اخبار الإمارات

العاصمة الأفغانية مهددة بجفاف كامل في المستقبل القريب

على مدار نصف القرن الماضي، شهدت مدينة كابول ظروفاً صعبة للغاية. وبينما تسعى العاصمة الأفغانية لتجاوز تاريخها العنيف، برز تحدٍّ جديد يهدد مستقبل كابول بطريقة لم يستطع أي جيش احتلال أو حكومة محلية مواجهتها.

وتواجه المدينة «أزمة مياه حادة ومتعددة الجوانب»، والتي إن لم تتم معالجتها فوراً فستُشكل قريباً تهديداً وجودياً لسكان كابول البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، وفقاً لدراسة جديدة أجرتها منظمة «ميرسي كوربس» غير الربحية. وإذا سُمح باستمرار هذه الأزمة فستحصل كابول على وصف غير مرغوب فيه، لتصبح أول عاصمة كبرى في التاريخ الحديث تستنفد إمداداتها المائية الجوفية بالكامل.

المياه في كابول

وأفادت «ميرسي كوربس» بأن طبقات المياه الجوفية في كابول «انخفضت بمقدار 25 إلى 30 متراً خلال العقد الماضي»، مع استخدام يتجاوز إعادة التغذية الطبيعية بمقدار مذهل يبلغ 44 مليون متر مكعب سنوياً. وتأتي الغالبية العظمى من المياه الجوفية في كابول من ذوبان الثلوج والجليد في جبال «هندوكوش»، والتي تغذي طبقات المياه الجوفية الرئيسة الثلاثة في المدينة، حيث لا تصل مياه الأنابيب من مصادر مركزية إلا لنحو 20% من المنازل.

في الوقت نفسه جف ما يقرب من نصف آبار المدينة، بينما تعمل الآبار المتبقية بكفاءة 60% فقط، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في عام 2023. ووفقاً لمنظمة «ميرسي كوربس»، يعتمد 90% من سكان كابول على المياه التي يتم جلبها من الآبار لتلبية احتياجاتهم اليومية.

وفي حال عدم اتخاذ إجراءات فورية، قد تستنفد العاصمة الأفغانية إمداداتها من المياه الجوفية تماماً مع بداية العقد المقبل، وفقاً لما ذكرته منظمة الأمم المتحدة العام الماضي. ويُلقى باللوم على التوسع العمراني السريع وتغير المناخ في الكارثة الوشيكة.

تحديات الموارد

وعلى الرغم من أن كابول ليست المدينة الوحيدة التي تواجه تحديات في الموارد فإن أزمة المياه فيها تنبع من مزيج فريد من العوامل، بما في ذلك تغير المناخ، وسوء الإدارة السياسية، والنمو السكاني السريع. وذكرت مصادر إعلامية أن نقص المياه تفاقم بفعل تغير المناخ. ولم يقتصر الأمر على انخفاض هطول الأمطار في جميع أنحاء البلاد، بل أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى «زيادة التبخر، ما زاد من استهلاك المياه الزراعية».

وفي ذلك، قال الرئيس التنفيذي لمنظمة مبادرة المناخ والمياه غير الحكومية، ورئيس قسم سياسات المناخ والمياه في الشرق الأوسط بمعهد المياه والبيئة والصحة التابع لجامعة الأمم المتحدة، محمد محمود، لموقع «لايف ساينس»، إن «تحدي المناخ في كابول يعكس اتجاهاً أوسع نطاقاً نشهده في جميع أنحاء المناطق التي تعاني من شح المياه حول العالم». وأضاف أن «أنماط هطول الأمطار المتناقصة والمتغيرة تُحد من إنتاج المياه العذبة وتغذية المياه الجوفية، مع زيادة وتيرة وشدة الجفاف».

كما ساهم الانفجار السكاني في كابول في تفاقم ندرة المياه في المدينة. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن عدد سكان المدينة زاد ستة أضعاف تقريباً خلال السنوات الـ25 الماضية، لكن لم يتم إنشاء نظام إدارة مياه مناسب لمعالجة الضغط المتزايد الناجم عن المصانع والمباني السكنية التي تنتشر بسرعة هائلة في جميع أنحاء المدينة.

وعلى الرغم من أن الجهات المانحة الدولية «مولت العديد من مشاريع السدود» ومبادرات للمساعدة في معالجة شح المياه في كابول فإن معظم هذه المشاريع «لم ترَ النور أو توقفت فجأة بعد عام 2021»، عندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان وعادت السيطرة إلى حكومة طالبان الحالية.

ومما يزيد من تفاقم الأزمة حالة احتياطيات المياه الجوفية الحالية في كابول. وذكرت شبكة «سي إن إن» أن أبحاث «ميرسي كوربس» تُظهر أن نحو 80% من المياه الجوفية في المدينة ملوثة «نتيجة لنظام الصرف الصحي غير الفعال والنفايات الصناعية».

ويُترك السكان «الذين لا يملكون القدرة على حفر مئات الأمتار للحصول على المياه» تحت رحمة الشركات الخاصة أو يضطرون إلى الاعتماد على التبرعات للحصول على المياه بشكل موثوق. وذكرت صحيفة «الغارديان» أن بعض هذه الشركات «تستغل الأزمة» من خلال استخراج كميات كبيرة من المياه الجوفية العامة، ثم إعادة بيعها للسكان «بأسعار مبالغ فيها».

حلول مقترحة

تقترح منظمة «ميرسي كوربس» زيادة التعاون مع القطاع الخاص كطريقة مستدامة محتملة للمدينة في ظل غياب دعم مالي كبير، لمعالجة أزمة المياه بشكل مباشر، كما تقترح أن تركز المنظمات غير الحكومية على التنظيم، الأمر الذي سيكون له «تأثير فوري» من خلال إنشاء إطار عمل لضمان «أن أي جهة فاعلة توفر المياه للجمهور تقوم بذلك بطريقة آمنة وفعالة ومستدامة».

ومن شأن توسيع نطاق أعمال البنية التحتية أن «يُسهم بشكل كبير» في معالجة الوضع، لكن «أكبر وأهم المشاريع لاتزال تعاني من نقص كبير في التمويل وعقبات في التخطيط».

وذكرت «سي إن إن» أن إغلاق إدارة الرئيس دونالد ترامب لبرنامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كان كارثياً على أفغانستان، مضيفة: «لم يتم توفير سوى نحو 8 ملايين دولار من أصل 264 مليون دولار مطلوبة للمياه والصرف الصحي». عن «ذا ويك»


تهديدات متصاعدة

يُسلط تقرير «ميرسي كوربس» الضوء على التهديدات المتصاعدة التي تُهدد الوصول إلى المياه والصحة والاستقرار في العاصمة الأفغانية. ومع اقتراب طبقات المياه الجوفية من النضوب، وانتشار التلوث، ووصول تمويل برامج المياه والصرف الصحي إلى أدنى مستوياته التاريخية، يشير التقرير إلى الأولويات العاجلة للجهات الفاعلة الإنسانية والمانحين.

كما يُحدد حلولاً عملية ومنسقة، تشمل تحسين حوكمة المياه وتنظيمها، وتجديد الاستثمار في البنية التحتية الاستراتيجية، لتجنب انهيار واسع النطاق في إمدادات المياه في المناطق الحضرية.

وتقترب أزمة المياه في كابول من نقطة تحول، إذ يتجاوز استخراج المياه الجوفية بشكل كبير إعادة التغذية الطبيعية، ونحو نصف آبار المدينة جافة بالفعل. ومن دون استثمار عاجل ومنسق، تُخاطر كابول بأن تصبح أول عاصمة حديثة تُعاني الجفاف.

وأصبح الوصول إلى المياه والقدرة على تحمل التكاليف أكثر سوءاً، إذ تُنفق بعض الأسر ما يصل إلى 30% من دخلها على المياه، ويتكبد أكثر من ثلثيها ديوناً متعلقة بالمياه.

وتُعيق فجوات البيانات وضعف التنسيق الاستجابة، فالتقييمات القديمة، ونقص تبادل البيانات، تُقلل من كفاءة جهود الإغاثة وتأثيرها.

. يعتمد 90% من سكان كابول على المياه التي يتم جلبها من الآبار لتلبية احتياجاتهم اليومية.

Google Newsstand

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى