر كباقي الأيام، ما في أي حاجة تغيرت، شكل الدمار واحد والحرب متواصلة وأزمة السكان تتزايد”، وقال إنه كان يأمل أن يحل العيد في أجواء التهدئة، بعد تزايد الحديث خلال الأيام الماضية عن تطورات في ملف وقف إطلاق النار، قبل أن تصاب هذه الجهود بانتكاسة جديدة، وقال لـ القدس العربي “نسينا كيف كان شكل العيد”، وتابع وهو ينظر إلى المنطقة المحيطة به غربي مدينة غزة “ما ظل اشي مثل السابق، كل حاجة تغيرت”، وأضاف “أصبحنا ننتظر الموت مش العيد”.
وتجدر الإشارة إلى أن سكان غزة يحرموا للسنة الثانية على التوالي، من أداء فريضة الحج، بسبب استمرار الحرب وإغلاق المعابر.