إسرائيل تُعلن الهجوم على الأردن..علياء الكايد

في 29 أيار، أعلنت إسرائيل عن بناء 22 مستوطنة جديدة، منها أربع على حدود الأردن. هذا الإعلان لم يكن حدثًا عابرًا أو خبرًا عاديًا، فالمستوطنات على حدود الأردن تُقرأ على أنها معسكرات حشد عسكري وأمني. إنها خطوة مدروسة تفتح صفحة نوعية مع الأردن وفي الصراع الإقليمي، وتعيد ترتيب الواقع السياسي والجغرافي.
كتبت تحذيري الأول في 24 نيسان، بناءً على تقارير منشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية، التي كشفت عن نية تل أبيب إتمام هذا المشروع الخطير. واليوم، بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية رسميًا عن هذه الخطوة، يتأكد حجم الخطر الذي يواجه الأردن، ويتطلب منا إعادة تقييم الموقف بكل جدية. فما يجري على الحدود ليس مجرد مشروع تحصيني، بل تحول في العقيدة الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين، والجدار والمستوطنات أدوات استراتيجية لخدمة وتكريس هذا التحول وصولًا لواقع سياسي جديد، يتجاوز الحدود إلى الداخل الأردني والإقليم.
إسرائيل تبني اليوم ما كانت لا تحتاج إلى بنائه قبل سبعين عامًا، واليوم تحتاجه لمرحلة هجومية تخطط لها، ستكون فيها الحدود مكشوفة كثغرة تشكّل الحدود بطولها وكان الأردن يحميها، هذا القرار يعكس يقينًا إسرائيليًا بأن الأردن على ابواب بلفور.
لكن الخطر لا يقف عند حدود الجغرافيا. فالاختراق الأخطر يحدث في بنية الدولة نفسها، عبر مشروع ناعم يعيد إنتاج السلطة في الأردن في قالب يخدم الترتيبات الإقليمية الجديدة في عقل الصهيوني .فاسرائيل تريد فتح الجبهة الشرقية فقط لتفكيك الداخل الأردني وتحويله إلى إدارة محلية بلا سيادة، تشبه نموج “سلطة أوسلو”، تُمنح شرعية شكلية مستخرجة من أزمة داخلية مُفخخة، ويُعاد تسويقها كحلّ انتقالي أو نهائي.
ad
هذا السيناريو لم يولد اليوم. هو تتويج لمسار طويل من التبعية السياسية والاقتصادية والإضعاف الممنهج عبر تفكيك أدوات الدولة، وتهميش القرار الوطني، وتكريس ، وتفريغ المجال العام من أي قدرة على الفعل الشعبي. والنتيجة فراغ سياسي، وغضب اجتماعي، وقابلية عالية لاختراق الخارج.
في هذا السياق، تتقدم إسرائيل خطوة إضافية عبر دعم أو تسويق ما يُعرف بـ”النموذج البديل”. وهو نموذج سلطة أردنية جديدة، يتم تقديمه للشعب كـ”خلاص من فشل الدولة”، في سردية تقول إن النظام القائم استنفد أدواته، وأن الأردن بحاجة إلى “قيادة جديدة” تتحدث بلغة إصلاحية، لكنها تعمل بأجندة بلفورية .
هذا هو التهديد الانتقالي لاختزال الأردن في بطن الحوت الصهيوني تسوق وتشرعن له إدارة أنتقالية وطنية الشكل كحلّ وسط، من دون المرور بإرادة الشعب.
ad
الرد الأردني الرسمي حتى الآن هو “التطنيش” ،وصمت النظام أمام هذا التحرك الخطير يُفسر دوليًا كقبول ضمني، أو عجز واضح، وربما تواطؤ ضمن تفاهمات تقضي بالحياد عن المواجهة الحقيقية. هذا الصمت ملغم يفتح الباب على وسعه للحلول الجاهزة والمفصلة على قياس العشاء الأخير .
نحن نواجه محاولة لإعادة صياغة موقع الأردن في المعادلة الإقليمية، ليس كفاعل، بل كفراغ يُملأ من الخارج. وهذا هو التهديد الأكبر، لأنه لا يستهدف النظام فقط، بل يُفرغ فكرة الدولة الأردنية من مضمونها ليبدأ مرحلة التهجير والتوطين.
المطلوب اليوم ليس إعلان النفير فحسب، بل الانتقال من إدارة الأزمة إلى استعادة الدور الوطني الكامل. وهذا لا يتم إلا من الداخل، بإعادة بناء الثقة بين الدولة والشعب، وفتح المجال السياسي، وتكريس تمثيل حقيقي يجعل من السياسة والقرار شأناً عامّاً في أطره. ولا خلاص مع الاقصائية والاحتكار ، ولا بداية قبل مصالحة وطنية شاملة تُنهي الخلل في أجهزة الدولة وتُعيد التوازن الداخلي.
مهما اختلفت الآراء وتباينت المواقف، تبقى الحقيقة الأبرز أن العرش الهاشمي اليوم هو آخر جدار صدّ في وجه هذا المشروع، وآخر عنوان يمكن الاتكاء عليه لحماية وجود الدولة . ومن الحكمة أن نتمسك بسفينة الدولة في هذا المنعطف الحاسم، فالمستعمر ابتدأ باستراتيجية وضع الجميع على ظهر هذا المركب، وعليه إما أن ننجو معًا أو نغرق متفرقين.
إن صاحب القرار أمام لحظة تاريخية فارقة.إما أن يتقدم ويفعلها او يترك الفراغ ليستكمله الآخرون بوصفات خارجية سامة للمجمل
والزمن ليس في صالح المترددين.
كاتبة اردنية