اخبار

فعلاً: الفلسطيني الجيد، هو الفلسطيني الميت.. جميل عبد النبي

للأسف ليس فقط في نظر أعدائنا، إنما أيضاً في نظر جزء من أشقائنا العرب، بل حتى بعض أشقائنا الفلسطينيين خارج غزة.

ماذا تريدون من فلسطينيي غزة بالضبط؟
يبدو أن مصير الغزّي محسوم من قبل بعض الذين لا يشاركونه الموت، فعليه أن يواصل دوره كأيقونة للموت، ليس مهماً إن كان موته مجانياً، أو حتى موتاً على مذبح الأوهام الأيدلوجية، أو موتاً يعود بقضيته إلى الخلف، المهم أن يموت، ليس فقط بصمت، فحتى صمته خيانة، بل مهللاً، مكبراً، وفرحاً بهذا الموت، حتى لا يقض مضجع متابعي سحقه من خلف شاشات التلفزيون، أو وسائل التواصل، فهؤلاء يريدونه في صورة البطل دائماً، باختصار حتى لا يذكّرهم بما عليهم فعله، إن كانوا فعلاً كما يزعمون أهله وأشقاءه.

المسألة كالتالي:
إن مات حزيناً، متألماً، مظلوماً، وبقوا هم ساكنين في مضاجعهم، فلربما تشعرهم بقايا ضمائرهم بعجزهم عن محاولة إنقاذه، فيكتشفوا ضعفهم، وخذلانهم، وكذب مشاعرهم، فهم يضاجعون بالكثير من المتعة، ويأكلون من الطعام أطيبه، ويمرحون مع أطفالهم، بينما لا يمتلك مذبوحو غزة ترف مجرد الحياة، ناهيك عن ترف الأكل، أما الحياة والمشاعر الطبيعية فهي لم تُخلق له، فما هذا الغزّي الانهزامي المتصهين الذي يبحث عن الطعام؟! وما هذا الغزّي الذي لا يزال يحتفظ بغرائزه الطبيعية؟! أخرِسوا كل صوت غزّي يظن أنه يشبه الإنسان، في أكله، في مشاعر أبوته، في غرائزه!!!

أما إن مات مهللاً للموت، فرحاً بذبحه مظلوماً، متقمصاً دور البطل الذي ينوب عن أمة كبيرة، تزعم أنها معه ليس فقط بقلبها في ميدان المعركة، إنما حتى بجسدها، فهي تقاتل معه من خلف شاشات التلفاز، ومن على كيبوردات أجهزتها الذكية، وبهذا فهي ليست عاجزة، ولا مقصرة حاشاها، إنما معه في قلب ميدان المعركة، حتى أثناء المضاجعة على نغمات موسيقى أمريكية، فهي تفعل هذا من أجل قضيته، لتمده في المستقبل بمهللين جدد، فهذا هو الغزّي الذي يشعرهم بالرضا، وربما بالبطولة حتى أثناء المضاجعة، فهو بطل لا يلتفت إلى تفاصيل الحياة الحقيرة، كالأكل، والنوم، والمسكن، والحياة الطبيعية! ينام في خيمة وسط أكوام من النفايات، لكنه يهلل للموت، فرحاً به، سعيداً بكونه بطل أمته، وهي معه في قلب المعركة، هي تتابعه يومياً، وتُطلق شعارات كبيرة، ربما من خلف أجهزة دولها الأمنية، ليس مهماً، فهي لا تريد أن تضحي بساعة من نهارها دون أن تواصل فخرها به، ولا بليلة رومانسية قد تنجب له مصفقين جدد في المستقبل.

أما نحن الغزيون هنا فنقول لكل الراقصين على دمائنا:
لستم أهلنا، ولستم أشقاءنا، إن كان موتنا المجاني هو ما يشبع غرائزكم الحيوانية، لستم أهلنا ولستم أشقاءنا، إن كان الميت منا هو الجيد فقط.
نحن هنا لا نموت من أجل أي شيء مقدس، نحن نموت من أجل لا شيء وليته من أجل لا شيء وحسب، بل إن موتنا صار جزءً من محاولة تصفية قضيتنا، تلك القضية الحزينة التي ابتليت بمدافعين تحركهم ديماغوجيا أبعد ما يكون عن التعقل، وبداعمين يقولون إنهم أشقاؤهم، يريحهم موت من يزعمون دعمهم، ويثير غضبهم من يذكرهم بمأساة المذبوحين هنا، لأنه يذكرهم بكذبة دعمهم له، خاصة أثناء لحظاتهم الحميمية، التي يقولون أنهم يفعلونها من أجله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى