في أحدث فتوى.. الإفتاء تحسم الجدل: إخراج زكاة الفطر مالاً جائز والأقرب للمنفعة
08:45 م
الأربعاء 03 أبريل 2024
كـتب- علي شبل:
في أحدث فتوى لها، حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل المتجدد كل عام حول حكم إخراج زكاة الفطر مالاً، حيث يرى البعض بعدم جواز إخراج زكاة الفطر إلا طعاما اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
نصت فتوى الدار على جواز إخراج زكاة الفطر مالاً بناء على آراء فقهية معتبرة، وأنها شُرعت لدفع حاجة الفقير وإغنائه عن السؤال في مناسبة العيد، وأن إخراج المال أقرب إلى منفعة الفقير ودفع حاجته فإنه يشتري به للحال ما يحتاج إليه.
ونشرت الإفتاء نص الفتوى التالية:
بتاريخ: ٢٠٢٤/٤/١م، المقيد برقم ٢٩٦ لسنة ٢٠٢٤م، والمتضمن: سأل سائل يقول: سمعت في أحد البرامج أن زكاة الفطر يمكن أن تخرج مالا، وكان معي صديقي فاعترض على ذلك وقال: إنها لا بد أن تخرج حبوبا كما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل ما قاله صحيح؟ وهل أحد من الفقهاء أجاز إخراجها مالا؟ أم أن الفقهاء كلهم يرون عدم جواز إخراجها مالا؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا …
الجواب:
زكاة الفطر: هي مقدار متقوم من المال يجب على المسلم بشروط مخصوصة؛ صغيرا كان أو كبيرا، ذكراً أو أنثى، وقد قدرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصاع من تمر أو شعير أو قوت البلد، وهو ما مقداره ٢,٠٤٠ كجم على مذهب الجمهور، على كل نفس من المسلمين؛ كما في حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تمرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حَرٍ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» متفق عليه. وفي رواية أخرى عند الإمام البخاري: «على العبد والحر، والذَّكَرِ وَالْأُنثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
…
والحكمة من مشروعيتها: التزكية للصائم، والظهرة له، وجبر نقصان ثواب الصيام، والرفق بالفقراء، وإغناؤهم عن السؤال في مناسبة العيد، وجبر خواطرهم، وإدخال السرور عليهم، في يوم يسر فيه المسلمون؛ كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي في “السنن”، والحاكم في “المستدرك” وصححه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في زكاة الفطر: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا اليوم» رواه الدارقطني في “السنن”، وفي رواية: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا اليوم» رواه ابن وهب في “جامعه”، وابن زنجويه في “الأموال”، والبيهقي في “السنن الكبرى”.
والأصل في زكاة الفطر أن تخرج من طعام أهل البلد كالبر والتمر والشعير ونحوه من كل حب وتمر يقتات؛ لما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث السابق أنه «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِن تمرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حَرٍ أَوْ عَبْدِ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» متفق عليه، وغيره من أحاديث الباب.
ومع ذلك فقد أجاز فقهاء الحنفية إخراجها مالا، إذ إنها شرعت لدفع حاجة الفقير وإغنائه عن السؤال في مناسبة العيد، وإخراج المال أقرب إلى منفعة الفقير ودفع حاجته فإنه يشتري به للحال ما يحتاج إليه، وأن الأصناف المذكورة في الأحاديث ليست للحصر وإنما كانت للتيسير؛ لأنهم كانوا يتبايعون بذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال شمس الأئمة السرخسي في “المبسوط” (۳) ۱۰۷ ۱۰۸، ط. دار المعرفة): فإن أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا؛ لأن المعتبر حصول الغنى، وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة، وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز، وأصل الخلاف في الزكاة، وكان أبو بكر الأعمش رحمه الله تعالى يقول: أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة؛ لأنه أقرب إلى امتثال الأمر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه، وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول: أداء القيمة أفضل لأنه أقرب إلى منفعة الفقير فإنه
…
يشتري به للحال ما يحتاج إليه، والتنصيص على الحنطة والشعير كان لأن البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها، فأما في ديارنا البياعات تجرى بالنقود، وهي أعز الأموال، فالأداء منها أفضل اهـ.
وقال العلامة الكاساني في “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (۲/ ۷۲، ط. دار الكتب العلمية): وروي عن أبي يوسف أنه قال: الدقيق أحب إلي من الحنطة، والدراهم أحب إلي من الدقيق، والحنطة؛ لأن ذلك أقرب إلى دفع حاجة الفقير اهـ. وعلى ذلك جرى عمل جماعة من السلف من كبار الصحابة، كأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن مسعود وابن عباس، ومعاذ بن جبل، وغيرهم، رضي الله عنهم، وهو مذهب جماعة من التابعين، كما أنه قول طائفة من العلماء يعتد بهم، منهم: الحسن البصري، حيث روي عنه أنه قال: “لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر”، وأبو إسحاق السبيعي؛ فعن زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول: “أدركتهم وهم يعطون في صدقة الفطر الدراهم بقيمة الطعام”، وعمر بن عبد العزيز، فعن وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم”.
وقد روى هذه الآثار الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في “المصنف” (۲) ۳۹۸، ط. مكتبة الرشد)، وهو أيضًا مذهب الثوري، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة، كما ذكره الإمام النووي في المجموع شرح المهذب” (١١٢/٦) ط. دار الفكر).
وقد أجازه الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي أيضًا للحاجة والمصلحة الراجحة حيث في يقول في مجموع الفتاوى” عن إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك (٢٥) ٨٢۸۳، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف): [ والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه.. وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به اهـ.
كما أن القول بإجزاء إخراج القيمة في زكاة الفطر رواية مخرجة عن الإمام أحمد نص عليها الإمام المرداوي في “الإنصاف” (۱۸۲/۳، ط. دار إحياء التراث العربي).
والمصلحة في هذا الزمان قاضية بجواز إخراج القيمة لما في ذلك من الأهون على المزكي عن نفسه ومن يعول، والأنفع للفقير، ففيه الإغناء المنصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: “اغنوهم عن السؤال في هذا اليوم”. وقد صنف في ترجيح إخراج زكاة الفطر مالا العلامة السيد الحافظ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى كتابه الماتع “تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال” واستفاض في ذكر منقول الأدلة ومعقولها بما يكفي ويشفي. وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز شرعاً إخراج زكاة الفطر مالا ولا حرج في ذلك، وهو ما نراه أوفق لمقاصد الشرع وأرفق بمصالح الخلق، وهو مذهب الحنفية، وبه قال جماعة من السلف من كبار الصحابة، وهو مذهب جماعة من التابعين والحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم من العلماء ممن يعتد بهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم
أ.د/ شوقي إبراهيم علام
مفتى جمهورية مصر العربية 2/4/2024
اقرأ أيضًا:
المفتي يوضح حكم وشروط دخول الحمام بموبايل عليه مصحف إلكتروني
رد ناري من علي جمعة على مهاجمى زيارة أضرحة آل البيت
طفلة تسأل: ينفع أحضر زواج أو خطوبة فى الكنيسة؟.. على جمعة يجيب