مؤتمر نيويورك والاعتراف بالدولة الفلسطينية..

يمثّل الحراك الدولي الذي تقوده السعودية وفرنسا، خطوة سياسية بالغة الأهمية، وثمرةً لنضال سياسي ودبلوماسي وشعبي فلسطيني ممتد لعقود، شمل المقاومة بأشكالها كافة، وهو أيضًا نتيجة للجرائم التي يرتكبها الاحتلال منذ السابع من اكتوبر من إبادة وتجويع، والتي صدمت ضمير العالم.
ومع ذلك، فإن هذا الحراك لن يبلغ هدفه المتمثل في إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال، ما لم يُقرن بجملة من المتطلبات الأساسية:
1. الارتباط الفعلي بوقف الإبادة وإعادة الإعمار:
يجب أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية مرتبطًا بوقف جريمة الإبادة الجماعية والتدمير الشامل في قطاع غزة، وبالشروع الفوري في الإغاثة وإعادة الإعمار، وبالتصدي لمحاولات تصفية القضية عبر الضم والتهويد والاستيطان والتهجير.
لا معنى للاعتراف بدولة بعد إبادة وتهجير شعبها، وبعد أن يتضخم الاستيطان في الضفة إلى مليون أو حتى مليونين مستوطن. لذلك، لا بد أن يصاحب الاعتراف فرض عقوبات جادة وفورية على الحكومة الإسرائيلية، على غرار ما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
2. رفض تحويل الاعتراف إلى نهاية للقضية الفلسطينية:
الاعتراف لا يجب أن يُقدَّم كحل نهائي، لأن القضية الفلسطينية أوسع من إقامة دولة على جزء من أرض فلسطين. الشعب الفلسطيني ليس محصورًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقضية اللاجئين هي جوهر الصراع.
لا بد من التأكيد على أن الاعتراف لا يغلق باب المطالبة بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني.
3. إنهاء الاحتلال وتحديد حدود الدولة:
لا معنى للاعتراف بدولة فلسطينية إن لم يكن مقرونًا بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، مع ضمان السيادة الكاملة والاستقلال التام.
4. رفض الشروط المجحفة والمسبقة:
يجب رفض أي اشتراطات على قيام الدولة أو على الاعتراف بها، كأن تكون منزوعة السلاح، أو استبعاد قوى سياسية مثل حماس من الحكم، أو إدانة ما جرى في السابع من أكتوبر، أو اشتراط تطبيع الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل، أو إجراء تغييرات تمس جوهر الهوية الوطنية مثل تعديل المناهج، أو وقف دعم الأسرى وعائلات الشهداء، أو إجراء إصلاحات تُفرض من الخارج على السلطة.
إن الإصلاح والتغيير الشامل في السلطة والمنظمة مطلب وطني داخلي، يجب أن يخدم المصالح الفلسطينية لا إملاءات الاحتلال أو المانحين.
5. الاعتراف خطوة مهمة ولكن غير كافية:
رغم ذلك، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة مهمة وتاريخية، لا يجب التقليل من شأنها ولا تضخيمها، وهي خطوة متأخرة لكنها لن تكون مجدية إن لم تترافق مع عقوبات ومقاطعة لإسرائيل وفرض عزلة دولية عليها، خصوصًا في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة تبذل كل ما في وسعها -بدعم أميركي- لمنع قيام هذه الدولة.
6. نداء لأصحاب المواقف الثورية والرافضين للحلول المرحلية:
أوجه نداءً إلى من ينادون بتحرير كامل فلسطين أو الدولة الواحدة، أن يروا الواقع كما هو، فالمعركة الدائرة حاليًا هي على مصير الضفة الغربية وقطاع غزة: هل يتم ضمّهما وتهجير سكانهما، أم يُقام عليهما كيان فلسطيني؟
نحن اليوم أمام دولة واحدة عنصرية قائمة بحكم الأمر الواقع، تسعى إلى استكمال مقوماتها عبر ضم الأرض وتهجير سكانها وفرض حقائق سياسية وقانونية تجعل “الدولة اليهودية الواحدة” خيارًا مفروضًا على الجميع.
لا يُطلب من أحد تغيير قناعاته أو الاعتراف بإسرائيل، وخصوصا أن القيادة الرسمية الفلسطينية أقدمت سابقا على هذا الخطأ التاريخي بالاعتراف باسرائيل وغيره من الأخطاء والتنازلات، بل عليهم المساهمة بدعم فرص قيام الدولة الفلسطينية أو عدم عرقلتها كمرحلة على طريق الحل الديمقراطي الشامل، الذي لن يتحقق إلا بهزيمة المشروع الاستيطاني وتفكيك نظام الفصل العنصري.
7. التمسك بحق العودة ورفض المساومة على الحقوق:
إن أي حل لا يعني التنازل عن باقي الحقوق، وعلى رأسها حق العودة. المطلوب هو العمل وفق مبدأ تحقيق الحد الأقصى الممكن في كل مرحلة دون التفريط بالهدف النهائي وبالحقوق القانونية والسياسية والتاريخية.
8. بين الواقعية الثورية وخطر الاستسلام أو المغامرة:
إن الخيار الوطني الواقعي الثوري هو البديل عن خيار الواقعية المُفرطة التي تفتقد الحلم والخيال، وخيار التمني الذي يحلق بعيدًا عن الواقع.
هناك بالفعل مخاطر وجودية حقيقية على القضية، وفي المقابل هناك فرص محدودة يجب استثمارها. إسرائيل تعيش أزمة داخلية عميقة ومتعددة الجوانب ولديها نقاط ضعف كبيرة متعددة، لكنها لم تقترب بعد من الانهيار كما يتوهم البعض، بل تملك نقاط قوة لا يجب التقليل من شأنها كما ترتبط بعلاقات عضوية استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية حيث تقوم بوظيفة هامة في تجسيد المشروع الاستعماري الهادف للهيمنة على المنطقة بأسرها.
9. احتمال قيام الدولة وأزماته المحتملة:
ليس من المضمون، ولا حتى من المرجّح، نجاح إقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة على حدود 67 في المدى القريب، فهذا يتطلب تغييرًا جذريًا في إسرائيل نتيجة ضغط وكفاح من الداخل والخارج، وقد تمرّ إسرائيل بحرب أهلية داخلية قبل أن تقبل بهكذا تغيير نوعي في طبيعتها ووظيفتها ودورها الإقليمي، ولكن ممكن النجاح في احباط مخطط تصفية القضية الفلسطينية ومكوناته كافة خصوصا الابادة والضم والتهجير.
10. البديل المحتمل وخطر الحلول الهجينة:
إذا لم تُوحّد القيادة الفلسطينية جهودها وتسعى لتوحيد القوى الفلسطينية كافة واذا لم تستجيب القوى وخاصة حماس لهذا المسعى ويستثمر الكل الفلسطيني هذه اللحظة، قد ينجح مخطط التصفية أو قد تفرض التسوية على شكل “حل وسط”، بين المشروع الامريكي الاسرائيلي وبين الجبهة العالمية من أجل قيام ما سمي حل الدولتين يتمثل في كيان فلسطيني على جزء من الضفة والقطاع، منزوع السيادة والمقومات، يُستخدم فقط لإراحة الضمير الغربي وتسجيل موقف تاريخي.
المطلوب هو منع ذلك عبر صلابة الجبهة الدولية الداعمة للدولة الفلسطينية وإصرارها على تطبيق قراراتها لا الاكتفاء ببيانات دعم شكلية أو إراحة الضمير أو تسجيل موقف للتاريخ.