اخبار الإمارات

رابطة «آسيان» تفقد تماسكها السياسي وسط أزمات داخلية تعصف بدولها

لطالما كانت «رابطة دول جنوب شرق آسيا»، المعروفة باسم «آسيان»، تلقى الاحترام في العاصمة الأميركية واشنطن، وعواصم أخرى، باعتبارها حجر الأساس للاستقرار الإقليمي، ونموذجاً للدبلوماسية القائمة على التوافق، وثقلاً محتملاً لموازنة الهيمنة الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

لكن في عام 2025، باتت هذه الصورة قديمة على نحو خطر، إذ لم تعد دول «آسيان» كتلة سياسية متماسكة، وباتت هذه الدول مفتتة نتيجة الأزمات الداخلية التي تعصف بها، كما أنها أصبحت مشلولة في وجه التهديدات الإقليمية، وعاجزة عن تنسيق استجابة فعالة لمواجهة التنافس بين القوى العظمى الذي يدور حولها، ما جعل «آسيان» تنهار ببطء، وهدوء، لكن بصورة مؤكدة.

أزمات «آسيان»

تبدو الأزمات في قمة أوجها في دولة ميانمار، حيث تقوم الحكومة العسكرية، التي استولت على الحكم في انقلاب عام 2021، بشن حرب لا هوادة فيها من أجل الحفاظ على بقائها، وباتت هذه الدولة تعيش حرباً أهلية مفتوحة، كما سيطرت مجموعات المقاومة على أجزاء كبيرة من المناطق الحدودية، في حين يواصل النظام العسكري فرض قبضته، متجاهلاً كل العروض الدبلوماسية، وأصبح ما يسمى بإجماع رابطة دول «آسيان» ذي النقاط الخمس، الذي تم الترويج له سابقاً باعتباره طريقاً للسلام، مجرد كلمات ليس لها أي قيمة.

ورفضت «آسيان» وقف عضوية ميانمار في الرابطة، على الرغم من تنامي الضغوط الدولية عليها كي تفعل ذلك، لكنها لم تفعل شيئاً سوى استبعاد المجلس العسكري من القمم رفيعة المستوى، وهي لفتة رمزية لا تسهم في وقف العنف أو تخفيف معاناة المدنيين.

وليست ميانمار المشكلة الوحيدة، إذ إن تايلاند، وهي من الأعضاء المؤسسين لـ«آسيان»، كانت تعد قوة استقرار في المنطقة، لكنها تواجه الآن مشكلاتها السياسية الخاصة، وبعد الانتخابات العامة في عام 2023، فاز حزب «المضي قدماً» التقدمي بأكبر عدد من المقاعد، لكن مجلس الشيوخ المعين من قبل الجيش منعه من تشكيل حكومة.

من جانبها، لا تتظاهر كمبوديا حتى بالعمل كديمقراطية، فقد جرى تسليم السلطة من رئيس الحكومة هون سين، إلى ابنه هون مانيت عام 2023 بشفافية ضئيلة، ومن دون معارضة جادة، وتظل «بنوم بنه» إحدى أكثر الحلفاء الموالين للصين في المنطقة، وهي تعمل باستمرار على تقويض وحدة «آسيان»، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالصين، لاسيما في بحر الصين الجنوبي، أما لاوس فهي أيضاً متحالفة مع الصين، وهي شبه غائبة عملياً عن دبلوماسية «آسيان».

فشل هيكلي

هذه التوجهات ليست معزولة، فهي تكشف عن فشل هيكلي أكثر عمقاً، إذ لم يعد نموذج «آسيان» القائم على الإجماع وعدم التدخل والمساواة الرسمية بين الدول صالحاً، ولقد نجح بالكاد خلال الحرب الباردة وما بعدها، عندما كانت المنطقة قادرة على تحمل الغموض الاستراتيجي، لكن المناخ الجيوسياسي اليوم مختلف.

أصبحت المنطقة الآن خطاً أمامياً للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، في وقت أثبتت فيه البنية الدبلوماسية لـ«آسيان» عدم كفايتها، فهي تفتقر إلى صوت موحد بشأن الأمن والديمقراطية والتجارة والتكنولوجيا، وهي القضايا الحاسمة في عصرنا.

وينطوي عجز «آسيان» عن التحرك على نتائج حقيقية، وبينما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى بناء سلاسل توريد مرنة وشراكات تكنولوجية، يوقع أعضاء «آسيان» صفقات متنافسة، غالباً مع الصين، ويقوضون مواقف بعضهم بعضاً.

وحتى في ما يتعلق بالتجارة، حيث كانت دول «آسيان» تعتبر سابقاً متماسكة إلى حد ما، فقد انتقل النفوذ الحقيقي إلى أماكن أخرى، فيما تعد الصين الآن أكبر شريك تجاري لجميع دول «آسيان» تقريباً، وقد رسّخت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة دور بكين في قلب التجارة الإقليمية.

تعددية مصطنعة

يعترف المسؤولون في دول «آسيان» خلف الأبواب المغلقة بهذا الخلل الذي تعانيه الرابطة، ويبدو أن بعضهم يشعر بالإحباط نتيجة «تمثيلية» الشعور بوحدة «آسيان»، لكن التصميم المؤسسي للرابطة، حيث الرئاسة دورية، وغياب صلاحيات إنفاذ، وثقافة تجنب الدبلوماسية، يجعل التغيير الحقيقي شبه مستحيل، والنتيجة هي تعددية أطراف مصطنعة: قمم تصدر بيانات نمطية، ومجموعات عمل تتجنب القضايا الشائكة، وفجوة متزايدة بين صورة «آسيان» وتأثيرها الفعلي.

وهذا مهم للغاية بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة، ولطالما اعتمدت واشنطن على مركزية «آسيان» باعتبارها أساساً لانخراطها في منطقة المحيطين الهادي والهندي، ولكن إذا لم تتمكن «آسيان» من العمل كشريك موثوق، فسيحتاج صانعو السياسة في الولايات إلى تغيير مسارهم.

وربما يعني ذلك إنشاء ائتلافات «ثنائية صغيرة» وأكثر مرونة مع دول معينة مثل الفلبين وفيتنام، وإندونيسيا، وربما يتطلب الأمر مواجهة الحقيقة غير المريحة، التي مفادها أن تراجع «آسيان» يصب في مصلحة الصين. عن «ذي هيل»


نشيطة اقتصادياً.. و«يافعة» سكانياً

تظل رابطة دول جنوب شرق آسيا واحدة من أكثر مناطق العالم ديناميكية، فهي نشيطة اقتصادياً، ويافعة من الناحية السكانية، ومحورية من الناحية الاستراتيجية، لكن مؤسستها السياسية المركزية تعاني التراجع.

لم تمُت «آسيان»، لكنها أصبحت جوفاء، وإلى أن تعترف دولها الأعضاء وشركاؤها الدوليون بهذا الواقع، ستظل المنطقة عرضة للخطر، ليس فقط للضغوط الخارجية، بل أيضاً لتفككها البطيء.

منطقة «آسيان» خط أمامي للتنافس بين الولايات المتحدة والصين.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى