اخبار

الرئيس أبو مازن و (استراتيجية الضعيف)..

من خلال متابعتي لكتابات الرئيس أبو مازن وتصريحاته وكيفية تدبيره للمناصب التي تولاها ومعرفتي الشخصية المحدودة به سواء قبل توليه الرئاسة أو بعدها، يمكن القول إن تفكيره ونهجه السياسي الإستراتيجي ينتمي لمدرسة ونهج في السياسة وهي (استراتيجية الضعيف)، وهذه المدرسة وإن كانت تنتمي للواقعية السياسية إلا أنها تنطلق من منطلق معاكس للأصول الأولى للواقعية التي تعتمد على القوة وموازين القوى لتحقيق المصالح القومية.

استراتيجية الضعيف نجد نماذج لها بالنسبة للدول المستقلة والمستقرة في علاقتاها مع دول العالم وخصوصا دول الجيران كما هو الحال بالنسبة للدول التي اتخذت موقف الحياد خلال الحرب العالمية الثانية وبعضها ما زال ملتزما بالحياد مثل سويسرا والنمسا، أيضا نجد تطبيقا لها في حالة الشعوب والدول الخاضعة للاستعمار ونموذجها تجربة تحرير الهند مع المهاتما غاندي (سياسة ألا عنف) خلال استعمارها من بريطانيا.

 هذه المدرسة في السياسة تنطلق من منطلق الاعتراف بواقع الاختلال في موازين القوة لصالخ العدو والاحساس بالعجز تجاهه وعدم الفدرة على مواجهته عسكرياً وبالتالي الأفضل الابتعاد عن أي مواجهات مسلحة مباشرة معه والاعتراف بأنك ضعيف وتحتاج لحماية خارجية من الأصدقاء أو من المنتظم الدولي، وكانت كلمة أبو مازن في خطابه في الأمم المتحدة قبل عامين عندما قال مخاطب دول العالم (احمونا) تعبيراً عن هذه الاستراتيجية، كما أن هذه الاستراتيجية لا تُعير كثير اهتمام بالخطاب الشعبوي وقدرات الشعب الذاتية، والزعيم الذي يؤمن بهذه الاستراتيجية ،حتى وإن كان وطنيا ويسعى لمصلحة الشعب ،غالبا تكون فجوة بينه وبين الأحزاب الجماهيرية، وهو أيضا لا يعول عليهم كثيرا.  

ما يؤخذ على هذه الاستراتيجية أو النهج للرئيس أبو مازن ولمن سيخلفه هو عدم التوافق الوطني على هذه السياسة وغياب الأدوات التنفيذية وخصوصاً أنها تحتاج لرجال يؤمنون بها وقادرون على اقناع الشعب بالحقيقة ويملكون أدوات لتعزيز صمود الشعب على الأرض وابداع وسائل نضالية غير عنيفة لمواجهة مخططات الاستيطان والتهويد؟ وهذه كلها تحتاج لعودة الثقة بين الشعب والقيادة، حيث يمكن للوحدة الوطنية والنهج الديمقراطي في القيادة والتوافق على استراتيجية وطنية للمقاومة السلمية وتعزيز وتصويب علاقة القيادة والشعب بالمحيطين العربي والدولي أن يشكلوا المعادل الموضوعي لضعف القدرات العسكرية. 

إن كانت المواجهات العسكرية المباشرة مع العدو كما جرى في عملية طوفان الأقصى الحمساوية وما أدت له من تفعيل حرب الابادة والتطهير العرقي اليهودية في قطاع غزة والمُعد لها مسبقا قد ألحقت أضراراً عظيمة بالقضية الفلسطينية وخصوصاً أنها جاءت في ظل ظروف عربية ودولية غير مواتية، فإنه في المقابل فإن استراتيجية الضعيف التي تنهجها القيادة والسلطة الفلسطينية وإن حافظت نسبياً على ثبات الشعب على الأرض وقللت من خسائره إلا أنها لم تحقق الهدف الوطني منها ولم تمنع العدو من زيادة مشاريعه الاستيطانية وتهويد المسجد الأقصى وتقطيع أوصال الضفة والاعتداء على المواطنين. 

 للأسف ما زال الشعب الفلسطيني منقسماً بين هاتين الاستراتيجيتين مع تزايد الأصوات التي تطالب بوقف العمل العسكري المباشر ولو مؤقتاً لوقف المجازر في القطاع والحيلولة دون تنفيذ مخطط تهجير أهالي القطاع وربما أيضاً الضفة، وحتى حركة حماس عندما تطالب بهدنة طويلة دون تحقيق هدف تحرير فلسطين إنما تعترف بفشل نهج القتال والمقاومة العسكرية المباشرة.

فهل من المجدي بعد كل ما جرى العودة لاستراتيجية الضعيف أو المزج بينها وبين استراتيجية وطنية للمقاومة؟

من المفيد التذكير بأنه في عهد الزعيم أبو عمار وما بعد فشل مباحثات كامب ديفيد ٢ عام ٢٠٠٠ ظهر في الساحة الفلسطينية وداخل حركة فتح نهجان (العرفاتية) و (العباسية) وقد كتبنا حينها عن الموضوع.

حاولت العرفاتية العودة للكفاح المسلح مع الحفاظ على السلطة ونهج التسوية السياسية وعدم إغلاق الباب أمام المفاوضات، أو بمعنى آخر كانت تريد التوصل للسلام من خلال الضغط العسكري، وكانت العباسية ضد العودة للعمل العسكري ومع استراتيجية الضعيف، وكانت حركة حماس وفصائل أخرى تؤيد عودة عرفات للعمل العسكري ولكنها في نفس الوقت تعادي منظمة التحرير والسلطة والتسوية السياسية!، وكانت النتيجة حصار أبو عمار في المقاطعة ومحاصرة العرفاتية واغتياله سياسياً قبل أن تغتاله إسرائيل جسدياً عام ٢٠٠٤.

هل يمكن الآن العودة لاستراتيجية الضعيف ولو معدلة؟ 

ربما كانت هذه الاستراتيجية نافعة ويمكنها تحقيق بعض الإنجازات الوطنية السياسية  في بداية عملية التسوية السياسية عندما كان يوجد في إسرائيل مجتمع وحكومة تريد تسوية سياسية وكان معسكر السلام قويا كما كانت دول العالم داعمة للحل السلمي وللتوجه العقلاني لمنظمة التحرير كما كان العالم العربي في حال أفضل بكثير مما هو عليه، ولكن الآن وفي ظل حكومة يمينية الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال وتوجه كل مجتمع العدو نحو اليمين وإعلان إسرائيل أنها ضد السلام وضد قيام دولة فلسطينية بل وتقوم بحرب إبادة وتطهير غرقي في قطاع غزة … هل يمكن (لاستراتيجية الضعيف) أن تنجح؟ وهل من بديل؟

 لا يمكن الاعتماد على هذه الاستراتيجية وحدها في تحقيق النصر أو المنع الكامل لمخططات العدو، ولا نعتقد أننا الآن في مرحلة تسمح بتحرير فلسطين وحتى في حدود 1967 بل في مرحلة الحفاظ على الذات الوطنية وتعزيز صمود الشعب على أرضه، ولكن يمكنها تقليل الخسائر والحفاظ على وجود الشعب وصموده في أرضه والحيلولة دون منح العدو مزيدا من المبررات لمواصلة حربه لتصفية القضية الوطنية.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى