محللون إسرائيليون: نسير نحو الاصطدام بحائط مصدره الحماقة.. قطار التصعيد الأمني خرج عن السيطرة
رغم منطلقاته ورؤيته الصهيوينة، يرفض اللواء في جيش الاحتياط الإسرائيلي عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسات والإستراتيجيا في جامعة ريخمان، إلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني فقط، ويقول إن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو ليست فاعلة، بل هي فوضى.
وفي مقال نشره موقع القناة العبرية 12 يقول إن الهجوم الصاخب من الوزيرين سموتريتش وبن غفير على مؤتمر العقبة ونتائجه سجّل رقماً قياسياً جديداً من إلحاق الضرر بالأمن القومي لإسرائيل. وعلّل ذلك بالقول: “يمكننا أن نفهم هذين الوزيرين اللذين يسعيان لضم كامل وسريع للضفة الغربية إلى إسرائيل، بما يتلاءم مع رؤيتهما، ومن دون إجراء تقدير منهجي للوضع مع كل تداعياته. لكن في المقابل، من الصعب أن نفهم كيف سمح رئيس الحكومة بإرسال وفد رفيع المستوى، مع شخصيات رفيعة المستوى، إلى نقاش مصيري مع الولايات المتحدة والأردن والسلطة الفلسطينية لمنع وقوع كارثة وشيكة في الأسابيع القادمة”.
ويرى جلعاد أن “الأحداث الخطِرة التي وقعت في حوّارة بعد الهجوم الدموي تؤكد ما كان مفروغاً منه: الأرجل الأربعة للمؤسسة الأمنية، ومن بينها الإدارة المدنية ومنسق الأنشطة في المناطق الفلسطينية، يجب أن تكون خاضعة لقيادة واحدة هي الجيش، وأن تكون تابعة لقائد المنطقة الوسطى ورئيس الأركان، مثلما يجب أن تكون خاضعة لاعتبارات أمنية تتيح لها مواجهة كل أنواع العنف ومنع التدهور الأمني في مختلف الساحات”.
دعامتان إستراتيجيتان
ويوضح أن قوة إسرائيل الإستراتيجية تعتمد على دعامتين: القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي، والشاباك والاستخبارات العسكرية وشرطة إسرائيل وغيرها، مضيفاً إلى الدعامة الثانية أيضاً التبصّر السياسي- الإستراتيجي. ويؤكد أن الجمع بينهما يخلق قوة إستراتيجية، والفصل بينهما يخلق ضعفاً إستراتيجياً. ويتابع محذّراً: “ونحن نسير برؤوس مرفوعة نحو الاصطدام بحائط ضعف مصدره الحماقة”.
جلعاد، الذي شغل في الماضي رئاسة الجناح الأمني والسياسي في وزارة الأمن، يشير أيضاً إلى أن الولايات المتحدة تعتبر ركيزة أساسية في الأمن القومي الإسرائيلي، والتعاون العسكري والإستراتيجي والاستخباراتي والاقتصادي والدبلوماسي معها هو رصيد هائل لإسرائيل. ويعتبر أن السبب الأساسي للعلاقة بين الولايات المتحدة، القوة العظمى، وبين إسرائيل الصغيرة، هو قبل كل شيء منظومة القيم المشتركة التي تربط إسرائيل بأساس النظام الديمقراطي في الدولتين، ولا شك في أن الصورة الدامية في حوّارة لا تساعد العلاقة الخاصة بين الدولتين.
تبعات الانقلاب القضائي
علاوةً على ذلك، يرى جلعاد أن خطوات الانقلاب القضائي ستؤدي إلى إلحاق الضرر بعلاقات إسرائيل بالولايات المتحدة، وستُضعف الأولى، ويدلل على ذلك بالقول: “يكفي أن نفهم أن رئيس الحكومة نتنياهو لم يُدع إلى زيارة البيت الأبيض بخلاف تقاليد العلاقات الثنائية. منبهاً إلى أن لهذه الزيارة أهمية استثنائية، لأنها من المفترض أن تعالج التنسيق الأمني في مواجهة التهديدات المركزية الآخذة في التعاظم، وعلى رأسها التهديد الإيراني”. وعن ذلك يضيف محذرّاً: “في مواجهة هذه التهديدات، نحن نعمّق الخطوط التي تفصلنا عن الولايات المتحدة. الإدارة الأمريكية تسمح لإسرائيل بالانضمام إلى “سنتكوم”- القيادة المركزية الأمريكية، التي تجمع بداخلها كل قادة الجيوش العربية ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي. وهذا رصيد كنا نحلم به منذ أعوام كثيرة، وهو رصيد أمني كبير. المملكة الهاشمية في الأردن تشكل عمقاً إستراتيجياً لإسرائيل، ومن خلال التعاون معها، منعنا هجمات مرعبة، وتجنّبنا شرور الإرهاب وضرراً كبيراً”.
وطبقاً لجلعاد، فإن العلاقات العميقة مع الدول العربية تشكل ميزة إستراتيجية، محذرّاً أن كل هذا يمكن أن يتضرر إذا واصلت إسرائيل السعي غير المفهوم للمسّ بنظامها الديمقراطي وإضعاف العلاقات مع الولايات المتحدة، وإهانة الدول العربية.
وأضاف: “لا يمكن أن يخطر في البال، ومن غير المعقول أن نصدق، أنه بعد أن أرسل رئيس الحكومة وفداً رفيع المستوى إلى نقاشات مهمة في قمة العقبة، الغرض منها إعادة الاستقرار إلى الوضع الصعب في الضفة الغربية أن يبصق وزراء في وجوه حلفائهم في الحكومة التي ينتمون إليها. لا يوجد مثيل لذلك في العالم كله. ويمكن أن نشعر بأن أعداءنا يتساءلون في هذه المرحلة، كما يبرز في خطبهم وتصريحاتهم، ما إذا كانت إسرائيل قد دخلت مرحلة ضيق الأفق التي سيكون لها تأثير كبير”.
الانشغال بشجارات
وبلهجة الشكوى الشديدة، يقول جلعاد، الذي يعتبر عنواناً بارزاً جداً للرؤى الإستراتيجية، أنه بدلاً من أن تخصص حكومة نتنياهو وقتها لتعزيز قوتها العسكرية وقوتها الإستراتيجية، التي يمكن أن تضعف، نراها مشغولة في شجارات وخطوات لا يمكن أن تخطر في البال، مثل البصق على مؤتمر إستراتيجي مهم في مؤتمر العقبة.
ويقول أيضاً، في هذا الصدد، يجب أن نضيف إلى ما قيل أعلاه إصرار الوزيرين سموتريتش وبن غفير على تدمير وجودنا في الضفة الغربية، الذي يعتمد على القوة العسكرية والاستخباراتية من جهة، ومن جهة ثانية، على الإدارة المدنية التي تقيم شبكة علاقات كثيفة ومعقدة مع السكان الفلسطينيين، ومع السلطة الفلسطينية. ويشير لأهمية التعاون مع السلطة الفلسطينية على فرض السيطرة الإسرائيلية، ويحذر من أن غيابها قد يجر إسرائيل إلى احتلال عسكري مباشر يكلف مليارات، ومعناه إدارة مباشرة لحياة الفلسطينيين بصورة لن يقبلها العالم الحر، وستسبب لنا الكثير من المشكلات السياسية والإستراتيجية والقانونية والداخلية.
وضمن تحذيراته من انفجار قادم، يقول اللواء الإسرائيلي في الاحتياط: “يمكن أن نتوقع أنه ما دامت هذه الخطوات تتقدم، ويستمر استخفاف أعضاء في الحكومة بكل ما له علاقة بالأرصدة الإستراتيجية لإسرائيل، فإن هذا سيعمّق الاحتكاك والاشتباك مع الفلسطينيين، ويثمر هجمات “إرهابية” مصدرها تنامي مشاعر العداء”.
ويخلص جلعاد للقول: “من هنا، ندعو رئيس الحكومة نتنياهو إلى وقف التدهور العميق، وخطوات الانقلاب القضائي التي تؤذي العلاقات مع الولايات المتحدة قبل أي شيء آخر، وعليه أن يمنع المسّ بالأرصدة الإستراتيجية والسياسية، مثل الحلف مع الولايات المتحدة ومع الدول العربية. هذا الحلف يمنح إسرائيل مزايا هائلة توازي في أهميتها الامتناع عن الاستخدام غير الضروري للقوة. إنها الساعة الأخيرة للدعوة العاجلة إلى منع التدهور”.
قطار التصعيد الأمني خرج عن السيطرة
وفي سياق متصل يرى المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” طال ليف رام أن قطار التصعيد الأمني خرج عن السيطرة ومن الصعب كبحه. ويعلل تقديراته بالقول إن قمة العقبة تعبّر عن رغبة ومصلحة الطرفين؛ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وأيضاً رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، في منع حدوث تصعيد إضافي عشية رمضان وعيد الفصح، لكن الأرض تشتعل، وقطار التصعيد الأمني خرج عن السيطرة من المحطة، ومن الصعب جداً كبحه.
ويعتبر رام أن الهجوم الصعب في حوارة، و”أعمال شغب” المستوطنين التي أعقبته في القرية، هما حادث آخر في سلسلة الحوادث والتصعيد الأمني المستمر منذ سنة تقريباً، وهذه الحوادث المهمة يمكن أن تشكل حافزاً لتصعيد آخر على الأرض.
ويتابع محذراً من استمرار فقدان السيطرة وعربدة المستوطنين: “مَن يعتقد أن الانتقام من حوارة هو الحل لتحقيق التهدئة، التي لم تنجح المؤسسة الأمنية في تحقيقها في حربها على “الإرهاب”، سيكون من الصعب عليه أن يفهم حجم الضرر الذي لحق بإسرائيل ومكانتها الدولية، لكن ما لا يقل أهمية عنه الضرر الأمني”.
وضمن السيناريو الذي يتوقعه يقول إنه كلما ازدادت وتيرة الحوادث، كلما اتضح للمؤسسة الأمنية أن وقوع هجمات جديدة هو مسـألة وقت، ولقد استغل “المخربون” المناسبة في الأغوار، بالقرب من أريحا، ونفّذوا هجوماً آخر، وهذه ليست الإشارة الأولى التي تدل على أن هذه المنطقة تزداد سخونة بصورة غير مسبوقة، ربما منذ بداية الألفية الثالثة.
زاعماً أن الأزمة الأمنية في الضفة الغربية، والتي تُعتبر الأخطر منذ الانتفاضة الثانية في بداية الألفية الثالثة، لم تبدأ في حوارة، بل كانت بدايتها في الهجمات “الإرهابية” القاسية التي شهدها آذار الماضي، بالإضافة إلى العمليات التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي في كل ليلة في مخيمات اللاجئين في جنين، وفي القصبة في نابلس.
رام: مَن يعتقد أن الانتقام من حوارة هو الحل سيكون من الصعب عليه أن يفهم حجم الضرر الذي لحق بإسرائيل ومكانتها.
جرائم المستوطنين
وفي إطار انتقادها، يقول إنه فيما يتعلق بعنف المستوطنين، المؤسسة الأمنية كلها سهت عن القيام بواجبها، ويرى أن حجم الضرر يجب أن يكون واضحاً الآن للجميع، حيث لا مجال للكلام المستهلك: مَن يحرق منزلاً ويعرّض حياة شخص آخر للخطر، على خلفية قومية، هو إرهابي ينفّذ هجوماً، وليس عملية “جباية ثمن”، أو جريمة وطنية. إحراق منزل هو إرهاب، وليس شيئاً آخر.
وعلى غرار جلعاد، الذي يحذر من أضرار دبلوماسية وأمنية خطيرة، يرى رام أيضاً أن الضرر المحتمل، الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل، الأمني والسياسي، هو أكبر مما يمكن تقديره. ويؤكد، هو الآخر، كمراقبين إسرائيليين كثر، أن المؤسسة الأمنية، وبصورة خاصة الجيش والشرطة، فشلت في فهم صورة الوضع، وذلك رغم ظهور مؤشرات واضحة على الأرض، بعد الهجوم على حوارة، وفي توقع أن رد المستوطنين سيكون قاسياً.
وضمن مفاضلته المعوجة بين الاحتلال ومن يقع تحته، يقول رام إن صوت العنف ينتصر، واتجاهات التصعيد يحددها المتطرفون لدى الطرفين، وهم الذين يفرضون وتيرتها.
ويخلص إلى القول إنه “يتعين على رئيس الحكومة أن يقود عملية دعم الجيش في مواجهة القوى السياسية، ومن دون ذلك، فإن عشرات الاجتماعات في العقبة، وفي شرم الشيخ، لن تساعد على استقرار السفينة غير المستقرة من الناحية السياسية، بالأساس بسبب الخلافات بين شركائها من اليمين”.