اخبار

الشرق الأوسط بين وقف النار ووقف الحرب..

اعتبر مجرم الحرب، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقف إطلاق النار في لبنان انتصاراً، وذلك رغم أنه لم ينجح في تحقيق لا الأهداف البعيدة، المتمثلة بإعادة ترتيب الشرق الأوسط أمنياً وسياسياً، وسحق حزب الله ونزع سلاحه بالكامل، ولا القريبة المتمثلة بإجبار الحزب اللبناني على التراجع لما بعد نهر الليطاني بالقوة العسكرية، وإعادة الهاربين من مستوطنات الشمال، وفقط روج نتنياهو لوقف إطلاق النار، بناء على تفاوض عبر الوساطة الأميركية مع لبنان، الذي كان بدوره يتفاوض عن «حزب الله»، استناداً إلى ما وصفه بنجاحه في فك وحدة الساحات، أي إسكات جبهة الإسناد اللبنانية التي فتحها حزب الله، في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، وفي اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل حربها على قطاع غزة، وذلك دعماً للمقاومة في القطاع الفلسطيني.

فهل كان ذلك حقاً هو السبب، في رضوخ إسرائيل لاستحقاق وقف النار في لبنان، استناداً إلى القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن العام 2006، عقب تلك الحرب التي جرت في ذلك العام بين إسرائيل وحزب الله، وعطلت إسرائيل متابعته طوال 18 سنة مضت، بعدم انسحابها من 13 نقطة حدودية، إضافة إلى الجزء اللبناني من مزارع شبعا المحتل منذ العام 1967، أم أن هناك أسباباً أخرى، دفعت إسرائيل لتلك الموافقة، وذلك ما يكشف عنه الخلاف مع المعارضة والشارع، وقد كان وقف الحرب في لبنان، كما وقفها في غزة مطلباً للجيش، على أي حال منذ وقت، كذلك فإن أسئلة عديدة ترافق الموافقة الإسرائيلية، المرفقة بورقة تفاهم خاصة مع أميركا، الجهة التي ستشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بعد أن كانت اليونيفيل هي الجهة التي تراقب تنفيذ القرار 1701.
أولاً وقبل كل شيء، يظل كلام نتنياهو، حول اتفاق وقف إطلاق نار، قراءة أحادية للاتفاق الذي يبدو غامضاً بعض الشيء في نصوصه، أما في جوهره فهو مغلف بعبوة ملغومة، ويبدو أنه – أي الاتفاق – جاء بصيغة لا غالب ولا مغلوب، وهو لا يعني وقف الحرب، وفي أحسن أحواله قد يكون مجرد هدنة مؤقتة، وقد يبقي على حالة اللاحرب واللاسلم لمدة طويلة، كما كان حال الهدنة المتفق عليها العام 1949، ومن الطبيعي أن يخرج كلا الطرفين بادعاء تحقيق الهدف أو حتى القول بتحقيق النصر في المعركة، التي استمرت شهرين تقريباً، ولم تقتصر فيها الخسائر البشرية والاقتصادية، العسكرية والسياسية، وحتى النفسية على جانب واحد، بل طالت الجانبين، وحتى أن إسرائيل ولأول مرة منذ إقامتها قبل نحو ثمانين عاماً، يلجأ 40% من سكانها للهروب إلى داخل الملاجئ، فيما تقصف يومياً مدنها من كريات شمونة في الشمال إلى مستوطنات غلاف غزة في الجنوب، وحيث تحولت مدن صفد وعكا وحيفا وتل أبيب، إضافة إلى نهاريا إلى مدن أشباح.
ثم لا بد من قراءة اتفاق وقف إطلاق النار جيداً، وذلك انطلاقاً من كونه يستند إلى قرار صادر عن مجلس الأمن، لا يجوز تعديله دون العودة للمجلس الذي أقره، بما يعني الحاجة لموافقة روسيا والصين، وبذلك فإنه يمكن القول، استناداً إلى أن ذلك لم يحدث، فإن الاتفاق يستند للقرار الأممي، لكنه لا يعتبر تنفيذاً دقيقاً له، وحتى أن التنفيذ المنقوص السابق، كانت أداته القوة الدولية «اليونيفيل» بينما هذا الاتفاق ضمانة التنفيذ هي الولايات المتحدة، وفرنسا بدرجة أقل على ما يبدو، وكانت هذه نقطة خلافية أصلاً في التفاوض بين الطرفين، وبقراءة الاتفاق لا بد من تبين إن كان سيكون دائماً، أي يشبه هدنة العام 1949، التي جرت بين لبنان وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة، والذي صمد على أي حال في وقف الحرب بين «البلدين»، مدة تزيد على ربع قرن، أي منذ العام 49 وحتى اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان العام 1978، حتى نهر الليطاني، وذلك في عملية عسكرية ضد المقاومة الفلسطينية التي كانت موجودة في لبنان في ذلك الوقت، بإعلان أهداف إسرائيلية مشابهة لما أعلنته خلال حربها الحالية، وفي مقدمتها إبعاد القوات الفلسطينية إلى ما وراء الليطاني.
في تلك الحرب نجحت إسرائيل في احتلال كامل المنطقة خلال 7 أيام، ولم تنسحب إلا بعد إصدار مجلس الأمن القرارين 425، 426، وتشكيل قوات «اليونيفيل» للإشراف على تنفيذ القرار الأممي وللفصل بين القوات، ويبدو أن وقف النار هذه المرة، لن يكون إلا مؤقتاً، وعلى الأرجح لن يستمر طويلاً، أو أنه قد اتخذ انسجاماً مع رغبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي طالب نتنياهو بوقف الحرب قبل تسلمه مقاليد البيت الأبيض في كانون الثاني القادم.
ثم السؤال الأهم، يبقى هو: لماذا يبدي نتنياهو هذا القدر من الاستجابة للوساطة الأميركية في ملف وقف النار مع لبنان، على عكس ما فعله تماماً في ما يخص وقف النار مع غزة؟ وهل يعود ذلك لعامل واحد، أم لعدة عوامل، منها انهاك الجيش الإسرائيلي، الذي وصل إلى لبنان بعد عام من حرب أرهقته كثيراً في غزة؟ لماذا يستجيب لوقف النار في لبنان، هذا لو كان أصلاً مطلب وقف النار، من الأميركيين أو اللبنانيين، وليس من الإسرائيليين، بينما ظل أكثر من عام يرفض وقف الحرب في غزة؟!
في الحرب الإسرائيلية على غزة، خاصة بعد مرور عدة أشهر، ارتكبت خلالها إسرائيل فصول حرب الإبادة، وتزامنت مع إطلاق تصريحات فاشية وعنصرية من قبل وزراء في الحكومة، في مقدمتهم وزير الجيش ورئيس الحكومة وبن غفير وسموتريتش، أعلنوا فيها السعي لتحقيق أهداف التهجير الجماعي بالتجويع والقتل، وضرب غزة بالقنبلة النووية، وإعادة الاستيطان، وقطع الماء والدواء والغذاء، بما أطلق رد فعل دولياً وإقليمياً رسمياً وشعبياً، وصل إلى مجلس الأمن والجمعية العامة والمحكمة الدولية، ولم يثنِ ذلك نتنياهو عن مواصلة الحرب، بينما ظل يتردد في إطلاق الحرب على لبنان، رغم مطالبة الجيش بذلك، وهذا ما أعلنه صراحة يوآف غالانت، عشية إطلاق الحرب على لبنان بعد مرور عام على إطلاق الحرب على غزة، وهذا يعني أن نتنياهو لم يهتم لردود الفعل الدولية السياسية والقضائية والشعبية، لكنه يقيم وزنا ويحسب ألف حساب للميدان، أي أنه كان يخشى بأس «حزب الله» العسكري الميداني، ولم يعطِ الأمر بشن الحرب البرية على الحزب، إلا بعد شن غارات جوية رهيبة على مواقع ومراكز الحزب في الجنوب والضاحية والبقاع، وبعد أن اغتال قيادة الحزب بمن فيهم أمينه العام.
وفعل ذلك لأنه اعتقد بأن الحزب قد انهار بضرب قيادته، وأن الطريق سيكون مفتوحاً لجيشه للوصول إلى الليطاني خلال أيام كما فعل العام 78، لكن المفاجأة كانت في تماسك الحزب سريعاً، وصده للجيش الإسرائيلي الذي عجز عن تحقيق هدفه بالتوغل البري طوال شهرين، وهكذا فإن الميدان أجبر الإسرائيليين على تعديل أهدافهم العسكرية، بحيث تقتصر على تحقيق المنجز في الملف الفلسطيني، والتراجع عن الأحلام بالتوسع والسيطرة لما هو أبعد من حدود فلسطين التاريخية/ الانتدابية.
وبالطبع فإن نتنياهو وشركاءه الفاشيين، سيقدمون وقف النار لترامب، على أنه هديتهم إليه، كاستجابة لمطلبه وهو مرشح رئاسي، وقد عبر عن ذلك بتسلئيل سموتريتش بشكل واضح، حين قال إنه على إسرائيل أن تنتظر ترامب، لأن لديها فرصة مع ترامب لتشجيع الهجرة التي سماها طوعية من غزة، وأن الهدف هو تقليص عدد السكان إلى النصف خلال عامين، وذلك من أجل ضمها هي أيضاً لدولة إسرائيل، كما يخطط الوزير الفاشي، لضم الضفة الفلسطينية رسمياً ونهائياً، وذلك استناداً إلى ما قاله ترامب نفسه خلال الانتحابات من أنه يفكر جدياً في كيفية توسيع أرض إسرائيل ذات المساحة الضيقة، وليس هناك من أرض أقرب لأن تكون مرشحة لذلك من أرض الدولة الفلسطينية، حيث يضرب الفاشيون الاستعماريون الإسرائيليون بذلك، أكثر من عصفور بحجر واحد، بتوسيع حدود إسرائيل، والخلاص من التهديد المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية.
هكذا يضمن نتنياهو الحفاظ على ائتلافه الحاكم مع وقف للنار في لبنان، أي باستمرار الحرب على غزة، حتى مع تحفظ بن غفير، فوجود جدعون ساعر، وتقديم المقابل الذي يقبل به سموتريتش، أي استمرار الحرب على غزة، يغلق فم بن غفير الثرثار، والذي على كل حال، يقوم نتنياهو باستثماره على أكمل وجه، في قبض ثمن أعلى من الجيب الأميركي، بالحديث عن الضمانة الأميركية التي من شأنها أن تسمح لإسرائيل بأن تشن الحرب على لبنان في وقت لاحق لن يكون بعيداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى