تنظيم كراء الشقق المفروشة… قانون موقوف التنفيذ

مع حلول فصل الصيف من كل سنة، يتزايد إقبال الأسر المغربية وعشاق السياحة الداخلية على الكراء اليومي للشقق المفروشة، باعتبارها بديلا مناسبا لعدد منهم عن الفنادق ومؤسسات الإيواء السياحي الأخرى، التي غالبا ما تشهد أثمنة المبيت فيها ارتفاعا ملحوظا خلال هذه الفترة من السنة، خاصة بالمدن الساحلية.
ورغم أن عملية كراء هذه الشقق أصبحت مقننة بشكل فعلي منذ 13 يوليوز 2023، تاريخ صدور المرسوم رقم 223441 المتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 80.14 المنظم للمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي الأخرى، إلا أن مظاهر العشوائية لا تزال حاضرة في بعض جوانبها.
فالمرسوم الذي أطلق على هذا النوع من الكراء السياحي مسمى « الإيواء البديل »، ينص على ضرورة حصول الراغبين في استغلاله على رخصة مسبقة، مع التصريح بشكل إلكتروني بالمقيمين لديهم، وهي مقتضيات كثيرا ما تنتهك، حيث يعمد عدد من المواطنين إلى عرض شققهم للكراء خارج أي ضوابط قانونية، مما يشكل تهديدا لحقوقهم وحقوق زبنائهم، ويحرم خزينة الدولة من عائدات ضريبية مهمة.
تجاوزات مستمرة
في هذا الإطار، سجل علي شتور، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، أن الملاحظة الميدانية التي تقوم بها الجمعية والشكايات التي تتوصل بها، « تكشف استمرار العديد من التجاوزات المرتبطة بالكراء اليومي للشقق المفروشة أو ما يسمى بالإيواء البديل، خاصة في المدن السياحية والمناطق التي تعرف حركة موسمية مرتفعة ».
وأضاف شتور، في تصريح لـ « اليوم24″، أنه رغم وجود إطار قانوني ينظم عمليات الإيواء ومسطرة الكراء المؤقت أو السياحي، إلا الواقع يكشف عن « ضعف » في الالتزام بهذه القوانين، سواء من طرف المؤجر أو المستفيد، مما يؤدي، على حد تعبيره، إلى الضغط على المكتري وفرض أثمان باهظة عليه دون تعاقد مكتوب أو إشعار قانوني، فضلا عن غياب شروط السلامة والمعايير الصحية اللازمة.
وشدد المتحدث ذاته على أن أهمية احترام القانون المنظم للإيواء تكمن في كونه يضمن حقوق الطرفين، ويؤسس لعلاقة شفافة قائمة على التزامات واضحة، بما يسهم في حماية المستهلك، وتشجيع الممارسة القانونية، ومحاربة العشوائية التي تسيء لصورة السياحة وتضر بالاقتصاد المحلي.
ويرى شتور أن ضعف التزام المواطنين بالإجراءات القانونية، يفسر إما بجهلهم لمقتضياتها، أو ظنهم بأنها معقدة ومكلفة، وهو ما يُظهر الحاجة، وفق المتحدث، إلى تعزيز حملات التوعية حول الحقوق والواجبات المرتبطة بهذا النوع من الكراء، وتبسيط المساطر القانونية المتعلقة به، مع تشجيع التعاقد المكتوب حتى بالنسبة للإيواء القصير الأمد، وتكثيف المراقبة والزجر في حق المتلاعبين، سواء أكانوا من الملاك أو الوسطاء.
وفي السياق نفسه، قال عبد الكريم الشافعي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، « إن القانون 80.14 جاء ليقطع مع حالة الفوضى التي تعرفها عملية الكراء اليومي للشقق المفروشة »، مشيرا إلى أن السلطات تعمل على تنزيله وتطبيق مقتضياته من خلال إحصاء الشقق المعنية، ومستدركا أن التفعيل العملي للإجراءات القانونية المرتبطة بهذه العملية، يتطلب، وفق تعبيره، إصدار قرارات رادعة.
وشدد الشافعي ضمن تصريحه لموقع « اليوم24 » على أن دور هذا القانون هو تحديد شروط السكن وضمان التوافق حولها بشكل قانوني وتحت رقابة السلطات، دون التدخل في الأسعار، التي قال إنها تحدد بالتراضي بين الطرفين، ولا يمكن التدخل فيها لا من طرف المشرع ولا جمعيات حماية المستهلك.
مخاطر قانونية
يفسر المحامي بهيئة الدار البيضاء، محمد امغار، استمرار مظاهر العشوائية في كراء الشقق المفروشة خلال فصل الصيف، بتعود المستغلين للكراء عدم التصريح بمداخيلهم مع ما يرتبط بذلك من تهرب ضريبي، إضافة إلى ضعف إلمام السلطات المحلية بالمقتضيات القانونية المؤطرة للعملية، ولجوء أرباب الشقق للأساليب التقليدية في التسويق.
وحذر امغار، في تصريح لموقع « اليوم24″، من أن عدم الالتزام بالإجراءات القانونية المنصوص عليها، يمكن أن تنتج عنه مخاطر مرتبطة بمدى قانونية استغلال السكن من طرف المُكري، خاصة في ظل غياب عقود الكراء اليومي، التي تضمن الأمن التعاقدي.
ويضيف المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن هناك أيضا مخاطر مرتبطة بمدى قانونية تواجد المكتري بالمحل إلى جانب أشخاص آخرين، مشيرا إلى أن صاحب الشقة يمكن أن يتابع بجنحة إعداد محل للدعارة في حالة تلبس الموجودين بها بجرائم أخلاقية، إضافة إلى مسؤوليته في حالة ارتكاب جرائم أخرى بالمحل في غياب أي غطاء قانوني يحميه.
مداخيل ضريبية ضائعة
ومن الناحية الاقتصادية، أكد الخبير الاقتصادي محمد جدري لموقع « اليوم24″، أن الكراء العشوائي للشقق المفروشة يؤدي إلى ضياع مداخيل ضريبية مهمة سنويا، مشيرا إلى أن المنظومة التشريعية المؤطرة لاستخلاص الضرائب من هذه الأنشطة مازالت غير مكتملة.
وأضاف جدري أن كراء الشقق المفروشة، سواء بالطرق التقليدية أو عبر المنصات العالمية، أصبح واقعا لا بد من الإسراع بمواكبته من الناحية التشريعية، من خلال إصدار قوانين واضحة تحدد المعدلات الضريبية المفروضة على كل صنف.
وشدد الخبير على ضرورة تبسيط الإجراءات الإدارية المرتبطة بالحصول على تراخيص الاستغلال، مع إقرار نسب ضريبية معقولة، تشجع أرباب الشقق على التصريح بمداخيلهم، وتسمح لهم بالعمل وفق القانون دون الإضرار بهوامش ربحهم.