الفن والفنانين

أحمد عدوية.. كروان الشارع والأب الروحي للأغنية الشعبية الذي تحدى الجميع



04:38 م


الإثنين 30 ديسمبر 2024

كتبت- منال الجيوشي

أحمد عدوية، مطرب استثنائي في تاريخ الأغنية الشعبية، وصاحب صوت فريد لا تخطئه الأذن، كان ظهوره وسط أساطين الغناء وقتها حالة فنية أثارت جدلا بين المثقفين وأهل الفن

على استحياء أشاد بصوت عدوية كبار النجوم، على رأسهم الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي قال لعدوية حين قابله: “يابني اللي مصر كلها تغني وراه ميبقاش غلبان”

عدوية صاحب الصوت الشجي الفريد، لم يتعلم الموسيقى في معهد أو أكاديمية لتدريسها، بل بدأ الغناء في أواخر الستينات في شارع محمد علي، فقاده الغناء في الحفلات وقتها للتعرف على صاحب كارينو الأريزونا، الذي أبدى إعجابا كبيرا بصوته وتنبأ له بمستقبل كبير وهو ما حدث

تكمن عبقرية أحمد عدوية في بساطته، وقرب المفردات التي غناها من الناس، فتشعر حين تسمعها أن كلمات الأغاني لم ينظمها شاعر، بل قالها جارك، صاحب المقهى، بائع الجرائد، أيا كان من قالها فقد عبرت عن نبض الشارع

الحالة التي خلقها أحمد عدوية، والهجوم الضاري عليه وقتها واتهامه بإفساد الذوق العام، لم تمنعه من استكمال مسيرته بل كان يملك من الإصرار الكثير متحصنا بجمهور عريض لطالما كان ملاذه الأول والأخير من انتقادات لا تنتهي

عدوية يعبر بخفة غزال مشاعر الجمهور حين يقول “راحوا الحبايب بقالهم عام والتاني”، ويثير الابتسامة حين تسمعه يغني “السح الدح إمبو الواد طالع لأبوه”، عدوية يقتحم صوته مشاعرك وهو يدندن بأي كلمات كانت، صوته أقرب لكل ما هو مصري أصيل

حب الجمهور الجارف لعدوية، جعل منه أسطورة للغناء، حتى اعترف الجميع بعبقريته، عبقرية نجم لم يشبه أحد، وبالتعبير المصري الدارج “كان بيغني وهو سايب إيديه”، فكان صوته الذي يحمل بحة وشجن لا مثيل لها بمثابة قطعة أصيلة لتأريخ الفن الشعبي المصري

عدوية نجم الشارع المصري الذي واجه ربما “تكبر” المثقفين وقت ظهوره، أجبرهم -دون مواجهة- على الاعتراف بحلاوة صوته وتفرده، كما مر بتجربة هي الأقسى في مشواره ومحاولة أحد رجال الأعمال العرب قتله، ومواجهة شائعة إخصائه، وشائعة تلو الشائعة، وخرج من كل أزماته يقطر فنا وعذوبة، فمن النادر أن تجده يتحدث مثلا في لقاء لمدة ٥ دقائق، بل يقطعها دائما بالغناء وكأنه يتنفسه

ظل عدوية يعاني من حالة ربما يكون توصيفها الأقرب “استعلاء” النخبة وقتها، ولكن انقسام الآراء ودفاع عدد من المثقفين عنه حينها، منحته شرعية كبيرة لما يقدم، وتحصن وقتها بجمهوره العريض، وهي حالة الانقسام نفسها التي طالت العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، في بدايته الفنية بين جمهور أحب صوته العذب، ونقاد تحدثوا عن محدودية صوته، ليتحصن حليم بموهبته ويتخذ من ثورة يوليو وإيمانه بمبادئها حصنا له

وكان من بين محبي عدوية الكاتب الكبير نجيب محفوظ، الذي تحدث عنه في لقاء تليفزيوني، مع الإعلامي الكبير مفيد فوزي، الذي أبدى اندهاشه من قول نجيب إن صوت عدوية يطربه.

رحل أحمد عدوية عن عالمنا، ولم يرحل فنه من قلوب محبيه، رحل وسيظل نجما ساطعا فريدا في سماء الأغنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى