اقتصاد

تحذير ومخاطر.. كيف تنهي مصر برنامج صندوق النقد وتبدأ صفحة جديدة؟



05:36 م


الإثنين 08 سبتمبر 2025

كتب- أحمد والي:

أعاد مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الجدل حول علاقة مصر بصندوق النقد الدولي بعد تصريحاته أمس الأحد، التي أشار فيها إلى أن الحكومة تعمل على مراجعة شاملة لأولوياتها الاقتصادية، بما يضمن تقليل الاعتماد على الدعم الخارجي وتعزيز قدرات الاقتصاد على الاعتماد على موارده الذاتية.

جاء ذلك بالتزامن مع تصريحات محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، حول ان العلاقة الحالية بين مصر وصندوق النقد تأتي في إطار “اقتصاد إدارة أزمات” منذ عام 2015، ناصحاً بأن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على النمو والتنافسية.

وذكر محيي الدين أن “الوقت حان للتمرد على تلك العلاقة المقيِّدة للحركة، التي كانت مطلوبةً في وقتها؛ نتيجة وجود اختلالات مالية ونقدية منذ عام 2015”.

بينما يرى خبراء تحدثوا إلى مصراوي، أن مصر يمكن أن تُنهي علاقتها مع الصندوق عقب انتهاء البرنامج الحالي إذا التزمت بالإصلاحات الجوهرية في هيكل الاقتصاد، إلا أنهم حذروا في الوقت نفسه من أن أي انسحاب مبكر أو غياب للرؤية الاقتصادية سيجعل الدولة مضطرة إلى العودة مرة أخرى إلى برامج مماثلة.

تحذيرات من الانسحاب

يقول وائل النحاس، المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، إن مصر لا يمكنها الانسحاب من برنامج صندوق النقد الدولي في الوقت الحالي، خاصة وأن هناك نحو 10 أشهر متبقية من الاتفاق القائم، موضحاً أن انسحاب الصندوق الآن سيؤدي إلى انسحاب شركاء التنمية الآخرين، وهو ما قد يربك الخطة الاقتصادية للدولة.

وأشار النحاس إلى أن تصريحات بعض مسؤولي الصندوق مؤخرًا حول الحاجة إلى “استراتيجية جديدة” تعكس رسائل غير مباشرة بأن الحكومة المصرية لم تنفذ التزاماتها بالكامل، خصوصًا ما يتعلق بالمراجعتين الخامسة والسادسة.

أكد النحاس أن مصر لم تُنجز الكثير في ملفات الإصلاحات الهيكلية، مثل الخصخصة، والحوكمة، وزيادة التنافسية، وتخارج الدولة من بعض القطاعات، وهو ما جعل الصندوق يماطل في استكمال المراجعات، وتوقع أن يتم تأجيل أو تعليق المراجعة المقبلة بنسبة تصل إلى 70%.

وأوضح أن ما دعم الاقتصاد المصري مؤخرًا لم يكن نتيجة إصلاحات حكومية بقدر ما كان “حظًا” من عوامل خارجية، مثل:

-تراجع أسعار البترول عالميًا.

-انخفاض قيمة الدولار نتيجة الخلافات الاقتصادية الدولية.

-اتفاق الغاز مع إسرائيل الذي يوفر ما بين 2 و2.5 مليار دولار سنويًا.

علاقة مؤقتة بطبيعتها

ويرى هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، أن علاقة مصر بصندوق النقد الدولي مؤقتة بطبيعتها؛ إذ تلجأ الدول إلى الصندوق عند وقوع أزمة مالية أو اقتصادية، وتستمر معه حتى يتعافى الاقتصاد ويصبح قادرًا على النمو بموارده الذاتية.

وضرب جنينة، مثالا على بعض الدول التي كانت لها تجارب ناجحة مع صندوق النقد، مثل كوريا الجنوبية التي دخلت برنامجًا ضخمًا مع الصندوق بقيمة نحو 58 مليار دولار خلال أزمة آسيا المالية، ونفذت إصلاحات هيكلية شاملة ركزت على التصدير، وأنهت البرنامج بعد ثلاث سنوات فقط، وتحولت لاحقًا إلى واحدة من أكبر الاقتصادات الصناعية في العالم.

وأضاف جنينة أن تركيا واجهت تضخمًا مفرطًا وأزمة مصرفية، لكنها نفذت إصلاحات جذرية تضمنت إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المالية العامة. وفي 2013 سددت آخر دفعة من ديونها للصندوق.

ويؤكد جنينة أن مصر قد تتمكن من إنهاء برنامجها الحالي، بشرط استمرار الإصلاحات الهيكلية، ومرونة سعر الصرف، وتعزيز دور القطاع الخاص.

تحذير من الردة

ويقول محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الاقتصاد الكلي الاستشارية لمجلس الوزراء، إن تجربة مصر في التسعينيات تقدم درسًا مهمًا؛ فبرغم تحقيق استقرار نقدي سريع بعد بدء برنامج الإصلاح عام 1991، فإن عدم استكمال الإصلاحات الهيكلية أدى إلى عودة الاختلالات بعد سنوات قليلة.

وأشار فؤاد إلى أن الوضع تكرر في برنامج 2016؛ حيث تحقق استقرار مرحلي عبر تحرير سعر الصرف وزيادة الاحتياطيات، لكن الاستثمار الخاص ظل ضعيفًا والصادرات غير النفطية محدودة، ما أبقى الاقتصاد معتمدًا على مصادر ريعية مثل التحويلات وقناة السويس والسياحة والقروض.

وأكد فؤاد أن مصر اعتادت على تنفيذ الشق المالي والنقدي فقط من الإصلاحات، بينما تتراجع عن الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بتحفيز الاستثمار الخاص وتوسيع القاعدة الإنتاجية، ما يجعل العلاقة مع الصندوق ترتبط غالبًا بـ”نصف إصلاح”.

وأضاف فؤاد أن مصر رغم تمثيلها أكثر من 1.3% من سكان العالم، لا تتجاوز حصتها 0.3% من الناتج العالمي، وهو ما يعكس فجوة هيكلية كبيرة تحتاج إلى نمو يتجاوز 7% سنويًا على مدى جيل كامل.

مسار إصلاح لا قطيعة مع صندوق النقد

من جانبه، قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إن فكرة “التخلص” من الصندوق ليست مطروحة رسميًا، وإنما الحديث يتركز على استعراض مسارات الإصلاح الحالية، والتي قد تسمح لمصر بالاكتفاء الذاتي بعد انتهاء البرنامج.

وأوضح عبد العال، أن العلاقة مع المؤسسات الدولية تنقسم إلى برامج إصلاحية مؤقتة تنتهي بانتهاء البرنامج، وتعاون طويل الأجل مع تحالفات وتكتلات اقتصادية يستمر بشكل دائم.

وأشار عبد العال، إلى أن برامج الصندوق تمنح الاقتصاد المصري شهادة ثقة أمام المستثمرين والمؤسسات الدولية عبر المراجعات الدورية، مؤكدًا أن الخروج المفاجئ من البرامج قد يفقد مصر هذه الميزة.

وأكد عبد العال أن إنهاء العلاقة قد يكون ممكنًا بعد اكتمال البرنامج الحالي، لكن بشرط وجود رؤية اقتصادية واضحة تضمن استدامة النمو، حتى لا تضطر مصر لطلب برامج جديدة مستقبلًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى