اخبار

المشهد الراهن والمصير الوطني..جمال زقوت

المشهد الراهن والمصير الوطني..جمال زقوت

2025 Feb,03

 

منذ نجاح ترامب في السباق الرئاسي، وقبل دخوله البيت الأبيض، ثمة أسئلة كبرى، بل ومفصلية تطرح أمام الرأي العام حول مستقبل القضية الفلسطينية و الشرق الأوسط ومكانة اسرائيل في المنطقة. فبعد أن أُجْبِرَ نتنياهو على قبول اتفاق وقف إطلاق النار، وتحريك عجلة تنفيذ المرحلة الأولى، سرعان ما توالت الأسئلة حول مصير هذا الاتفاق، وإمكانية التقدم نحو المرحلة الثانية التي كان من المفترض أن يبدأ التفاوض حولها مع نشر هذا المقال. داخل المجتمع الاسرائيلي ومقارنة بالأهداف التي حددها نتنياهو من حربه على القطاع ومقولة النصر المطلق، فقد أُعتُبِرَ الاتفاق فشلاً سياسياً وعسكرياً، بينما انعكست حدة تصاعد حالة الانقسام الداخلي في أوساط الفلسطينيين على الموقف من الحرب ونتائجها، الأمر الذي ساهم في حرف البوصلة الوطنية ازاء كونها حرب إبادة وحشية، وَثَّقتها المحاكم الدولية والرأي العام الدولي رغم فشلها المريع في اجتثاث إرادة مقاومة الاحتلال وارادة البقاء في مواجهة مخططات التطهير العرقي .

هل يصمد الاتفاق ؟ نعم، طالما أن الأسباب التي أدت إلى إبرامه قائمة، وهي اصرار ترامب على ذلك، وتحولات الرأي العام في اسرائيل، والصمود الفلسطيني بما في ذلك استمرار فعَّالية المقاومة .
ولكن هل سيعمل نتنياهو على تخريب الاتفاق؟ بالتأكيد سيعمل على ذلك، أو على الأقل الحصول مواقف من ترامب تجعل من تنفيذ الاتفاق متطابقاً مع أهدافه المعلنة وغير المعلنة، وهي القضاء على حماس، والتهجير . وفي هذا السياق يمكن قراءة تصريحات" بالونات" ترامب حول تهجير الغزيين إلى مصر والأردن وغيرها. كما أن هذا يفسر قرار نتنياهو بخصوص ارجاء بدء مفاوضات المرحلة الثانية، بما في ذلك نيته لتغيير طاقم المفاوضات حتى يتبين له ما سيحصل عليه من ترامب. 

أولوية ترامب تتجه نحو السعودية سواء لجهة الحاجة الاقتصادية لاستثماراتها في الولايات المتحدة، أو لجهة صفقة التطبيع مع اسرائيل، وبما يشمل احتمالية الاصطفاف في مواجهة ما يمكن تسميته بالمحور الصيني الروسي الإيراني والأولويات التي يتضمنها ذلك، لجهة احتواء أو ضرب ايران. هنا يبرز السؤال ما هو الثمن الفعلي الذي ستسعى السعودية الحصول عليه من واشنطن وتل أبيب مقابل التطبيع مع اسرائيل والاستثمار في الولايات المتحدة، خاصة بعد الحرب؟ وهذا يأخذنا إلى السؤال الجوهري والمركب بأبعاده المختلفة وهو ما هي الرؤية الفلسطينية التي يمكن أن تُبقي حيوية ما وَلَّدته الحرب من تصدر القضية الفلسطينية لأولوية الاهتمام الدولي سواء على صعيد الرأي العام الشعبي وكذلك على الصعيدين القانوني والإعلامي؟ وهل يمكن تحويل ذلك إلى مواقف سياسية ملزمة للغرب والمجتمع الدولي ؟ وكيف لذلك أن يتحقق في ظل المزيد من مظاهر حدة الانقسام بدلاً من احتوائه كمتطلب وجودي بفعل الحرب وتداعياتها ومخاطرها السياسية، ليس فقط في قطاع غزة"التهجير"، بل وفي الضفة الغربية وهي المعركة الاستراتيجية لتصفية القضية الفلسطينية من وجهة نظر عتاة اليمين الفاشي داخل حكومة تل أبيب وخارجها. هنا يطل سؤال المليون والذي على مدى الإجابة الموحدة عليه يمكن للفلسطينيين أن يضعوا مصالحهم الوطنية العليا على طاولة التفاعلات الإقليمية والدولية، وهو ما هي مسؤوليتنا لتحقيق ذلك ؟

بعكس المتوقع من أي جهة فلسطينية لمواجهة المخاطر المحدقة، فقد أغرقت القيادة المتنفذة في السلطة في الوهم، معتقدة أن ذلك ربما يوفر خشبة خلاص. وبدلاً من بحث الاستراتيجيات الكفاحية، في سياق مراجعة موضوعية للخيارات السياسية والكفاحية، و مدى نجاعة خيار السمة التي سادت في أشكال المقاومة، والتوافق على رؤية وطنية جامعة، فهي تنزلق نحو صدامات أمنية ثبت فشلها، ناهيك عن تعاظم احتمال الانزلاق إلى حرب أهلية الذي يُمكن أن يترب حتى عن مجرد التفكير في تنفيذ مثل هذه السياسة الأمنية في قطاع غزة .

لا يمكن لأي جهة إقليمية أو دولية أن تأخذ الحالة الفلسطينية بجدية، ما لم يتعامل المهيمنون على القرار الفلسطيني بالجدية المطلوبة على الصعيدين الداخلي والخارجي" العربي والإقليمي والدولي" على حد سواء. من الواضح تماماً أن الحرب الحقيقية قد بدأت فعلياً بعد وقف إطلاق النار، وملامحها الأساسية من وجهة نظر نتنياهو إبقاء الفلسطينيين غارقين في انقسامهم، بل ودفعه نحو الانفصال، لتنفيذ مخططاته في تصفية القضية الفلسطينية، سواء لتركيب هيئة حكم محلية في القطاع تتناغم مع المشروع الاسرائيلي، تمهيداً لخلق هيئات حكم شبيهة في كانتونات الضفة، أو لجهة التهجير بمنع اعادة مقومات حياة الناس في غزة، أو تكرارها في مخيمات الضفة، على الأقل لتصفية المخيمات، متطلعة على الأقل لتصفية قضية اللاجئين بتصفية الأونروا الجهة الدولية الوحيدة الراعية لمصالح اللاجئين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.

في المقابل فإن استعجال اليأس من قبل قوى المقاومة ازاء إمكانية قبول الرئيس تنفيذ اتفاق بكين، و تعجلها نفض اليد منه، سيؤدي بالتأكيد موضوعياً إلى عودة صيغة الحكم السابقة . إن هذا الأمر لن يعطل الإعمار فحسب، بل وقد يؤدي إلى عودة نتنياهو للحرب، وإن تَجَّنب الغوص مجدداً في وحل غزة و رمالها المتحركة، وفي كل الأحوال مواصلة حربه لاجتثاث مخيمات الضفة، مدعياً أنه مضطر لذلك بعد أن أوقع السلطة في هذا الفخ المشين .

استمرار غياب قيادة موحدة في إطار المؤسسات الوطنية الجامعة، كما الإصرار على تفادي الوفاق، وعدم وجود أي مطبخ سياسي، ليس سوى وصفة لنزع ما تبقي من عناصر قوة، إن كان ما يزال في أيدى المهيمنين على القرار أي ٌمنها، بل والتفريط بما ولدته الحرب من بعض عناصر هذه القوة، سيما لجهة التحولات في الرأي العام الدولي، والمضي بسياسة استرضاء الاحتلال والرهان على واشنطن. من ناحية أخرى لا يُمكن التسليم بعودة معادلة الحكم والانقسام كما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، وليس في أيدينا من بديل للإنقاذ سوى ما تضمنه اجماع الفلسطينيين في بكين . هنا يجب تركيز الضغط الشعبي، والقيام بكل ما من شأنه انقاذ المشروع الوطني،ومنع الانزلاق نحو احتراب داخلي يهدد ما تبقى من قضية هي الأعدل في التاريخ. هذه مسؤولية ملايين الفلسطينيين، ويجب منع وإسقاط كل من يغامر في تبديدها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى