مشعوذون يستدرجون الضحايا بطلاسم «ردّ المطلقة» و«جلب الحبيب»

رصدت «» تنامياً ملحوظاً في إعلانات إلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي، تروّج لمن يدعون أنهم «أصحاب قدرات خارقة» مثل «جلب الحبيب» و«ردّ المطلقة» و«السيطرة على الشريك»، غير أن هذه الادعاءات تخفي وراءها شبكات ابتزاز إلكتروني منظمة، تستدرج الضحايا عبر التواصل معهم، وتطلب منهم صوراً شخصية ومعلومات خاصة، بما فيها أرقام هواتف لأشخاص آخرين، وأحياناً تطلب تسجيلات مرئية يظهر فيها الوجه، مع كتابة عبارات معينة على الجسد وهو في وضع مخلّ، بزعم أنها ضرورية لإتمام «العمل».
وما إن تُرسل هذه المواد حتى يجد الضحية نفسه في مواجهة تهديدات بنشرها على الشبكة العنكبوتية، ما لم يدفع مبلغاً مالياً معيناً، يحدده المحتال نفسه.
وتنتشر هذه الإعلانات بكثافة لافتة تحت أي منشور عام تقريباً، سواء كان دينياً أو عاطفياً، أو حتى متعلقاً بالمشكلات الأسرية، إذ تتسلل الحسابات الوهمية إلى خانة التعليقات، وتعرض خدماتها على شكل ردود تلقائية تغري المتصفحين بالتواصل الخاص.
امرأة روحانية
وفي واقعة موثقة، أيّدت محكمة استئناف الفجيرة حكماً قضى بحبس رجل ستة أشهر، بعد إدانته بالتواصل مع امرأة تدعي امتلاك قدرات روحانية على مواقع التواصل، بغرض عمل سحر لزوجته، إذ طلبت منه إرسال صور خاصة ومقطع فيديو له، إضافة إلى بيانات شخصية له ولزوجته، عبر تطبيق «واتس أب».
وعندما استجاب لها، طالبته بمبلغ إضافي مقابل استمرار «العمل الروحاني» لكنه رفض، فهددته بالفضيحة.
ولتنفيذ تهديدها تواصلت مع زوجته مباشرة، وأرسلت لها المحادثات والصور ومقطع الفيديو، ما دفع الأخيرة إلى تقديم بلاغ رسمي ضده، اتهمته فيه بالشعوذة وانتهاك الخصوصية.
شعور زائف
وأكد مستشارون قانونيون أن القانون يجرّم جميع أشكال السحر والشعوذة، مشيرين إلى أن العقوبات تشمل الحبس وغرامات تصل إلى 50 ألف درهم، إضافة إلى الإبعاد، إذا كان المتهم مقيماً في الدولة، موضحين أن الضحية في هذه القضايا قد يتحول إلى متهم، إذا ما تورط في نشر محتوى خاص أو تعامل مع عناصر الشعوذة بقصد الإضرار بآخرين.
وأكدوا أن هذه الممارسات لا تحل الأزمات العاطفية، بل تعمقها، عبر زرع شعور زائف بالنصر والسيطرة، فهي مخالفة للشريعة الإسلامية، ومنافية للأعراف والقوانين، لما تسببه من خلخلة للبنية الأسرية، وتعطيل للتوازن النفسي والاجتماعي.
أعمال الشعوذة
وأكدت المستشارة القانونية والمحامية، موزة مسعود، أن أعمال السحر والشعوذة مجرّمة، سواء كانت مقابل أجر أو من دون مقابل، وسواء كان ذلك قولاً أو فعلاً، مشددة على أن القانون يجرّم أيضاً الاستعانة بالسحرة أو المشعوذين بقصد إلحاق الضرر بالآخرين.
وأوضحت أن القانون نص على عقوبة الحبس وغرامة لا تقل عن 50 ألف درهم، لكل من ارتكب عملاً من أعمال السحر أو الشعوذة، سواء كان ذلك حقيقة أو خداعاً، وبمقابل أو من دون مقابل.
