العشماوي يرد على “الهلالي”: لا يجوز لولي الأمر أن يضحي عن شعبه

09:27 م
الأربعاء 04 يونيو 2025
كتب- علي شبل:
رد الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر على الدكتور سعد الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر؛ في زعم الأخير أن من حق ولي الأمر إلغاء شعيرة الأضحية، ويضحي هو عن الشعب، حفاظا على الثروة الحيوانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
وفي رده، أكد العشماوي أن هذا الزعم مردود عليه من عدة وجوه، أوردها في منشور عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، وهي:
الأول: أنه ليس من حق أي إنسان – كائنا من كان – أن يلغي حكما شرعيا، أيا كانت درجته الطلبية، وجوبا أو ندبا، فكيف إذا كان شعيرة من الشعائر، وهي الأحكام الظاهرة التي يختص بها دين الإسلام، وصارت عَلَمًا عليه، كالأذان، وتكبير العيدين، والأضحية!
الثاني: أنه لا يجوز لولي الأمر أن يضحي عن شعبه؛ لأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزعم أحد من الفقهاء أنه يجوز تقليد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر بالنسبة لولي الأمر، بحيث تسقط الأضحية عن القادرين من عامة الشعب، بل إن الأضحية لا تجزئ إلا عن الإنسان وأهل بيته فقط، بالغا عددهم ما بلغوا، بشرط أن يجتمعوا في القرابة، والسكنى، والنفقة – حسبما بيناه في منشور سابق – على أكثر المذاهب توسعا، وبعضهم قال: يشتركون في الأجر فقط، ولا تجزئ إلا عن المضحي وأهله الأقربين الذين تلزمه نفقتهم!
وهذا دليل على أن هذا الأمر من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو أن الأضحية لا تجزى إلا عن الرجل وأهل بيته فحسب، فكيف تجزئ أضحية واحدة – وهي عبارة عن كبش واحد – وقعت مرة واحدة، عن جميع من لم يضح من الأمة إلى يوم القيامة، في كل عام؟!
وقد وقع لي من هذا معنى بديع الآن، وهو أنه صلى الله عليه وسلم للأمة كلها كالأب في الرحمة والشفقة، والأمة كلها كعياله في احتياجها إليه، وهو كذلك صلى الله عليه وسلم، بل هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، بنص القرآن، فأجزأت أضحيته عن أمته، كما تجزئ أضحية الرجل عن عياله!
الثالث: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يضح عن جميع الأمة، بل ضحى عن من لم يضح من أمته – كما في أكثر الروايات – وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأبي رافع وأبي طلحة وغيرهم – وفي رواية البزار وأحمد بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم عن أمتي جميعًا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ”، وهو محمول على “من لم يضح” من أمته، جمعا بين الروايات؛ لأنه لا معنى لأن يضحي عن من يضحي، فتأمل!
وهذا من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وعظيم رحمته وشفقته على أمته، جبرا لخواطر المنكسرين منهم، الذين لا يستطيعون التضحية، لضيق ذات اليد، فطيَّب خاطرهم بالتضحية عنهم إلى يوم القيامة، وهنيئا لمن ضحى عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة!
وهذا الحديث قد ذكرناه في كتابنا البديع [جبر الخاطر من حديث المصطفى العاطر]، وهو الكتاب الذي لم ننته منه بعد، نسأل الله أن يتمه بكرمه وفضله، آمين.
الرابع: الزعم بأن تضحية ولي الأمر عن شعبه بذبيحة واحدة أو أكثر؛ فيه حفاظ على الثروة الحيوانية؛ زعم ساذج؛ لأن الأنعام ليست من السلالات النادرة المهددة بالانقراض، بل هي من أكثر أصناف الحيوانات تكاثرا، وحكمة الشريعة تنأى عن أن تكلف الناس التضحية بالحيوانات النادرة المهددة بالانقراض!
ونحن نرى الأنعام تذبح طول العام، ويأكل الناس منها، ولا تنقرض!
وأضاف العشماوي: ثم ما معنى الحفاظ عليها من الذبح؛ إذا كانت الحكمة من وجودها أصلا مصلحة الإنسان، بالأكل منها، وبغير الأكل من المنافع الأخرى، كما قال تعالى: “وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا، وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ”.
وتابع أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر: ثم إن الدول لا تقتصر في مواردها ولا في سياستها الاقتصادية والاجتماعية على ثروتها الحيوانية فقط، بل تقوم باستيراد أنواع الحيوانات من الدول الأخرى ذات الوفرة منها، والتبادل التجاري بين الدول كفيل بحل أزمة انقراض بعض السلالات النادرة، لو افترضنا هذا الفرض جدلا!
وختم العشماوي: كذلك يمكن معالجة هذا النقص عن طريق الهندسة الوراثية، والتلقيح الجيني، وغير ذلك من وسائل العلوم المتطورة.. فسقط ما ادعاه الدكتور سعد الهلالي من أساسه، إن كان له أساس.. “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ”.
اقرأ أيضًا:
الإفتاء: اذبح أضحيتك بنفسك سُنة عن النبي
الأزهر للفتوى: الأضحية سنة مؤكدة و3 أسباب للحِكمة من تشريعها