رغم وقف إمدادات إسرائيل.. كيف تغلبت مصر على نقص الغاز وصدرت للأردن؟

05:48 م
الإثنين 16 يونيو 2025
كتبت- دينا كرم:
في الوقت الذي تعاني فيه مصر حاليا من أزمة في قطاع الطاقة، واتخاذها حزمة من الإجراءات الطارئة تعمل على تصدير حصة من الغاز الطبيعي للأردن، وهو ما طرح تساؤلات بكيفية قيامها بالتصدير للأردن رغم ما تعانيه؟
تزايدت معاناة مصر من نقص الطاقة بعد تصاعد التوترات بين اسرائيل وإيران، وهو ما تسبب في قطع إمدادات الواردة من إسرائيل لمصر التي كانت تتراوح ما بين 40-60% من إجمالي الإمدادات المستوردة إلى مصر ونحو 15-20% من استهلاكها، عقب إغلاق حقل “ليفياثان” البحري في إسرائيل.
وأعلنت مصر اتخاذ حزمة من الإجراءات للتقليل من أزمة نقص الطاقة منها تفعيل خطة طوارئ في قطاعي البترول والكهرباء، وأولها إيقاف إمدادات الغاز إلى الأنشطة الصناعية، وتفعيل إجراءات لترشيد الكهرباء، واعتمادها على مصادر مختلفة مثل المازوت.
مصر تمد الأردن بالغاز والكهرباء
بدأت مصر ضخ 100 مليون قدم مكعب غاز يومياً للأردن لتعويض وقف إمدادات إسرائيل، لما تعانيه الأردن من نقص الأزمة.
ولم تتوقف مصر عند ذلك، بل ضاعفت إمدادات الطاقة الكهربائية إلى الأردن لتسجل 400 ميغاواط يومياً خلال الأسبوع الجاري، وذلك مقابل ما يتراوح بين 100 و200 ميجاواط قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، بحسب مصادر تحدثت مع الشرق بلومبرج في الأمرين ورفضت ذكر أسمائها.
وأوضح خبراء تحدث معهم “مصراوي” أن ما يحدث حاليًا هو تنفيذ لاتفاقيات سابقة بين مصر والأردن، كما أنه مجد اقتصاديًا حيث تبيع هذه الكميات مقابل عائد دولاري.
وأوضح الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن مصر قد تضطر لذلك نتيجة اتفاقيات بينها وبين الأردن، وهي ملزمة بذلك لأنه في حال الإخلال بها تترتب عليها غرامات.
وأشار جمال القليوبي، الخبير البترولي، إلى أن مصر حصلت على سفينة تغويز من الجانب الأردني بموجب اتفاقية باستغلال الجانب الأردني البنى التحتية في مصر، لذلك تعمل مصر على تسييل الغاز وتصديره للجانب الأردني.
وتعود هذه التطورات إلى اتفاقية وقعتها مصر والأردن في ديسمبر الماضي، تشتمل على شروط فنية وتجارية تضمن حقوق الطرفين، بموجبها يتم تزويد الجانب الأردني بالغاز المسال من مصر حتى نهاية 2026، وذلك من خلال خطوط أنابيب ممتدة بين البلدي، وهذا الاتفاق يسهم في تخفيض الكلف التشغيلية لميناء الغاز الطبيعي المسال في العقبة، بالإضافة إلى حماية شركة الكهرباء الوطنية من تقلبات الأسعار العالمية في حال حاجتها للغاز الطبيعي المسال لأي ظروف طارئة.
كما هدفت الاتفاقية إلى تأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال للأردن في حالات الطوارئ حتى الانتهاء من مشروع ميناء الغاز المسال الجديد في العقبة، الذي يتوقع أن يكتمل في الربع الرابع من 2026، وتضمنت تحديد أولوية استخدام بواخر الغاز بين الجانبين في حال وجود حاجة متزامنة، مع تخصيص 350 مليون قدم مكعب في اليوم للأردن (50% من قدرة باخرة واحدة أو 25% من قدرتين).
وتقدر تكاليف الغاز الذي يتم استهلاكه بحوالي 3 ملايين دولار للشحنة و5 ملايين دولار للنقل عبر شبكة الغاز المصرية، ما يعني أن تكلفة الغاز المسال السنوية للأردن لن تتجاوز 10 ملايين دولار.
وبلغت تكلفة مشروع ميناء الغاز المسال الحالي في العقبة حوالي 70 مليون دولار سنويًا، ما يوضح الفارق الكبير بين استخدام الغاز المسال عبر الاتفاقية والتكاليف المرتفعة لميناء الغاز في العقبة.
وتسعى الاتفاقية إلى توفير بديل مرن وأقل تكلفة لتزويد الأردن بالغاز الطبيعي المسال في الوقت الذي يتم فيه إنجاز مشاريع البنية التحتية الجديدة.
ويرى الخبيران أن مثل هذه الاتفاقيات تساعد على أن تصبح مصر مركز إقليمي للطاقة، حيث أن المحور السادس في محاور استراتيجية وزارة البترول والثروة المعدنية، يتمثل في استغلال موقع مصر الاستراتيجى لزيادة التعاون الإقليمى وتعظيم الاستفادة من البنية التحتية من مصانع الإسالة وموانئ وشبكات خطوط أنابيب ومستودعات بما يعزز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة .
هل الاستعدادات كافية في ظل أزمة نقص الغاز؟
وبعد الأزمة بدأت الحكومة باستعراض سيناريوهات تداعيات ما يحدث بالمنطقة، حيث أكد مصطفى مدبولي، وزير البترول والثروة المعدنية، أن الحكومة تمتلك خطة واضحة لتأمين احتياجات القطاعات المختلفة من المواد البترولية والغاز الطبيعي، وعلى رأسها قطاع الكهرباء الذي يواجه ضغوطًا متزايدة مع ارتفاع درجات الحرارة ودخول فصل الصيف، ولفت إلى أن مصر تستهدف تشغيل ثلاث سفن تغويز بقدرة إجمالية تصل إلى 2250 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول مطلع يوليو، مقارنة بـ1 مليار قدم مكعب فقط في الصيف الماضي، بالإضافة إلى العمل على تجهيز سفينة رابعة كاحتياطي استراتيجي، بالإضافة إلى أن هناك تعاقدات قائمة لتوريد شحنات غاز، إلى جانب وجود احتياطي كاف من المازوت لتغطية احتياجات الكهرباء.
يرى الدكتور وائل النحاس، أن الحكومة كانت مدركة لاحتمالية تعرضها لأزمة في التوريد، خاصة في ظل التهديدات السياسية سابقًا التي ربطت بين موقف مصر من استقبال الفلسطينيين، والتي كانت تشير إلى إحتمالية تعرضها لخطر في الإمدادت في أي وقت، مشيرًا أن اعتمادها على الغاز القادم من إسرائيل يمثل نحو 15% فقط.
وأوضح أن القاهرة عملت خلال الأسابيع الماضية على تنويع مصادرها، عبر التفاوض مع دول مثل قطر والسعودية والجزائر وإسبانيا لتلبية جزء من الطلب، كجزء من خطة احترازية.
لكن الخبير الاقتصادي أبدى تحفظه على تنفيذ هذه الخطة، قائلاً: “إذا كنت قد استعددت بالفعل، فلماذا أوقفت المصانع؟ وأين الإجراءات البديلة على أرض الواقع؟ يبدو أن هناك فجوة بين الخطط المعلنة وتنفيذها الفعلي”.
وأشار إلى أن الاعتماد على مصدر وقود مختلف كالمازوت هو أمر مفروض في ظل عدم استعداد البنية التحتية بالكامل، ولحين دخول سفن التغويز الثلاث على الإنتاج.
كما حذر النحاس من احتمالية فشل بعض الدول الموردة في الوفاء بالتزاماتها، خاصة في حال تصاعد التوترات الجيوسياسية، متسائلًا: “هل ستفضل تلك الدول التزاماتها مع مصر، أم سترضخ لضغوط أمريكية أو أولويات أخرى؟”
دعوة لتعزيز التخزين والتنقيب
وشدد الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، على أهمية أن تعمل مصر على بناء قدرات استراتيجية في تخزين النفط والغاز لمواجهة الأزمات الطارئة.
وقال القليوبي لا بد من زيادة الاستثمارات المحلية في مناطق واعدة مثل البحر المتوسط ودلتا النيل، وتعزيز الشراكات في مجالات البحث والتنقيب، لضمان وجود بدائل محلية في حال تعثر أي مصدر خارجي.
وأكد على ضرورة تنويع مصادر الطاقة، ووجود استثمارات متواصلة في الاستكشاف والإنتاج لتقليل الاعتماد على مصدر واحد، مشيرًا إلى أن التركيز على مصدر واحد يعرض البلاد لمخاطر كبيرة في حال توقفه.