وأضافت أن القانون يعاقب بالحبس والغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استعان بساحر بقصد التأثير في بدن الآخرين أو قلبهم أو عقلهم أو إرادتهم، وكذلك من جلب أو استورد أو حاز أو تصرف بأي نوع من أنواع الكتب أو الطلاسم أو المواد أو الأدوات المخصصة للسحر أو الشعوذة.
وأشارت إلى أن تعريف أعمال السحر يشمل القول أو الفعل المخالف للشريعة الإسلامية، إذا كان المقصود منه التأثير في بدن الآخر أو قلبه أو عقله أو إرادته، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وحقيقياً أم تخيلياً. كما يعد من أعمال الشعوذة التمويه على أعين الناس أو السيطرة على حواسهم أو أفئدتهم بأي وسيلة تجعلهم يرون ما يخالف الحقيقة، بقصد استغلالهم أو التأثير في معتقداتهم أو عقولهم، إضافة إلى ادعاء علم الغيب أو معرفة الأسرار، بقصد الاستغلال.
وأوضحت أن المحكمة تحكم بإبعاد المحكوم عليه الأجنبي عن الدولة في هذه الجرائم.
وضع مركّب
وبدورها، أكدت المستشارة القانونية والمحامية، فاطمة آل علي، أن معظم الحسابات التي تروج لأعمال السحر والشعوذة تدار من خارج الدولة، ما يصعّب عملية ملاحقة القائمين عليها قانونياً بسبب القيود المتعلقة بالاختصاص القضائي وصعوبة تعقبهم إلكترونياً.
وتابعت: «على الرغم من أن الشخص يبدأ ضحية في قضايا الشعوذة المرتبطة بالخداع، إلا أن تورطه في تبادل معلومات وصور خاصة، واستجابته لطلب تنفيذ طقوس وهمية، يضعانه أمام تهم متعددة، أبرزها نشر محتوى إلكتروني يعد تعدياً على الخصوصية، أو المشاركة في أعمال شعوذة بقصد الإضرار بالغير، وهكذا يصبح أمام المحاكم في وضع مركّب يجمع بين الضحية والمتهم».
وأضافت آل علي أن الضحايا لا يقتصرون على فئة عمرية أو اجتماعية محددة، بل تشمل التسمية طلبة وشباباً باحثين عن علاقات عاطفية، ونساء متأثرات بمشكلات أسرية، وأحياناً أفراداً في مواقع وظيفية مرموقة ممن يواجهون توترات نفسية أو عزلة عاطفية.
وقالت: «يُعزى تردد كثير منهم في الإبلاغ إلى الخوف من الفضيحة الاجتماعية أو خسارة السمعة المهنية، ما يُسهّل على المحتالين مواصلة استغلالهم دون مساءلة، ويزيد من تفشي هذه الممارسات في غياب الشكاوى الرسمية أو تدخلات قانونية مبكرة».
تعميق الأزمة
من جهته، أكد المحامي والمستشار القانوني، راشد الحفيتي، أن اللجوء إلى ممارسات الشعوذة لحل الخلافات الزوجية لا يؤدي إلى معالجة فعلية للمشكلة، بل يسهم في تعميق الأزمة، عبر تعزيز مشاعر الانتقام والرغبة في الهيمنة على الطرف الآخر، الذي يكون غالباً في حالة ضعف نفسي وهشاشة عقلية.
وشدد على أن هذه التصرفات منهي عنها شرعاً، ومجرّمة قانوناً، فضلاً عن كونها مرفوضة مجتمعياً لما تلحقه بالتماسك الأسري والاستقرار الاجتماعي من آثار مدمّرة.
وأضاف أن هناك حالات وصلت إلى المحاكم تفتقر إلى الأدلة، ما يصعب مسار التقاضي، في حين تمكن ضحايا من تقديم أدلة موثقة، يتعامل معها القضاء الإماراتي بصرامة كاملة، في إطار حرصه على حماية المجتمع وتجفيف منابع الاستغلال والابتزاز المرتبط بهذه الظواهر السلبية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news