اخبار

القمة العربية وسؤال فلسطين..: جمال زقوت

من الواضح أن حكومة تل أبيب الفاشية، وبفعل الحصانة المطلقة التي توفرها الإدارات الأمريكية المتعاقبة والآن على يد بلطجة ترامب، ليس في واردها وقف الحرب، أو ما بات يعرف بالوقف الدائم لإطلاق النار في قطاع غزة. فقد أعلنت تلك الحكومة، بغطاء كامل من البيت الأبيض ومبعوثه ستيف وتكوف، وقف تنفيذ الاتفاق. فحتى لو كان ذلك ابتزازاً تفاوضياً، فهذا يعني أن نتنياهو ماضٍ في مخطط الإبادة والضم التهجير، إذ أنه يرى في التحولات الدولية، التي يقودها ترامب لإبطال قواعد القانون الدولي ومرجعيات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فرصته الذهبية للمضي نحو تصفية القضية الفلسطينية.

لا شك أن جوهر ما يعرف بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار هو سياسي بالدرجة الأولي، حيث كان يشمل انسحابات الجيش الاسرائيلي الكامل من قطاع غزة، بما في ذلك من ممر صلاح الدين” فيلادلفيا”، ومن معبر رفح، وإعادة تشغيله وفقاً لاتفاقية المعابر لعام 2005، هذا بالإضافة إلى الالتزام بتنفيذ البروتوكول الإنساني، تمهيداً لمرحلة اعادة الإعمار . من المؤكد أن نتنياهو يقف على خيط رفيع، بين استراتيجيته لعزل قطاع غزة عن الكيانية الوطنية، وبين عودة حماس لحكم القطاع، في حال استمرار تعثر وحدة الموقف الفلسطيني . فذلك سيعني بالنسبة له الهزيمة الشائنة لشعار القضاء على حماس، وهو ما سيعرِّيه تماماً أمام خصومه في النظام السياسي الاسرائيلي. 

حركة حماس ومنذ ديسمبر 2023 قدمت للقاهرة مقاربة تسحب ذرائع نتنياهو، لجهة ما يسمى باليوم التالي، حيث تبنت موقفاً ثابتاً حتى اللحظة، والذي بموجبه تتخلى عن حكم غزة، والذي هو في الواقع خطوة استراتيجية لإنهاء الانقسام، لصالح التوافق الفلسطيني على حكومة وفاق انتقالية غير فصائلية . و قد تم ترسيم ذلك، وبما يشمل قضايا وطنية كبرى، في اعلان بكين باجماع كافة الفصائل الفلسطينية المنضوية في إطار منظمة التحرير وغير المنضوية فيها حتى الأن.

 المياه العكرة التي تمثلها حالة الانقسام الفلسطيني، و التي لشديد الأسف لم تشفع عشرات آلاف الضحايا لطي صفحتها، يصطاد فيها نتنياهو لاستمرار حرب التصفية الشاملة، حيث يجري توسيع نطاقها في الضفة الفلسطينية المحتلة. بكلمات أخرى مباشرة، فإن عدم الانصياع لارادة الوحدة، التي باتت حاجة وجودية، تصب في طاحونة مخططات نتنياهو نحو تحقيق مآربه العنصرية والفاشية وصولاً للتطهير العرقي واسع النطاق، سيما أن كافة حروب اسرائيل فشلت وستفشل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني في البقاء والصمود على أرض وطنه، في وقت أن النظام السياسي في اسرائيل بدلاً من الاعتراف بحقيقة الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره على أرض وطنه، فإنه يستمر في عدوانه بل ويصعد من جرائمه . 

العالم بأسره، بما في في ذلك الدول العربية، مشغول، بما يسمى “اليوم التالي” . إلا أنه في الوقت الذي يجب أن يتركز حول مسؤولية المجتمع الدولي لمعالجة ما دمرته الحرب، فإن اسرائيل وحلفاؤها، وخاصة واشنطن يعتبرونه اليوم التالي بعد حماس، بل بعد اجتثاث حماس. وفي الوقت الذي يدركون استحالة تحقيق ذلك، فإنه يعني استمرار حرب التصفية بذرائع مختلفة، إن لم يقف العالم، وفي مقدمتهم الفلسطينيون للاتحاد في مواجة هذه العنصرية الدموية. فنحن أصحاب القضية التي يريد نتنياهو الاجهاز عليها، تمهيداً لفتح الباب أمام الهيمنة الاسرائيلية الشاملة على المنطقة برمتها. 

في هذا السياق يستمر الحديث الأجوف حول من سيدير غزة؟ ومن سيتولى اعادة إعمارها؟ والتعامل معها كيتيمة منزوعة عن كياناتها الوطنية الجامعة. وهنا لا بد من قول الحقيقة المرّة، وهي أن الانقسام الذي تسببت به حركة حماس عام 2007 قد أضرّ بالقضية الوطنية، إلا أن فشل القيادة المتنفذة في احتوائه، وبما يعزز شرعية التمثيل الوطني، ويغلق الثغرات المميتة التي يسعي نتنياهو لتوظيفها، قد أضر بالقضية الوطنية بصورة عميقة وبعيدة المدى، سيما أن هناك معادلة حظيت بالإجماع الوطني والشعبي على حد سواء متمثلة باعلان بكين، والتي من شأنها تعزيز المنعة الفلسطينية، وللأسف فإن استمرار مثل هذه السياسية لم يتوقف عند هشاشة الحالة الوطنية، بل، فإنه يأخذها إلى أخطر المسارب، والتي بالتأكيد أحد أعراضها أن يخرج البعض لتقديم أوراق اعتماد لنيل الثقة بالوكالة التي تسعى اسرائيل لترسيتها على من يذهب بعيداً في استرضائها، وبما يضرب أي شرعية للكيانية الوطنية الجامعة. نحن بحاجة لترميم كل الشرعيات ولا طريق لذلك سوى الانتخابات، ولكن جرح غزة وألمها لا يحتمل الانتظار، كما أن غزة التي طالما شكلت رافعة للوطنية الفلسطينية لن تقبل مقايضة اعادتها للحياة الطبيعية على جثة القضية والمصير الوطني ، خاصة أن لدينا اتفاقاً يحقق الأمرين.. إنقاذ غزة، و صون المصير الوطني، وبالتأكيد ليس بالانصياع لمخططات هندسة النظام السياسي الفلسطيني وفق الأهداف والرؤية الاسرائيلية.

هنا تتحدد مسؤولياتنا، وتستمر الحاجة لاستمرار طرح  السؤال المشروع، وهو لماذا يستمر العناد والنأي بالنفس عن تنفيذ متطلبات إعلان بكين وكل ما سبقه من أفكار فلسطينية وجهود عربية وغير عربية لإنهاء مأساة الانقسام الكارثية، وهذا السؤال بات من المُلح توجيهه للأشقاء العرب، وهو هل المدخل لإنقاذ غزة بتجاهل تمثيلها؟! أم أنه، وفي ظل الظروف الحالية، سيما اتضاح المخططات التي تستهدف الأمن القومي العربي ذاته، فإننا نتطلع إلى تكثيف سعيهم لتعزيز هذا التمثيل بوحدة وطنية راسخة، وفق أسس واقعية تستند للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأن تكون قاطرة الجهود العربية والدولية لإنقاذ غزة واعمارها، بل وانقاذ المصير الوطني برمته. فهذا ما نتوقعه من الأشقاء العرب، وهذا ما نعتقد أن على القمة العربية أن تتصدى له، بما يحمي الحقوق الفلسطينية والأمن القومي والمصالح العربية في هذا المنعطف التاريخي الأكثر خطورة منذ نكبة 1948 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى