اخبار

ترامب: من تغيير النظام إلى «بارك الله إيران»..

ما الذي جرى حتى يُغير الرئيس الأميركي رأيه؟

قبل يوم من إعلانه عن وقف إطلاق النار الذي شكر فيه إيران على إعلامه نيتها ضرب قاعدة العِديد العسكرية في قطر، منهياً ذلك بالقول «بارك الله إيران»، كان قد هدد باغتيال مُرشِد الجمهورية الإسلامية، مطالباً سكان طهران بالرحيل منها، ومؤيداً في الوقت نفسه لمساعي إسرائيل لتغيير النظام فيها.

هل يُمكن لرئيس دولة أن ينتقل في مواقفه خلال 24 ساعة من هدف «تغيير النظام»، الى «ليبارك الله إيران»؟

هنالك بالتأكيد تفسير لذلك.

لم يرغب ترامب مطلقا أن تدخل إدارته بشكل مباشر على خط الحرب بين إسرائيل وإيران. الرجل وصل الى البيت الأبيض بقاعدة انتخابية تقول «أميركا أولاً» ولا تهمنا أوروبا أو إسرائيل أو أي دولة أخرى في العالم. في نفس الوقت، الرجل أيضا مُحاصر بالكثير من الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل، وإدارته مليئة بالصقور الذين يرغبون بمساعدة إسرائيل ومحاربة إيران.

نتنياهو صَور للرئيس ترامب، أن كل ما يحتاجه منه هو الموافقة على أن تقوم إسرائيل، لوحدها، بمهاجمة إيران، وأن تقوم أميركا، كما فعلت زمن إدارة بايدن، بحمايتها من الصواريخ الإيرانية.

لكن ترامب وجد نفسه بعد عدة أيام فقط من الحرب مُطالباً من قبل إسرائيل بالتدخل المباشر لحسمها، لعدم قدرة دولة الاحتلال على فِعل ذلك لوحدها.

نتنياهو كان يأمل بجر الولايات المتحدة للحرب، وتوريطها فيها لتغيير النظام في إيران لأنه يعلم أن بقاء النظام الحالي في إيران، لن يغير من واقع الشرق الأوسط: إن لم يتغير النظام في إيران، فإنها سَتعيد بناء برنامجها النووي، ستطور صواريخها أكثر، وستستمر في دعم حلفائها في الإقليم.

الأهم أيضاً، أن دولة الاحتلال التي فشلت في سعيها لتغيير النظام في إيران، كما أملت في بداية الحرب، أدركت أن إيران تجرها لحرب استنزاف لا قِبل لها على احتمالها: الشعب كله في الملاجئ، الاقتصاد مُعطل كلياً، والخسائر، التي لم يُعلن عنها، كبيرة وقد شاهدنا بعضها.

ما فعلته وتَفعله دولة الاحتلال في غزة، فَعلته الصواريخ الإيرانية في تل أبيب والسبع وحيفا، وهو الجزء القليل الذي سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشره لغايات دعائية بهدف القول إن إيران تستهدف منشآت مدنية. لكن هذه الصور القليلة أظهرت دماراً كارثياً ما كان بإمكان دولة الاحتلال احتماله إذا استمرت الحرب.

لم يكن أمام إسرائيل خيار لوقف الحرب سوى استدعاء الولايات المتحدة للقيام بذلك، وتحت ذريعة قوموا فقط بضرب منشأة فوردو النووية والمحصنة.

في حساباته ترامب لا يريد أن يتورط في حرب سيضطر فيها الى إرسال مئات الآلاف من جنوده للشرق الأوسط. هذا ضد كل ما صرح به الرجل خلال حملته الانتخابية، وهو يُعاكس تماما كل مشروعه المتعلق بأميركا أولاً وأخيراً. لكنه في نفس الوقت تحت مَطرقة المؤيدين من حزبه لإسرائيل والممولين من اللوبي الإسرائيلي لحملته الانتخابية يطالبونه بالانخراط فيها الى جانب إسرائيل.

ترامب اختار الذهاب لضرب المنشآت النووية الإيرانية، كما تريد إسرائيل ومؤيدوها في إدارته وحزبه، لكنه اختار أيضا، ألا تتوسع الحرب.

كيف فعل ذلك؟

أولاً، أعلن ترامب بعد الضربة مباشرة وقبل أن تتمكن أي جهة أميركية استخباراتية من تقييمها أن المشروع الإيراني النووي قد انتهى وان المهمة أُنجزت بنجاح تام.

ثانياً، طلب ترامب من أمير دولة قطر أن يُعلم الإيرانيين بأن أميركا لا نية لديها في الدخول الى حرب مفتوحة مع إيران وأن ضربتها التي حدثت هي الأولى والأخيرة وأنه يُفضل وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران.

ثالثاً، أَبلغ الإيرانيين بأن تعرضهم للمصالح الأميركية بما يؤدي لوقوع خسائر في صفوف الأميركيين سيدفع أميركا مُكرهه على الدخول بشكل مباشر في الحرب.

رابعاً، أبلغ الإيرانيين وكما يبدو من تصريحات ترامب نفسه، أن بإمكانهم تصدير النفط للصين دون أن يكون هنالك عقوبات تترتب على الصين (لاحظوا بأن الصين قبل الحرب كانت تشتري النفط سراً من إيران  تشتريه عبر شركات تحمل أعلام دول أخرى وليس العلم الإيراني).

خامساً، أبلغ ترامب الإسرائيليين بأنه نَفذ ما هو متوقع منه، وأنه لن يدخل في حرب أوسع مع إيران وأن استمرارهم في الحرب، يعني استمرارهم لوحدهم فيها دون الولايات المتحدة.

الوسطاء، وأظن بأنهم ليسوا فقط قطريين، أبلغوا الإيرانيين وفقاً لوكالات الأنباء الإيرانية، أن من الأفضل لهم «ابتلاع» الضربة الأميركية والتركيز على إسرائيل في حربهم.

لكن وبحسب الوكالات نفسها أيضاً، تم إبلاغ الوسطاء بأن إيران لا يُمكنها التغاضي عن قيام الولايات المتحدة بضربها، وأن عليها أن تقوم بالرد أياً كان الثمن، وحتى لو أدى ذلك لحرب شاملة مع الولايات المتحدة.

النظام في إيران، ليس انتحارياً أيضاً. هو يَعلم أن أي حرب مع الولايات المتحدة ستؤدي الى تدمير إيران، لذلك كان القرار بأن يتم ضرب قاعدة العِديد العسكرية في قطر، وهي أهم قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، ولكن بعد إعلام الولايات المتحدة بأنه سيتم ضربها وأن عليها أن تُخرج جنودها منها.

إيران أيضا كانت قد صرحت منذ البداية أن من اعتدى عليها، دولة الاحتلال، هو من يجب عليه وقف عدوانه أولاً قبل أن توقف هي ردها. وكل ذلك تم نقله عبر الوسطاء للرئيس ترامب.

إسرائيل التي أخذت علماً من ترامب بأنه لن يشارك في الحرب أكثر مما فعل، أدركت بأنها لوحدها بعد الضربة الأميركية اليتيمة للمنشآت النووية الإيرانية.

مُسلحاً بما يُمكن أن يدعيه بأنه أكبر إنجاز له في تاريخه، وهو ضرب المنشآت النووية الإيرانية، نتنياهو طالب الإدارة الأميركية بأن توقف الحرب.

من الواضح طبعاً أن استمرار الحرب وبدون الولايات المتحدة سيحول كامل الجغرافيا الإسرائيلية الى حقل تجارب للصواريخ الإيرانية التي ستستمر بالسقوط عليها، دون أن تتمكن إسرائيل من تحقيق غايتها وهي إسقاط النظام في إيران.

ترامب وافق على أن تقوم إيران بضرب قاعدة العِديد العسكرية دون أن يكون لذلك تبعات، بمعنى دون أن تقوم الولايات المُتحدة بالرد على هذه الضربة، ما يُجبر إيران بالرد على الرد. لكنه حاول في نفس الوقت سرقة انتصار عسكري لإسرائيل.

أعلن ترامب أن إيران هي من سيوقف النار أولاً. بمعنى أعطى لإسرائيل حق الضربة الأخيرة لتعلن انتصارها العسكري. لكن هذا لم يتحقق كما شاهدنا جميعاً من خلال الضربات المتتالية لإيران في الساعات الأخيرة لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

هل حققت دولة الاحتلال أهدافها؟

الجواب يأتي من استخبارات وزارة الدفاع الأميركية. ما تم تسريبه يفيد بالتالي: في أبعد تقدير تم تأخير البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر. إيران احتفظت بمخزونها من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60٪، وأجهزة الطرد المركزي لم تتأثر في منشأة فوردو.

لكن الأهم لإيران أنها تحررت من المفاوضات مع الولايات المتحدة على برنامجها النووي. اليوم هي تُفكر في الخروج من معاهدة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وبرلمانها صوّت بمنع دخول موظفي وكالة الطاقة النووية الى إيران وهم الذين كانوا يراقبون برنامجها النووي (ويتجسسون عليه أيضا لحساب إسرائيل)، وهم أصبحوا يدركون حجم الاختراق الأمني لديهم الذي أدى لمقتل العديد من قادتهم العسكريين وعلمائهم النوويين.

نعم إيران تعرضت لضربة قوية، لكن إسرائيل لم تنتص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى