اخبار

استباحة الدولة السورية وتغيير جيواستراتيجيتها..

لا شك أن نظام الأسد ومنذ وصول حافظ الأسد للسلطة عام 1971 كرئيس الجمهورية العربية السورية وأمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة كان لا يحترم حقوق الإنسان وكان الشعب السوري محقا في سعيه لتغيير النظام من أجل نيل الحرية وإقامة نظام ديمقراطي متحرر من حكم العائلة والطائفة، وبالفعل كانت الثورة السورية في بداياتها وقبل أن يقمعها النظام وتركب موجتها الجماعات الاسلاموية، وخصوصا داعش صنيعة واشنطن، مبشرة بالخير.

 لم يكن النظام البعثي مسيئا لشعبه فقط بل تعامل باستعلائية حتى مع دول الجوار كلبنان والثورة الفلسطينية حيث عجت سجون النظام بآلاف الفلسطينيين ومنهم الزعيم أبو عمار و 11 من قيادات فتح حيث تم اعتقالهم في سجن المزة في الستينيات ، أيضا  تدخل جيش النظام السوري عام 1975 لمساندة قوات الكتائب المسيحية المتحالفة مع إسرائيل في مواجهة الحركة الوطنية اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية كما اغتال النظام عددا من القيادات الفلسطينية ومنهم القائد العسكري سعد صايل حيث تم اغتياله في البقاع اللبناني يوم 27 سبتمبر 1982 في بيروت،.

ولكن،،،

هل الجماعات الإسلاموية المتطرفة حاربت النظام السوري لأنه دكتاتوري ومعادي للديمقراطية وكانت تريد تأسيس نظاما ديمقراطيا؟ وهل تركيا ناصبته العداء ودعمت قوى المعارضة المسلحة لهذا السبب؟ وهل الدول الخليجية عادته ودعمت بالمال والسلاح داعش والنصرة منذ بداية ما يسمى الربيع العربي عام ٢٠١١ لأنها دول ديمقراطية وتريد نشر نموذجها الديمقراطي في سوريا ودول الجوار؟ وهل إسرائيل وأمريكا عادوا وحاربوا نظام الأسد لأنه دكتاتوري وهم يدافعون عن حق الشعب السوري بالحرية والديمقراطية؟ ….

سقط نظام الأسد، ولكن لماذا تواصل إسرائيل احتلال الجولان والآن تتمدد إلى جبل الشيخ والقنيطرة وتقترب من دمشق؟ ولماذا تواصل تدمير المطارات والقواعد العسكرية ومراكز البحوث العلمية وكل مراكز ومؤسسات الدولة؟ ولماذا تواصل تركيا احتلالها لمناطق شاسعة في شمال سوريا وتقدر مساحتها 8835 كم² وتضمّ أكثر من 1000 بلدة؟ ولماذا تواصل أمريكا احتلال مناطق في سوريا ولها قواعد عسكرية فيها 28 موقعًا منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد؟ ومن يقف وراء الإعدامات الميدانية ليس فقط لمسؤولين في تضام الأسد بل أيضا للعلماء؟ 

قد يقول قائل وماذا بالنسبة للتواجد الإيراني والروسي؟ والجواب أن تواجد هاتين الدولتين كان لأغراض سياسية وبطلب من النظام وبعد سقوط النظام سحبت إيران كل قواتها ولم يعد لها أي تواجد في سوريا وروسيا تتفاوض من الحكام الجدد حول قواعدها العسكرية المحدودة وقد تنهي تواجدها في أي لحظة لأنه بالأساس لا توجد أي أطماع ترابية لهاتين البلدين بسبب البعد الجغرافي، والمشكلة في تركيا وإسرائيل اللتان لهم أطماع جغرافية وتطلعات توسعية ليس في سوريا فقط بل وفي كل دول الجوار، ولم يخفي نتنياهو وقادة اليمين الصهيوني هذه التطلعات.

إن كان من حق الشعب السوري تغيير النظام إلا أن ما يجري ليس إسقاط نظام الأسد الدكتاتوري بل إسقاط الدولة السورية واستباحتها وتغيير جيواستراتيجيتها ،كما لم تكن المشكلة قبل ذلك مع نظام صدام المُستبد بل مع الدولة العراقية، ونفس الأمر بالنسبة لكل الدول التي شهدت فوضى  ما يسمى الربيع العربي.

بعد فرحة الذين ظلمهم نظام الأسد ولا احد يلومهم على فرحتهم بل حتى على رغبتهم في محاكمة ومحاسبة من ظلمهم ،ولكن  نتمنى ألا تنتكس فرحتهم عندما يكتشفون حقيقة ما جرى وعندما تبدأ حالة الفوضى والحروب الاهلية لأن الجماعات المسلحة التي أسقطت نظام الأسد أسقطت معه الدولة وهي جماعات بتركيبتها السياسية والأيديولوجية والمذهبية و تعدد مرجعياتها الخارجية والتي يصل عددها إلى ٣٦ مجموعة أو حزب واكبرها هيئة تحرير الشام لن تستطيع إقامة دولة ديمقراطية أو تحمي الشعب من حرب أهلية وتقسيم البلاد، ومن المشكوك فيه قدرة هيئة تحرير الشام تجنيب البلاد الانقسام والحرب الأهلية أو أن تعمل مراجعة لفكرها الجهادي الأول ولشبكة تحالفاتها  الأولى وأن تنفتح على الجميع وتُشرك معها في إدارة البلاد قوات سوريا الديمقراطية (قصد) والتي تضم عددا من الأحزاب والقوى الديمقراطية والكردية أيضا الشخصيات الوطنية الديمقراطية التي ظهرت بداية الثورة على النظام 2011 .

الحُكم على نجاح أي ثورة شعبية حقيقية لا يكون من خلال إسقاط النظام المرفوض شعبيا بل القدرة على إقامة نظام سياسي بديل أفضل من السابق، نظام تسوده الديمقراطية ويحافظ على كرامة المواطنين ووحدة البلاد.

وأخيرا ،نعم من حق الشعوب العربية أن تثور على الأنظمة المستبدة التي كانت السبب في تفقير الشعب وانتهاك كرامته ،ولكن كل ما جرى في العالم العربي منذ بداية ما يُسمى الربيع العربي 2011 وإن كانت بدايته ثورات شعبية إلا أن  واشنطن وإسرائيل وتوابعهم من بعض الدول الخليجية حرفوا التحركات الشعبية عن مسارها بتوظيفهم جماعات اسلاموية متطرفة صنعوها لهذا الغرض، وكانت مجاهرتهم  بمساندة الثورات ليس من أجل نشر الديمقراطية ومواجهة الأنظمة الاستبدادية، بل لحماية إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة وحماية المصالح الاستراتيجية لواشنطن والغرب ،بعد أن فشلوا في إخضاع الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية

حمى الله سوريا وأهلها. 

وحمى الله الأردن وشعبه

وحمى الله مصر وشعبها

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى