الأقنعة التي تزيفنا

ت + ت الحجم الطبيعي
بالرغم من أننا ننتمي لثقافتين مختلفتين، وندين بدينين مختلفين كذلك، ونسكن بلدين متباعدين، إلا أن رابطة واحدة يمكن أن تجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا (على حد تعبير قيس بن الملوح)، تلك هي رابطة الصداقة الحقة، التي جمعتنا منذ التقينا في صيف عام 2005، على أرض لبنان الجميل، قبل أن تعصف به رياح التحولات!
أكثر ما يلفت نظري في أي إنسان، قدرته على الثبات في علاقاته الإنسانية، والثبات يعني أن الشخص يبذل الكثير لاستيعاب أخطاء وتجاوزات، وأحياناً حماقات المحيطين به، سواء كانوا أهله أو أصدقاءه، هذه ميزة لا يتمتع بها الجميع، لكنك متى أعطيتها فقد ابتليت بقدر ما أصبحت مختلفاً، فالصبر والاستعداد الدائم للصفح والتفهم، سمات أقرب للمثالية، فمن ذا يمتلك في أيامنا هذه خزان المناقبية النبيل هذا؟والحق، فقد منحني القدر فرصة أن أحظى بأصدقاء بهذا النبل الذي اعترفت لهم دائماً، بأنه السبب في ثبات صداقاتنا كل هذه السنين!
كنا في بدايات صداقتنا عندما سألتها: لماذا تجتهدين لتظهري أمام البعض على أنك شخص محدود ذو اهتمامات بسيطة، لا علاقة لك بالاهتمامات الكبيرة، وأنت من العمق وكثافة التجربة الحياتية وحدّة الذكاء، ما يجعلني أنزعج من إصرارك على تمرير هذه الصورة عن نفسك، وتحديداً أمام بعض الصديقات والجارات؟ فكان جوابها: تلك أقنعة نرتديها أمام البعض، لأنها تشعرهم بالأمان، فلا ينفرون منا، بل يطمئنون حين يرون هذا الوجه الساذج، الذي يشبههم غالباً!
أما الوجه الحقيقي المختلف عما اعتادوا عليه، فقد يبدو غريباً عليهم، لذلك يرفضونه، تقول: أنا لا أتخلى عن شخصيتي، لكنني أعيشها مع من يتفهمها، أما أمام هؤلاء، فأتنازل قليلاً، لأننا يا عزيزتي نعيش وسط مجتمعات تفضلك ساذجاً وذا اهتمامات محدودة، تفضلك بسيطاً، تنزلق على تفاصيل الحياة ككائن محدود، أما أن تأخذ الأمور بجدية، وتبدو عميقاً، فإنهم سيتهمونك بالتعالي والغرور، وغالباً ما سينفضّون من حولك! هذا هو الثمن الذي علينا دفعه!
قد لا نقتنع، لكن علينا أن نتفهم الظروف التي تصنع خيارات كل منا.