اخبار الإمارات

الهجرة من الأرياف وغياب إدارة الغابات يسهمان في زيادة حرائق شبه الجزيرة الأيبيرية

رجال إطفاء منهكون، ونازحون من قراهم المتفحمة مصدومون، ومشاهد ألسنة اللهب والدخان في كل مكان. لقد أصبحت الصور المأساوية لحرائق الغابات التي تجتاح إسبانيا والبرتغال عاماً بعد عام ركيزة أساسية في فصول الصيف الأوروبية الحارقة بشكل متزايد، ورمزاً للدمار الذي يُلحقه تغير المناخ.

لكن بينما يُغذي الاحتباس الحراري ألسنة اللهب فإن شبه الجزيرة الأيبيرية لن تتحول إلى جحيم مُشتعل كل عام. ويقول الخبراء إن معظم الأضرار في الواقع يمكن الوقاية منها لو تحركت السلطات على المستويات الإقليمية والوطنية والأوروبية بفاعلية.

وقال مدير مؤسسة «باو كوستا»، وهي منظمة غير ربحية تُركز على إدارة حرائق الغابات، جوردي فيندريل: «يلعب تغير المناخ دوراً هنا، هذا أمر مؤكد، لكنه ليس السبب الرئيس، ولا يمكن استخدامه كذريعة لما يجب على الحكومات فعله من حيث الوقاية».

موسم الحرائق هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق. وفي جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي التهمت الحرائق أكثر من مليون هكتار حتى الآن هذا العام، وهي مساحة أكبر من مساحة قبرص. واحترقت معظم تلك الأراضي خلال الأسبوعين الماضيين في شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث لقي ستة أشخاص على الأقل حتفهم.

وأثار حجم كارثة هذا العام تساؤلات غير عادية في كلا البلدين حول سبب تعرض المواطنين الإسبان والبرتغاليين لمثل هذا التهديد المميت كل عام.

وصرخت جوزفينا فيدال، البالغة من العمر 74 عاماً، في احتجاج بمدينة ليون بوسط إسبانيا يوم الاثنين الماضي: «احترق منزلي، ومنزل جاري، وبلدتي (كاستروكالبون) بأكملها، لأن سلطاتنا غير كفؤة». وعلى الجانب الآخر من الحدود في البرتغال، يوم الثلاثاء، أعلن المعزّون في جنازة رجل إطفاء، أن رئيس الوزراء لويس مونتينيغرو شخص غير مرغوب فيه.

ويحرص السياسيون على جانبي الحدود على تجنب تحمل المسؤولية، ويبذلون قصارى جهدهم لإلقاء اللوم في الحرائق على عوامل خارجة عن السيطرة مثل تغير المناخ والحرائق المتعمدة، أو قرارات سابقة اتخذها خصومهم السياسيون. وفي أحسن الأحوال يتركز النقاش على موارد مكافحة الحرائق.

ومع ذلك يقول الخبراء إن منع وقوع الحرائق المدمرة أسهل وأرخص من مكافحتها، وتعود الظروف التي تُسبب العواصف النارية إلى حد كبير إلى كيفية إدارة الدول لأراضيها، أو بالأحرى عدم إدارتها لها.

وهذا لا يعني أن تغير المناخ لا يلعب دوراً، فالارتفاع العالمي في درجات الحرارة، الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، لا يُشعل الحرائق، لكنه يُهيئ الظروف لانتشار النيران بسهولة. وموجات الحر الشديدة والمتكررة، مثل الحرارة الشديدة التي شهدتها إسبانيا والبرتغال في الأسابيع الأخيرة، تُجفف التربة والنباتات، ما يجعل الغابات والأراضي أكثر قابلية للاشتعال.

ويؤكد العلماء أنه في حين أن وقف الاحتباس الحراري أمر بالغ الأهمية لتجنب موجات حر وجفاف أسوأ، يجب على الحكومات أيضاً الحد بشكل عاجل من مخاطر الكوارث الناجمة عن تغير المناخ. وفي حالة الحرائق يعني ذلك في الغالب ضمان وجود مواد أقل تتغذى عليها النيران. وبينما يزيد تغير المناخ من مخاطر الحرائق، قالت نائبة عميد كلية مهندسي الغابات في إسبانيا، أرانتزا بيريز أوليغا، إن «الحرائق التي نشهدها هي نتيجة عقود من الهجرة الريفية وغياب إدارة الغابات».

ومع هجرة المزيد من المزارعين والرعاة إلى المدن في العقود الأخيرة، سيطر الغطاء النباتي غير المنضبط على الغابات والمروج والبساتين والأراضي الزراعية التي كانوا يديرونها في السابق. وتشير التقديرات إلى أن 2.3 مليون هكتار من الأراضي الإسبانية مهجورة الآن.

ويوفر هذا وقوداً وفيراً لحرائق الغابات الكارثية. وقال خبير الغابات في جامعة «البوليتكنيك» في فالنسيا، إدواردو روخاس برياليس، إن «كمية الكتلة الحيوية في إسبانيا ارتفعت بنسبة 160% على مدى السنوات الخمسين الماضية».

ويقول الخبراء، إن وقف هجر الأراضي هو مفتاح منع الحرائق، ومع ذلك في الوقت الحالي، ومع شيخوخة سكان الريف وكفاحهم لكسب لقمة العيش، من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه.

وقال أستاذ هندسة الغابات في جامعة «ليدا»، فيكتور ريسكو دي ديوس: «نحن بحاجة إلى قطاع أولي قوي».

وأضاف أن الزراعة مثل بساتين الزيتون «كانت تُستخدم تقليدياً كموانع للحرائق»، موضحاً: «الآن لدينا مشكلة تتمثل في أن هجر المناطق الريفية أدى إلى قلة هذه الموانع».

وقد تبدو الأراضي الشجرية البرية والغابات الصغيرة التي نشأت في مكانها وكأنها أرض تعود إلى حالتها الطبيعية، لكن دي ديوس قال إن «رؤية (بيئة ديزني) الرومانسية التي يتبناها العديد من الأوروبيين للطبيعة البكر ليست مجرد خيال، بل هي خطيرة للغاية».

وأضاف: «علينا أن نجعل الناس يدركون أن قطع الأشجار ليس جريمة بيئية، بل على العكس، إذا زرعنا أشجاراً ثم نسيناها وأهملناها، فإننا نزرع الحرائق التي ستحدث بعد 20 أو 30 عاماً من الآن».

ويتفق خبراء الغابات والعلماء، وحتى دعاة الحفاظ على البيئة، في أن ترك طبيعة أوروبا تنمو بحرية دون إدارة فعّالة يغذي الحرائق المدمرة. ويقولون إن الوقاية تعني خلق مناظر طبيعية متنوعة، وقطع الأشجار لإنشاء حواجز للحرائق، ووضع سياسة ريفية تضمن للمزارعين والرعاة سبل عيشهم.

والأهم من ذلك أن هذا يعني أيضاً ترك بعض الحرائق مشتعلة، طالما أنها لا تخرج عن السيطرة، ما يضع حداً لما يصفه الخبراء بسياسة إخماد جميع النيران غير المجدية.

وفي البحر الأبيض المتوسط، قال فيندريل: «تحترق مناظرنا الطبيعية في الماضي، وهي تحترق في الحاضر، ويجب أن تحترق في المستقبل». عن «بوليتيكو»

. خبراء الغابات والعلماء، وحتى دعاة الحفاظ على البيئة، يتفقون في أن ترك طبيعة أوروبا تنمو بحرية دون إدارة فعّالة يغذي الحرائق المدمرة.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى