اخبار

باحثان إسرائيليان: نزع السلاح الكامل من غزة حتى “الكلاشينكوف الأخير” يشبه تفريغ البحر بملعقة

يرى باحثان إسرائيليان، جنرالان في الاحتياط، أن هناك أربع طرق لإنهاء الحرب، واحدة منها فقط لن تُلحق ضررًا جسيمًا بإسرائيل.
يقول الباحثان عاموس يادلين (قائد الاستخبارات العسكرية سابقًا)، والباحث أودي أفينتال (مدير سابق لوحدة التخطيط الإستراتيجي في وزارة الأمن)، في مقال مشترك نشره موقع القناة 12 العبرية، إنه في حين لا يبدو أيّ أفق لنهاية الحرب في غزة، تتبلور أربعة نماذج، أو مقاربات لإنهائها واستنفاد أهدافها؛ الأول، هو “النصر التام” الذي يروّجه رئيس الحكومة، ويتحدث عن الحسم العسكري والسياسي مع حركة “حماس”، ونزع سلاح القطاع بالكامل، وإعادة جميع الأسرى. والثاني، هو “نموذج ويتكوف” (الأصلي) القائم على وقف القتال، في مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى (بخلاف الاقتراح الذي لم تقبله “حماس” بشأن الإفراج عنهم في نهاية التهدئة). أما الثالث، فهو إنهاء الحرب بقرار يُفرض دوليًا، وهو “النصر الذكي” الذي يتحدث عن قبول إسرائيل إنهاء الحرب، واعتباره رافعة للإفراج عن جميع الأسرى دفعة واحدة، وتحقيق بقية أهداف الحرب في المدى البعيد، في موازاة تمهيد الطريق نحو دفع عملية التطبيع مع السعودية، وترتيب الأوراق في مواجهة التهديد النووي الإيراني. والرابع يقضي بوقف الحرب والتبادل دفعة واحدة، على أن يتم رهن الإعمار بنزع سلاح غزة.

وطبقًا لهما، يُظهر تحليل جميع النماذج أن ثمن “النصر التام” باهظ للغاية، وهو يقود إلى احتلال القطاع حتمًا، وتأسيس إدارة عسكرية فيه، وتحمُّل إسرائيل وحدها عبء المسؤولية عن حياة السكان الفلسطينيين في القطاع، والانزلاق إلى منحدر خطِر نحو وضع “الدولة المنبوذة” تحت طائلة العقوبات.
يتحدث نموذج “النصر التام” عن الحسم الكامل في القطاع، عبر دفع سكان غزة إلى مناطق محددة، والسيطرة على توزيع الغذاء، واحتلال المناطق المتبقية و”تطهيرها”، حتى نزع سلاح القطاع كله، ونفي قادة “حماس”، وتطبيق “خطة ترامب” بشأن الهجرة الطوعية (رغم عدم وجود دولة مستعدة لاستيعاب الغزيين).

ويمضيان في نقدهما: “عندما يوضح رئيس الحكومة أنه حتى إذا أوقفنا القتال من أجل تنفيذ صفقة أسرى جزئية (وفق نموذج ويتكوف)، فإن التوقف سيكون مؤقتًا فقط، وستُستأنف الحرب في أيّ حال، وفي الواقع، هو يضمن (على ما يبدو، عن قصد) بذلك أن ترفض “حماس” الصفقة، وألا تُفرج عن الأسرى”.

احتلال عسكري مكلف
ويقولان إن نزع السلاح الكامل من غزة “حتى الكلاشينكوف الأخير” يشبه، إلى حد كبير، تفريغ البحر بملعقة، ويضمن بقاء إسرائيل في القطاع أعوامًا، إن لم يكن عقودًا. ويعتقدان محذّرَين أنه نتيجة استنكاف إسرائيل عن بناء بديل لهيمنة “حماس” على السكان، فإن الفراغ الذي سيسبّبه الضرر العسكري الذي يلحق بـ”حماس”، وبسيطرتها على غزة، سيُملأ من جديد، إما من جانب إسرائيل نفسها، وإما عن طريق عودة عناصر التنظيم “الإرهابي” وآلياته الحاكمة والعسكرية، بالتدريج، إلى المناطق التي ستنسحب منها.

ويضيفان: “فعليًا، هذا ما يحدث لنا في غزة منذ بداية الحرب، ففي ظل غياب بديل من “حماس” (وهو ما يجب أن تنتجه القيادة السياسية)، حتى لو قمنا بزيادة عدد القوات المقاتلة، وتوسيع العمليات وتكرارها، فلن تُحل المشكلة، فمن دون بديل من “حماس”، سينزلق الجيش الإسرائيلي إلى داخل غزة، أكثر فأكثر، حتى الوصول إلى تشكيل إدارة عسكرية بحكم الأمر الواقع”.

ويقولان إن أثمان احتلال غزة، وتأسيس إدارة عسكرية، وتحمُّل المسؤولية عن حياة السكان الفلسطينيين، ستكون باهظة جدًا بالنسبة إلى أمن إسرائيل ومستقبلها؛ وهذا سيكون بمثابة حُكم بالإعدام على الأسرى، وسيتسبّب بإزهاق أرواح جنود نظاميين واحتياطيين في حرب استنزاف عديمة الجدوى، وبعبء هائل على كاهل الجيش والاقتصاد وسوق العمل، فضلًا عن العزلة السياسية وفرض العقوبات، وتأجيل عملية التطبيع والاندماج في المنطقة، والإضرار بالعلاقات مع دول الغرب، وفي مقدمتها حليفتنا الكبرى والوحيدة، الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلاوةً على ذلك، يقولان أيضًا إن الواقع الذي تصبح فيه إسرائيل هي الجهة التي “تفرض النظام” في غزة، يمكن أن يتحول إلى وضع مريح لجميع اللاعبين الآخرين، وعندها ستبتعد الساحتان الإقليمية والدولية عن التدخل في غزة، لتُترك إسرائيل وحدها مع المشكلة، وسيعلق الجيش الإسرائيلي داخل القطاع أعوامًا.

ويوضحان أنه بدلاً من ذلك، فإن توسيع الحرب في غزة واستمرارها من دون جدوى، أو نهاية منظورة، يمكن أن يؤدي إلى تحرّك دولي لفرض إنهائها على إسرائيل (“نموذج الفرض الدولي”). وربما توقف الولايات المتحدة والعالم، اللذان يفقدان صبرهما إزاء تفاقم الأزمة الإنسانية والمشاهد القاسية للقتل في صفوف الأبرياء، والجوع في القطاع، إسرائيل، من خلال قرار في مجلس الأمن، أو التهديد بفرض عقوبات، على سبيل المثال، ويفرضان عليها إنهاء الحرب بشروط سيئة بالنسبة إليها.

وطبقًا لهما، فإنه في هذا السيناريو، ستفقد إسرائيل القدرة على التفاوض والسيطرة على شروط وقف الحرب، بصورة يمكن أن تبدد جميع الإنجازات العسكرية ضد “حماس”، والتي تحققت بدماء الجنود، ومن المرجّح أن يكون عدد الأسرى الأحياء الذين سيُعادون أقل، وأن “حماس” لن تُفكك.

نموذج ويتكوف
كما يوضحان أن إسرائيل تعلن استعدادها لوقف الحرب مؤقتًا من أجل تنفيذ “نموذج ويتكوف”، الذي يقضي بوقف القتال مدة شهرين، في مقابل تنفيذ صفقة تبادل أسرى جزئية، وتقديم ضمانات لـ”حماس” تتعلق بعدم استئناف الحرب، وإجراء مفاوضات بشأن إطلاق سراح بقية الأسرى، وموافقة “حماس” (على الأقل نظريًا) على التنازل عن الحكم، لتدير القطاع قوات عربية ودولية، بمشاركة السلطة الفلسطينية، بدلًا من “حماس”، وذلك وفقًا للمبادرة المصرية- العربية بشأن إعادة إعمار غزة.

لكن المشكلة في “نموذج ويتكوف”، حسب يادلين وأفينتال، هي أنه يضع إمكان نجاة جميع الأسرى الأحياء موضع شك، ويُفضي إلى “اختيار” قاسٍ ينطوي على صفقة يتم فيها إطلاق سراح قسم منهم فقط في المرحلة الأولى. أما في المرحلة الثانية، فستُجري الأطراف مفاوضات بشأن إنهاء الحرب واستبدال حكم “حماس”، وفقًا للمبادرة التي طرحتها مصر ودول عربية لإعادة إعمار القطاع، وذلك من دون أي ارتباط لذلك بنزع السلاح، ومع توقّع تعرض إسرائيل لضغوط شديدة من أجل عدم العودة إلى القتال.

نموذج “النصر الذكي”
ويقولان إن مركز “مايند إسرائيل” بلور نموذجًا إضافيًا هو “النصر الذكي”، الذي يدمج مزايا جميع النماذج، ويُقلّل من عيوبها. وإن الخطة المستندة إلى إنجازات الحرب والضغط الذي تمارسه عملية “عربات جدعون” على “حماس”، تقضي بموافقة إسرائيل على إنهاء الحرب والانسحاب من غزة، في مقابل الإفراج الفوري عن جميع الأسرى، وربط تنفيذ الخطة المصرية- العربية لإعادة إعمار غزة، والتي تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، بنزع سلاح القطاع ومنع إعادة التسلّح في المستقبل.

وينبهان إلى أنه في حال لم تُعِد “حماس” جميع الأسرى، ولم تنزع سلاحها، أو إذا حاولت إعادة بناء قوتها والتعاظم من جديد، فإن إسرائيل ستعود، بموافقة الطرف الأمريكي، إلى بذل جهد عسكري واسع في القطاع، بحيث تُوجَّه المسؤولية عن تجدُّد الحرب والضغوط الدولية نحو “حماس”.

ويواصلان توصيف مقترحهما: “ستطرح إسرائيل على الطاولة موقفًا مفصلًا بشأن شروط إعادة إعمار القطاع في سياق نزع السلاح، وستستقطب دعم الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية لمطالبها. في المرحلة الأولى، ستوافق إسرائيل على تقديم مساعدات إنسانية فقط، تشمل الغذاء الأساسي، والوقود الحيوي، ومساكن مؤقتة للنازحين، وسيُجرى التوضيح أن إعادة الإعمار الشاملة للقطاع وإزالة الأنقاض بصورة واسعة، وبناء بنى تحتية دائمة للسكن، وشبكات كهرباء، ومياه، ونقل، واقتصاد، أمور كلها ستكون مشروطة بالنزع الكامل للسلاح”.

ما الذي سيشمله نزع السلاح؟
ويقولان إن هناك تفاهمات واضحة بين جميع الأطراف على أن “حماس” لن تسيطر على غزة، وستُسلّم أسلحتها وتفكّك بنيتها التحتية “الإرهابية” (مواقع إنتاج، ومخازن أسلحة، ومنظومات قيادة وسيطرة، وما شابه) فوق الأرض، وتحتها بصورة خاصة. وستُنفّذ التفكيك قوات عربية وشركات أمنية خاصة، وبناءً على رقابة صارمة ومهنية.

ولتحقيق ذلك، سيُطلب من القيادتين العسكرية والسياسية لـ”حماس” مغادرة القطاع، وسيُغلق ممر فيلادلفيا أمام التهريب، بالتعاون بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة.

كما يقولان إن على إسرائيل أن تسعى لتفاهمات مع الدول العربية والولايات المتحدة بشأن آلية رقابة فاعلة، وتفاهمات ثنائية مع واشنطن، على غرار تلك التي تم التوصل إليها بشأن وقف إطلاق النار في لبنان، والتي تضمن للجيش الإسرائيلي المحافظة على حقه في فرض نزع السلاح أينما وُجدت معلومات عن أسلحة وقدرات عسكرية لا تتم معالجتها في إطار الاتفاق، والاستمرار في ملاحقة منفّذي هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والمسؤولين عنه.

وطبقًا لهما، فإن الدفع في اتجاه نزع متدرج للسلاح في غزة، وهي عملية ستستغرق أعوامًا طويلة، وتُبنى عليها إعادة إعمار القطاع (“منطقة لا يُنزع سلاحها، لا يُعاد إعمارها”)، وسيكون من الضروري وجود بديل من “حماس” يستند في البداية إلى قوات عربية تعمل على تفكيك حكمها وسلاحها بالتوازي، وكذلك على السيطرة على المساعدات التي ستتدفق إلى غزة، وعلى عملية إعادة الإعمار.

ويتابعان: “بالتدريج، سيُدمج في الآلية فاعلون فلسطينيون محليون، بمن فيهم أولئك الذين لهم صلة بالسلطة الفلسطينية، بشرط أن تُجري السلطة الإصلاحات المطلوبة، وهي نفسها التي تطالب بها الدول العربية كشرط لمشاركتها في الحكم في غزة”.

في الخلاصة
في الخلاصة، يرجّحان أنه ربما يؤدي نموذج “النصر التام” إلى استعباد إسرائيلي كامل لغزة واحتلالها، وإدارة حياة السكان الغزيين. وفي المقابل، تملك إسرائيل رافعة قوية لتفكيك حكم “حماس” وإزالة التهديد العسكري من غزة في المدى البعيد، وذلك عبر ربط إعادة الإعمار بعملية نزع السلاح، وتجنيد دول المنطقة والعالم لتحقيقه، وهذا بشرط أن تُحسن إسرائيل صوغ شروط ومقايضات لموافقتها على إنهاء الحرب، بدلًا من اللهاث وراء وهم “النصر التام” الذي يتركها وحيدة في مواجهة مشكلة غزة، ويعكّر علاقاتها بالولايات المتحدة، ويقوّض مكانتها في المنظومة الدولية، ويعرّضها للعقوبات والاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية، ويُبعدها عن مسار التطبيع وتركيز الاهتمام على الساحة الإيرانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى