اخبار

أبعاد الأهداف الإسرائيلية في لبنان..

بعد أسابيع على تجاوز دولة الاحتلال موعد الـ 60 يوماً لتطبيق اتفاق وقف الحرب العدوانية على لبنان، وكان ذلك بموافقة أميركية و»تطنيش» لبناني، خرجت القوات الغازية من جنوب لبنان، واحتفظت بالسيطرة على خمسة مواقع.

خلال الفترة الطويلة لتطبيق الاتفاق لم يتوقّف جيش الاحتلال عن خرقه للاتفاق، سواء من خلال التدمير الكامل للقرى والبلدات التي تواجد فيها جنوب لبنان، أو من خلال قصف مواقع لـ»حزب الله» اللبناني، واغتيال كوادر حتى خارج وأبعد من نهر الليطاني.
المواقع التي احتفظ فيها جيش الاحتلال، تنطوي على أهمية إستراتيجية جغرافياً، ولكنها لا تفيد كثيراً في أداء مهمة الرقابة، وبالتالي فإنها تظلّ نقاط انطلاق لعدوانات إسرائيلية لا تتوقّف، فضلاً عن كونها أراضي محتلة بما يخالف القرار الأممي 1701، ومضامين الاتفاق ونصوصه.
وعملياً، يعطي الاتفاق للطرفين الإسرائيلي واللبناني، الحق في التدخّل، في حال تعرّض الاتفاق للخرق، من قبل هذا الطرف أو ذاك.
غير أنّ دولة الاحتلال هي الطرف الوحيد الذي واصل خرق الاتفاق وممارسة العدوان، بينما التزم الحزب بعدم الردّ، أو بالأحرى، خضع لقيود الوضع الداخلي اللبناني، وحساباته، التي ارتبطت بدورها بوعود من قبل واشنطن وباريس، الطرفين المشرفين على الاتفاق والضامنين له.
ربما يثق اللبنانيون بالراعي الفرنسي، لكنه لا يملك القدرة على إنصاف لبنان، بوجود الطرف الأميركي المهيمن الذي تتطابق حساباته وأهدافه مع حسابات وأهداف دولة الاحتلال.
لم يكن عبثاً أن واشنطن، وبعض الأنظمة العربية المهتمة بالساحة اللبنانية، مارست أقصى الضغوط، لمعالجة أزمة الرئاسة في لبنان، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة القاضي نوّاف سلام.
كان المطلوب من تجاوز أزمة الحكم، خلق أوضاع رسمية تعمل تحت ضغط الحاجة للمساعدات، من أجل محاصرة المقاومة، وإشغال لبنان في فتنة داخلية، تؤدّي إلى تقليص نفوذ الحزب وسحب أسلحته بالتدريج، وعزله عن حاضنته الشعبية، وعاجلاً إبعاده كلياً عن جنوب لبنان.
استناداً إلى قراءة عميقة للوضع اللبناني، والضغوط الخارجية آثر الحزب، إلى الانصياع، والإعلان عن أن الحكومة اللبنانية والجيش، هما المسؤولان عن إدارة الصراع، ولكنه أبقى لنفسه نافذة للتغيير في ظروف ووقت مناسب.
الحزب تلقّى ضربات موجعة، حين فقد عدداً كبيراً من قياداته وكوادره السياسية والعسكرية، عَبر الاغتيالات، فضلاً عن عدد ليس قليلاً من مقاتليه، لكنه لم يرفع الراية، وظل حتى سريان وقف إطلاق النار، يحافظ على معادلة الردع المتبادل مع جيش الاحتلال.
يُخطئ من يعتقد أن التغييرات في سورية، ومعالجة أزمة الحكم، وإقفال طرق الإمداد للحزب، والخسائر التي تكبّدها، أنّه لم يعد يقوى على مواصلة المواجهة.
عشية التوصل للاتفاق كان المشهد في جنوب لبنان يشير إلى نجاح الحزب في وقف تمدّد جيش الاحتلال، الذي تكبّد خسائر فادحة في المواجهة البرية، لكن المشهد الذي انتهت إليه الأمور، يحمل ملامح هزيمة للبنان والمقاومة، هزيمة لها ما بعدها على الصعيد الداخلي، ما لم يحصل تغيُّر مفاجئ.
الحكم اللبناني، أعلن أن لبنان لا يحتمل استمرار الحرب وأنه سيتابع العمل لتحرير أراضيه من خلال العمل الدبلوماسي، باللجوء إلى مجلس الأمن، الذي صمت صمت القبور إزاء شكاوى لبنان من الخروقات الإسرائيلية، وسيظل صامتاً طالما أن «الفيتو» الأميركي حاضر كل الوقت على الطاولة.
والعمل الدبلوماسي من خلال اللجنة الأميركية الفرنسية، لإرغام دولة الاحتلال على إخلاء المواقع الخمسة التي يتواجد فيها، يصطدم، أيضاً، بالموقف الأميركي المتطابق مع السياسة الإسرائيلية، وضعف الدور الفرنسي.
حيال ذلك، فإن الطرق الدبلوماسية التي يعتمدها الحكم في لبنان مسدودة تماماً، لم يبقَ منها سوى الاستماع للطلبات والشروط الأميركية الإسرائيلية.
واشنطن بدأت عملية الابتزاز، فلقد اتخذ دونالد ترامب قراراً بوقف تقديم المساعدات للجيش اللبناني، ومقدارها 117 مليون دولار، كانت إدارة جو بايدن قد أقرّت تقديم هذا الدعم للبنان قبل يومين من تسلّم ترامب الإدارة، وكان ذلك تنفيذاً لوعود قطعتها إدارة بايدن للبنانيين، لتحفيزهم على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
ولكن ما الذي تريده واشنطن؟ للإجابة عن هذا السؤال لا تتحدث إدارة ترامب، ولكنها تقف خلف ما يسعى إليه بنيامين نتنياهو الذي أعلن بصريح العبارة، وغير مرّة، عن ضرورة سحب سلاح «حزب الله»، وسلاح المقاومة الفلسطينية في لبنان، وإبعادهما تماماً عن الاقتراب من جنوب لبنان.
هذا هو المعنى العملياتي، لإبعاد التهديد من لبنان، وتمكين سكان المستوطنات الشمالية المتاخمة للجنوب، من العودة الآمنة لها.
وفيما يبدو أن المستوطنين ما زالوا غير واثقين من أن المعادلة التي حققها جيش الاحتلال حتى الآن، يمكن أن تحقق لهم الأمن، فإن الأوضاع في الجنوب لا تزال حُبلى بالتطوّرات.
جيش الاحتلال لم يُبقِ في «الشريط الحدودي» حجراً على حجر، والأرجح أنه سيعمل على منع إعادة إعمار القرى والبلدات الجنوبية اللبنانية، وعودة سكانها إليها، والذريعة دائماً موجودة حيث سيقال، إن مقاتلي الحزب بدؤوا بالعودة إلى تلك المناطق.
«حزام أمني وناري» في جنوب لبنان، واحتلال إضافي طويل الأمد، و»حزام» إضافي في مناطق واسعة من القنيطرة وجبل الشيخ في سورية، واحتلال إضافي للجولان السوري المحتل، بغرض الإقامة طويلة الأمد.
سيتّضح للسوريين واللبنانيين، أنّ العمل الدبلوماسي والسياسي، والمراهنة على وعود أميركية، أو غربية، مجرّد هراء، واستنزاف للزمن في ظل الضعف العربي، وارتهان بعض أنظمته للسياسة الأميركية.
لو كان العمل السياسي والدبلوماسي، يحمي أوطاناً ويردع محتلاً، لكانت فلسطين قد تحرّرت منذ زمن غير أن التجربة الطويلة مع الاحتلال تقدم استنتاجات مختلفة.
الحقّ وحده لا يكفي لحماية الشعوب وحقوقها، خاصة مع احتلال مدعوم ومحمي أميركياً، رغم أن الدنيا كلها، ترفضه، وسياساته التي تتنكّر للقوانين والقرارات الدولية.
إذا كان السوريون يمرُّون في ظروف خاصة، بسبب تعقيدات الوضع في بلدهم، ولذلك فإنهم يطالبون بخجل، وفي مرات قليلة بانسحاب جيش الاحتلال من المناطق التي احتلها حديثاً، فإنّ الوضع في لبنان مختلف.
لبنان النظام، وفي ظلّ تناقضات الطوائف، والأزمة الاقتصادية الخانقة، لا يستطيع الدخول في مواجهة لتحرير الأرض، فكل ما يملك جيش هو أقرب من جيش التسليح، والقوام والعقيدة، إلى حرس الحدود، والشرطة الداخلية، ولذلك لا يوجد من يتحمّل مسؤولية تحرير الأرض سوى المقاومة، التي عليها ــ على ما يبدو ــ انتظار إجماع اللبنانيين على هذا الدور، أو سقوط لبنان في مقايضة الأرض مقابل «التطبيع»، مع فتنة داخلية والانزلاق نحو حرب أهلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى