اخبار

القنوات الإخبارية والدينية: اختلاف في المظهر واتفاق في الهدف.. إبراهيم ابراش

قبل أكثر من 15 غاما وتحديدا في يونيو 2010 ومع إرهاصات ما يسمى (الربيع العربي) كتبنا مقالا تحت عنوان :(الفضائيات من ناقلة للخبر إلى صانعة للحدث)، وذلك بعد أن رأينا الدور الذي قامت به بعض الفضائيات وخصوصا الجزيرة في تأجيج الفوضى والتحريض على أنظمة الحكم القائمة ومساعدة واشنطن في تطبيق سياسة الفوضى الخلاقة التي نظرت لها الإدارة الأمريكية وخصوصا كونداليزا رايس، وقد واصلت قناة الجزيرة وقطر دورهم حتى بعد انكشاف حقيقة (الربيع العربي) وما ألحقه من خراب ودمار في العالم العربي.

في ذلك الوقت تزامن ظهور الفضائيات الاخبارية الناطقة بالعربية المستحدثة والمعولمة مع انتشار جماعات الإسلام السياسي كأحد أدوات الفوضى والتخريب وثقافة دينية شكلانية طفوسية متطرفة ومتخلفة وفضائيات ومنابر إعلامية دينية تتكاثر يوميا لترويج هذه الثقافة، والملاحظ أن من كان ينفق على هذه الفضائيات والجماعات الإسلامية المتطرفة بشكل مباشر أو غير مباشر جهات خليجية رسمية أو مؤسسات مجتمع مدني ورجال اعمال خليجيين أو مرتبطين بجهات استعمارية غربية وخصوصا واشنطن.

 وهكذا تضافرت جهود الفضائيات الإخبارية المستحدثة والمعولمة مع الفضائيات والمنصات الإسلامية في تشتيت وحرف اهتمامات الشعوب والترويج الأكاذيب والأخبار الملفقة ونشر ثقافة دينية سياسية نشرت الفوضى والفتنة وروجت للطائفية وأفقدت الشعوب ثقتها بثوابتها وهويتها، ولا فرق بين مذيعي ومقدمي برامج وضيوف يلبسون بدلات أنيقة  ويلحقون اسمهم بالدكتور أو الحبير السياسي والاستراتيجي أو اللواء أو مدير مركز أبحاث ،ومقدمات برامج جميلات انيقات في لباسهم ولغتهم من جانب، ورجال دين ملتحين ومعممين و محجبات ومنقبات  يتلاعبون بالنصوص الدينية  وأقوال السلف الصالح بما يخدم نفس سياسة ومرجعية الجهات الممولة لهم.

 بالنسبة لبعض الفضائيات الاخبارية الناطقة بالعربية المستحدثة والمعولمةوخصوصا قناة الجزيرة فإن سقوط ٥٠ أو ١٠٠ أو أكثر يوميا في قطاع غزة وتدمير مربعات سكنية بكاملها يعتبر حدثا عاديا وروتينيا وحالة مستمرة منذ حوالي 22 شهرا، أما قتل جندي أو اثنين من جنود الاحتلال أو تدمير دبابة أو جرافة أو أكثر يعتبر حدثا خطيرا وغير عادي وسيغير مجرى المعركة كما يقول ضيوفها المنتقين جيدا ليقولوا ما يتوافق مع سياسة الفضائية حتى وإن قالوا سخافات وما ينم عن جهلهم السياسي والجغرافي بفلسطين والصراع بشكل عام.

ووجود خلافات إسرائيلية بين الحكومة والمعارضة أو بين المستوى العسكري والمستوى السياسي على الجزئيات والتفاصيل الصغيرة حول الحرب ولبيس حول مبدأ الحرب، يعتبر حدثا خطيرا وكبيرا يستحق استضافة عشرات المحللين السياسيين والاستراتيجيين عربا وإسرائيليين ومن مراكز أبحاث دولية ليناقشوا هذه القضية التي تنذر من وجهة نظرهم بانهيار دولة اسرائيل!،بينما استمرار الانقسام وغياب التوافق الفلسطيني والعربي على كل شيء وفقدان حركات المقاومة المسلحة لحاضنتها الشعبية وغياب استراتيجية مقاومة والغموض حول المفاوضات واستمرار التطبيع مع العدو الخ  يعتبر حدثا عاديا.

الموت جوعا في قطاع غزة ومنع إسرائيل دخول الغذاء والدواء وعجز كل دول العالم وحتى الدول العربية والإسلامية المطبعة مع إسرائيل على اقناع أو اجبار إسرائيل وقف المجاعة يعتبر حدثا عاديا وروتينيا وهم معذورون في ذلك من وجهة نظر هذه الفضائيات ما دام كل شيء بيد إسرائيل وأمريكا، أما نجاحهم في إدحال بعض الطعام والدواء وفي كثير من الأحيان لمواليهم وانصارهم بموافقة إسرائيل وعبر الجو أو التجار ووسط ضجيج إعلامي فيعتبر حدثا عظيما واختراقها للحصار الإسرائيلي مما يسقط عن الدول المعنية أية مسؤولية عما يجري في قطاع غزة!

الملاحظ أن هذه الفضائيات والمنصات الدينية تستعين دائما بشيوخ ورجال دين وقيادات فلسطينية من حركة حماس ومن عرب ومسلمين ليهونوا من شأن معاناة أهل قطاع غزة بل ويعتبرونها واجبا دينيا بل وتصل ببعضهم الوقاحة ليزعم إن معركة غزة منصوص عليها في القران والأحاديث النبوية

مئات الفضائيات الإخبارية والدينية العربية والاف المحللين السياسيين والاستراتيجيين ورجال الدين فلسطينيين وعرب لم يؤثروا على توجهات ومواقف الرأي العام العربي تجاه ما يجري في القطاع وفلسطين ولا في زيادة وعي وادراك الشعوب العربية والاسلامية بجوهر الصراع وحقيقته وما يحاك ضدهم بل عززت ثقافة التجهيل والكراهية وروجت للرواية الصهيونية اليهودية، ولم يستطيعوا تحريك حتى مظاهرة كبيرة في عواصم دول الفضائيات المستحدثة وخصوصا الخليجية حتى يٌمنع في بعضها رفع علم فلسطين ،بينما مقال أو تقرير أو صورة في فضائية أو وكالة أنباء غربية أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي يتحدث عن جرائم الاحتلال وعن تجويع أهالي غزة تٌخرج مظاهرات بمئات الآلاف في عواصم ومدن الغرب الاستعماري تحمل أعلام فلسطين وتردد شعارات معادية لإسرائيل وضد سياسات دولهم! 

والسؤال: ماذا استفادت الشعوب العربية وقضاياها المصيرية من هذه الفضائيات؟ ومن استفاد منها أكثر: الشعوب العربية والفلسطينيون ومن يناصرهم؟ ام اسرائيل والسياسة الأمريكية في المنطقة مما يعزز ما سبق أن كتبنا عنه بأن تأسيسها كان جزءا من مشروع بناء الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة مما يُفقد المنطقة العربية هويتها ويشوه تاريخها؟

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى