اخبار السعودية

دراسة تؤكد: الدماغ يحتفظ بخريطة الأطراف حتى بعد البتر أخبار السعودية

كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة «Nature Neuroscience» عن نتائج مذهلة حول كيفية تعامل الدماغ البشري مع فقدان جزء من الجسم، مثل اليد أو القدم، بعد عمليات البتر.

لعقود، اعتقد العلماء أن الدماغ يعيد تنظيم خريطته الداخلية للجسم بشكل جذري عند فقدان أحد الأطراف، حيث تستولي أجزاء الجسم المجاورة، مثل الوجه، على المنطقة التي كانت مخصصة للطرف المفقود، لكن هذه الدراسة تقلب هذا الاعتقاد رأسا على عقب، مؤكدة أن خريطة الجسم في الدماغ تبقى مستقرة بشكل لافت، حتى بعد سنوات من البتر.

أجريت الدراسة بالتعاون مع جراحين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة، حيث تابع الباحثون ثلاثة مرضى بالغين كانوا يستعدون لعمليات بتر ذراع ضرورية لأسباب طبية، مثل السرطان أو مشكلات حادة في الإمداد الدموي.

وتم فحص أدمغتهم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) قبل العملية وبعدها، في بعض الحالات لمدة تصل إلى خمس سنوات، وخلال الفحوصات طُلب من المرضى تحريك أجزاء مختلفة من الجسم، مثل أصابع اليد، أصابع القدم، أو الشفاه، لرسم خريطة الدماغ.

بعد البتر، طُلب من المرضى تحريك أصابعهم الوهمية (Phantom Movements)، وهي حركات يشعر بها معظم المبتورين على الرغم من فقدان الطرف جسديا، هذه الظاهرة، المعروفة باسم الأطراف الوهمية، ليست مجرد خيال، بل تعكس إحساسا حقيقيا بالطرف المفقود، فقد سمحت هذه الطريقة للباحثين بمقارنة خريطة اليد في الدماغ قبل وبعد البتر لدى نفس الشخص.

أظهرت النتائج أن خريطة اليد في الدماغ ظلت مستقرة بشكل ملحوظ لدى جميع المرضى الثلاثة، دون أن تستولي عليها أجزاء أخرى من الجسم، مثل الوجه، كما كان يُعتقد سابقا، وهذا الاستقرار العصبي يفسر سبب شعور العديد من المبتورين بأطرافهم المفقودة بشكل واضح، وأحيانا مؤلم.

وكانت النظرية السائدة تربط الألم الوهمي (مثل الإحساس بالحرقان أو الوخز في الطرف المفقود) بإعادة تنظيم خريطة الدماغ، واستندت علاجات مثل العلاج بالمرآة، التدريب بالواقع الافتراضي، أو تمارين التمييز الحسي إلى فكرة إصلاح هذه الخريطة المعطوبة.

لكن الدراسة تكشف أن هذه الخريطة ليست معطوبة أصلا، ما يفسر فشل هذه العلاجات في تحقيق نتائج تتجاوز تأثير العلاج الوهمي (Placebo) في التجارب السريرية.

وتشير الدراسة إلى أن الألم الوهمي قد يكون مرتبطا بالأعصاب المقطوعة أثناء البتر، التي قد تتشابك وتُنتج إشارات خاطئة ترسل إلى الدماغ، ويتم الآن تطوير تقنيات جراحية جديدة تهدف إلى الحفاظ على الإشارات العصبية واستقرار الاتصال مع الدماغ، ما قد يقلل من هذه الآلام.

وتفتح هذه النتائج آفاقا جديدة لتطوير الأطراف الاصطناعية وواجهات الدماغ والحاسوب، ويمكن لتقنيات الواجهات العصبية المتقدمة استغلال خريطة الدماغ المستقرة لفك شفرة الحركات المقصودة أو توفير تحفيز كهربائي للسماح للمبتورين بإحساس أطرافهم الاصطناعية، لكن هذه التقنيات التي لا تزال قيد التطوير، قد تتيح يوما ما تحكما طبيعيا وحسيا بالأطراف الاصطناعية.

وتُظهر الدراسة أن الدماغ يحتفظ بنموذج مرن وثابت للجسم، حتى عند فقدان الإشارات الحسية. بالنسبة للمبتورين، هذا يعني أن الطرف المفقود يظل حيا في الدماغ، كمصدر محتمل للألم، ولكنه أيضا مورد قيم لتقنيات المستقبل.

أخبار ذات صلة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى