محمد معيط: مؤشرات الاقتصاد المصري تتحسن.. ومخاوف الإفلاس “إعلامية” فقط -(حوار)

حوار – محمد عمارة:
قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، والمدير التنفيذي للمجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، إن مؤشرات الاقتصاد المصري تشهد تحسناً ملحوظاً رغم التحديات الإقليمية والدولية، مشدداً على أن الحديث عن إفلاس مصر “لا يستند إلى واقع اقتصادي” بل هو مجرد “كلام إعلامي”.
أضاف معيط في حوار لمصراوي، أن معدلات التضخم في مصر تتراجع بشكل واضح، والاحتياطي النقدي في تصاعد، مع تسجيل فائض أولي متزايد في الموازنة العامة، إلى جانب انخفاض عجز الموازنة ومعدلات البطالة.
وأكد أن مصر تسير في المسار الصحيح في تنفيذ برنامجها مع صندوق النقد الدولي، حيث تم الانتهاء من أربع مراجعات، ويجري الإعداد للمراجعة الخامسة قريبًا.. وإلى نص الحوار:
– في البداية.. ما تقييمك للوضع الاقتصادي الحالي في مصر؟
أحب في البداية التأكيد على أن ما أقوله هو وجهة نظري الشخصية، فأنا لست مسؤولًا ولا أتحدث باسم صندوق النقد الدولي، لكنها مجرد تقديرات ووجهة نظر شخصية.
مصر تشهد تحسنًا في المؤشرات الاقتصادية، والحمد لله، نرى معدلات التضخم تنخفض، والاحتياطي النقدي يتصاعد، والفائض الأولي في الموازنة يزداد، وكذلك انخفاض عجز الموازنة والدين، فضلًا عن وجود استقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وانخفاض معدلات البطالة.
“طبعًا لا يمكن تجاهل الآثار التي تفرضها الأوضاع الإقليمية والدولية على الاقتصاد المصري، وأهمها الانخفاض الحاد الذي تأثرت به قناة السويس نتيجة الأحداث الجارية في البحر الأحمر، وهذا بطبيعة الحال له تأثير مزدوج من حيث العملة الصعبة والإيراد الذي يدخل في الموازنة العامة للدولة”، إضافة إلى حالة عدم اليقين بشأن تطورات الأمور، وكل هذا لا بد أن يؤخذ في الاعتبار عند تقييم أي موقف.
– هناك حديث وتصريح مهم لمسؤول غربي بشأن أن مصر معرضة للإفلاس.. هل نحن قريبون من ذلك اقتصاديًا؟
هذا الكلام مجرد حديث إعلامي، نحن نتحدث عن مؤشرات اقتصادية واضحة مثل عين الشمس، ولا خلاف عليها، لأنها أرقام رسمية ومعلنة ومعروفة، وجميع المؤسسات الدولية على علم بالمؤشرات المصرية، خاصة مؤسسات التصنيف الائتماني، والأوضاع والحمد لله مؤشراتها جيدة وتتحسن بشكل ملحوظ كما ذكرت.
– هل مصر تسير في اتجاه جيد بشأن برنامجها مع صندوق النقد الدولي؟
الحمد لله، البرنامج يسير بتقدم، وتمت حتى الآن 4 مراجعات، وهناك مراجعة خامسة قريبة إن شاء الله، وهذا يعني أن البرنامج يسير في الاتجاه الصحيح.
– هل يمكن أن يكون لدى الصندوق أو فريق مراجعته مع الحكومة مرونة فيما يتعلق بموضوع دعم المواد البترولية، خاصة مع تراجع الأسعار مؤخرًا؟
أنا لست طرفًا في المفاوضات، أنا مدير تنفيذي في صندوق النقد الدولي، وما تتفق عليه السلطات مع البعثة الخاصة بنا في الصندوق، وعندما يتم الاتفاق بين الطرفين، يُعرض الأمر على مجلس المديرين التنفيذيين.
– متى تملكون حق الموافقة أو الرفض على مخرجات التفاوض؟
بصفة عامة، حين تتفق السلطات في أي دولة مع بعثة خبراء صندوق النقد، يتم إعلان الاتفاق وعرضه على مجلس المديرين التنفيذيين للموافقة عليه.
– كان لك تصريح بأن مصر ملتزمة برفع دعم الوقود بشكل نهائي بحلول ديسمبر 2025؟
أعتقد أن ما يتعلق بدعم المواد البترولية، فالحكومة منذ العام الماضي وحتى الآن تُعلن موقفها بصراحة مطلقة في هذا الشأن.
– الحكومة أعلنت خفض دعم المواد البترولية بما يزيد عن 50% في الموازنة الجديدة.. كيف ترى ذلك؟ وهل يتفق مع سياسات الصندوق؟
بغض النظر عن السياسات والبرنامج والصندوق، “في الآخر انت صاحب البيت ومعاك 100 جنيه وهي إيراداتك، وعندك احتياجات أسرتك اكل وشرب وفواتير وإيجار وأعباء اخري، ومطلوب منك انك توزعهم زي ما انت عايز ولو عايز تشرب بيهم سجائر كلهم، روح اشرب بيهم سجائر كلهم، انت راجل معاك 100 جنيه، ولادك عايزين مدارس وحد تعبان عايز يروح لدكتور، وإيجار شقة وأكل وشرب للبيت وفي نفس الوقت بتشرب سجائر، عندك استعداد تحرق المبلغ وتشرب بيه سجائر ومتشوفش احتياجات البيت والأسرة، انت خد القرار، خد القرار، عايز تعمل إيه؟”.
– لكن بشكل عام، هل صندوق النقد منفتح على مناقشة أي وضع يتعلق بدعم المواد البترولية؟
لست عضوًا في الوفد الذي يتفاوض أو من لجنة الخبراء التي يرسلها الصندوق، ومتخذ القرار يرى البيانات والوضع أمامه ويجتهد ليقرر ما هو في صالح البلد، ليس فقط في اللحظة التي نحن فيها، بل أيضًا لمستقبل البلد، قائلًا”: قلت لك لك مثال السجائر”.
– كم صرفت مصر من إجمالي قرض صندوق النقد الدولي حتى الآن؟
ليست لدي الأرقام الدقيقة حاليًا، لكن إجمالي القرض 8 مليارات دولار، وأعتقد أن مصر صرفت في مارس العام الماضي شريحتي المراجعة الأولى والثانية، ثم صرفت شريحة المراجعة الثالثة في نهاية يوليو، وصرفت الشريحة الرابعة في مارس الماضي.
– كم مرحلة تتبقى من قرض صندوق النقد الدولي؟
مصر أنهت 4 مراحل من قرض صندوق النقد الدولي، ومقبلة على المرحلة الخامسة بعد شهور.
– بعد زيادة حصة مصر في صندوق النقد الدولي، هل يمكن زيادة قيمة القرض؟
البرنامج تم اعتماده، وتم التفاوض عليه والاتفاق عليه، ويمضي في مساره، عملية زيادة الكوتة وحصة مصر تخضع لإجراءات ومسار آخر، ولكي تُنفذ، يجب أن توافق 85% على الأقل من الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، ولا تزال بعض الدول ترسل موافقتها حتى الآن.
– هل طلبت مصر زيادة قيمة قرض صندوق النقد الدولي؟
مصر لم تطلب زيادة قيمة تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي، لكن هناك ما يُسمى صندوق الاستدامة والصلابة، وهو يتعلق بتمويل قضايا تتعلق بالتحولات المناخية، وده وافق عليه مجلس المديرين التنفيذيين في جلسته الماضية بتمويل 1.3 مليار دولار، إضافة إلى قيمة القرض الأصلي البالغة 8 مليارات دولار.
التمويل الخاص بالتغيرات المناخية والبالغ 1.3 مليار دولار مدته أطول وشروطه ميسرة جدًا لكنه في النهاية يوفر تمويلًا،
– السؤال الأهم دائمًا.. ما طبيعة المراجعات؟ هل تشمل الحديث عن سعر الوقود ودعم الخبز؟
أنا لست عضوًا في أي فريق تفاوضي يتعلق بقرض صندوق النقد الدولي، لكن المراجعات تهدف إلى استمرار البرنامج في تحقيق الاستقرار الكلي للاقتصاد، ومعناه تحرك معدلات النمو بشكل إيجابي.
مثلًا معدلات التضخم، التي كانت مصر قد وصلت معدلات التضخم فيها قرب 36% وانخفضت ووصلت الآن إلى ما يقارب 13%، وبتنظر للاحتياطي النقدي من العملة الاجنبية وأيضا سعر الصرف، وأعني مرونة سعر الصرف، بحيث لا تخلق سوقًا موازية، يعني من يوم 6 مارس 2024 حتى 6 مارس 2025، التحرك كان طفيفا، وهو ما انعكس في تجاه أسعار السلع، بعكس ما حدث في وقت الاضطراب العام الماضي.
أيضًا من المهم تحقيق فائض أولي وخفض عجز الموازنة الدين، ووانخفاض التضخم يوازي انخفاض تكلفة التمويل، وسعر الفائدة، وأي برنامج يركز على هذه النقاط، من أجل استعادة العافية للاقتصاد، على مستوى إصلاحات مالية هيكلية نقدية وما إلى ذلك.
– هل تؤيد الدعم النقدي أم العيني؟
أؤيد ما فيه صالح البلد وفاعلية المنظومة في الوصول السليم للأهداف دون فقد لما تنفقه الدولة لتحقيق تلك الأهداف.
دائمًا أي قرار في هذا الشأن يكون ناتجًا عن توافق مجتمعي لتحقيق الأهداف، ومحدش يقدر إن النظام ده كله مزايا أو كله عيوب، لكن يُقال إن أي نظام لازم يتبص فيه كويس، ونشوف مزاياه وعيوبه وملاءمته لتحقيق أهداف الدولة”.
– كيف ترى الوضع الاقتصادي حاليًا بعد قرارات ترامب بشأن الرسوم الجمركية؟ وهل لدى مصر فرصة ذهبية؟
الأسواق ردت بانفعال على تلك القرارات، ورأينا حالة من الفزع وانخفاضًا حادًا في قيم الأسواق.
وربنا يستر ولا تمتد هذه الحالة إلى الفترة القادمة، وأعتقد أن التجارة العالمية بلا شك ستتأثر، وهناك من يتحدث عن انخفاض قد يزيد عن 1% في التجارة العالمية.
أيضًا هناك توقعات باحتمالات زيادة التضخم نتيجة تأثير الرسوم الجمركية الجديدة على ارتفاع أسعار السلع، وهذا يعني أن التفاؤل الذي كان موجودًا بخفض الفائدة وتكلفة التمويل وعبء التمويل نتيجة انخفاض التضخم، وبالتالي خفض أسعار السلع والخدمات بدأ يتآكل، وهناك تخوف من ركود وتقرير أحد البنوك العالمية يتحدث عن ركود قد يحدث وقد يطول دولًا عديدة، من بينها حتى أمريكا، وسيؤثر على معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وتوليد فرص العمل، وتحقيق الأهداف المستدامة.
البعض يقول إن ما تم هو رد الفعل السريع والمتوقع، خاصة أن الصين ردت، وأوروبا وكندا والمكسيك يدرسون ما يمكن فعله، وإذا استمرت هذه الحالة فهناك تخوف كبير لأن ذلك يعني تأثيرًا سلبيًا على العالم كله.
– مصر جزء من العالم، لكن ما حجم التأثير؟
في النهاية وطبقًا لما أُعلن، فإن قيمة الرسوم الجمركية على صادرات مصر تبلغ 10%، والقاهرة تصدر بما يقرب من 2.6 مليار دولار، وهذه النسبة هي أقل شريحة، وبالتالي هناك حديث عن وجود فرص لأن هناك دولًا تصدر نفس منتجاتك وتخضع لتعريفة جمركية أعلى ونحتاج لدراسة وتحليل.
على المستوى العالمي، في حالة من عدم اليقين الشديدة جدًا، وحالة من القلق، وفيه تأكد أن لها تأثير على التجارة العالمية
ليست لدينا معلومات كافية وكاملة عن دوافع تلك القرارات، والعالم ينظر للقرارات ويترقب عن المدى القريب والبعيد عن المستفيد من القرارات، البعض يتحدث عن إمكانية نقل بعض الصناعات إلى أمريكا وأنه سيفيدهم، وفيه آراء أخرى تقول لأ، الأمور قد لا تسير علي رتم واحد وقد تحدث تفاعلات وتكتلات.
قد تتأثر الأسعار حتى داخل المجتمع الأمريكي على المدى القصير، وقد تزيد معدلات الأسعار والتضخم وأيضًا الفائدة، وهذا ما قاله رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إذ أشار إلى أن التعريفة كانت أكثر مما توقعوا، وبالتالي ستؤثر على التضخم، وستجبرهم على ضرورة إعادة الحسابات مرة أخرى، وقد يكون ذلك وهو بيقول بطريقة غير مباشرة أن التأثيرات ستكون مختلفة.
بالتأكيد في المدى القصير، هناك تأثير سلبي، وقد انعكس ذلك بالفعل على الأسواق، صراحة الناس في حالة من عدم اليقين، البلدان جمعيها سيجري دراسات؛ هل تتفاوض؟ هل تتدخل في تحالفات؟ على الجميع أن ينتظر ويرى حتى يستطيع أن يشكل توقع له درجة تحقق عالية.