باحثة فرنسية: إعلان نتنياهو رغبته في إعادة الرهائن أحياءً وأمواتًا يعني أن الكابينت قرر التضحية بهم

في مقال رأي نشرته بصحيفة “لوموند” الفرنسية، تحت عنوان “الحرب التي تُشن على غزة سياسية ولا تملك تفسيرًا عسكريًا”، توقّفت الباحثة الفرنسية المعروفة أنييس لوفالوا، رئيسة “معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط”، عند تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أعلن رغبته في السيطرة الكاملة على قطاع غزة.
فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الخميس 7 آب/أغسطس، رغبته في السيطرة على قطاع غزة، المحتل بالفعل بنسبة 80%، وذلك بهدف نزع سلاح حركة حماس، وإعادة الأسرى – أحياءً وأمواتًا – ونزع السلاح عن القطاع، وفرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأرض، وإنشاء إدارة مدنية بديلة عن حماس والسلطة الفلسطينية. فما معنى هذه التصريحات؟ وبأي شكل تمثل مرحلة جديدة في الحرب التي تشنها إسرائيل؟ تتساءل الباحثة الفرنسية المعروفة.
أنييس لوفالوا اعتبرت أن أوّل ما يمكن ملاحظته هو أن شيئًا لم يُذكر حول كيفية تطبيق هذا المخطط، وأنه بعد اثنين وعشرين شهرًا من حرب قاسية ضد القطاع الفلسطيني الصغير، لم ينجح الجيش الإسرائيلي في إعادة الرهائن الإسرائيليين، رغم الوسائل العسكرية الهائلة التي استُخدمت. ولم تتم عمليات الإفراج إلا أثناء فترات الهدنة وبالاعتماد على التفاوض. وعندما يعلن نتنياهو الآن رغبته في إعادتهم أحياءً وأمواتًا، فهذا يعني أن مجلس الأمن المصغر (الكابينت) قد قرر بوعي التضحية بهم. وقد صرّح وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، في 22 نيسان/أبريل، بأن إنقاذ الرهائن لا يشكل “الهدف الأهم” لإسرائيل في حربها ضد حماس.
وتابعت الباحثة الفرنسية القول إن الوزراء اليمينيين المتطرفين المشاركين في الائتلاف الحكومي واضحون جدًا في هذا الشأن، فهم يريدون إعادة احتلال قطاع غزة. كما يسعون للانتقام بعد تفكيك المستوطنات، وهو القرار الذي نفذه رئيس الوزراء آنذاك، أريئيل شارون [1928-2014]، قبل نحو عشرين عامًا بالتمام. هذا الرأي يبقى أقلية داخل البلاد، لكن الابتزاز الذي يمارسه هؤلاء الوزراء على الحكومة – بتهديدهم بالاستقالة في حال إقرار هدنة – يمنحهم وزنًا يفوق حجمهم السياسي الفعلي.
أما الهدف المعلن المتمثل في نزع سلاح حماس، فلطالما تكرر. لكن قدراتها العسكرية قد دُمّرت إلى حد كبير، كما قُتل معظم قادتها. صحيح أن الحركة ما تزال تمتلك وسائل بدائية وتواصل التجنيد، لكنها عاجزة عن تسليح المجندين الجدد بسبب انقطاع سبل التزود بالسلاح. وبالنتيجة، فإن القطاع منزوع السلاح فعليًا. بالمقابل، ما لن تتمكن إسرائيل من فعله هو القضاء على الحركة نفسها. وهناك أيضًا سؤال يبقى مطروحًا: إلى أين سيذهب الفلسطينيون في مدينة غزة الذين يقترب عددهم حاليا من مليون نسمة، وعلى الجيش الإسرائيلي إجلاؤهم لتمشيط المنطقة؟
الضغط الدولي
وتابعت الباحثة الفرنسية القول إن هناك إشكالية أخرى في هذا المخطط تتعلق بمستقبل حكم القطاع. فالسلطات الإسرائيلية لطالما أرادت أن تختار بنفسها محاوريها من الفلسطينيين، على غرار إنشاء مجموعات من المتعاونين عُرفت بـ”روابط القرى” في سبعينيات القرن الماضي. هذه الاستراتيجية فشلت – وهي محكومة بالفشل – لأن أي فلسطيني يقبل بها سيُعتبر متعاونًا. كذلك، لن يتقدم أي بلد عربي لتولي إدارة القطاع، وبأي حق قد يفعل ذلك؟ فنضال الفلسطينيين يتمحور حول انتزاع الاعتراف بحقوقهم وسيادتهم؛ وتجاوز هذه النقطة يعد ضربًا من العبث.
تحليل هذا المخطط يوضح أن الحرب على غزة ذات بعد سياسي بالدرجة الأولى، ولا تملك تفسيرًا عسكريًا، تقول أنييس لوفالوا، مُضيفةً أن الموقف الذي عبّر عنه كبار القادة العسكريين، وخاصة رئيس الأركان إيال زامير، الذي أبدى معارضته لعملية برية، يؤكد ذلك. فقد حذّر الأخير الوزراء من خطر الوقوع في فخ حماس، حيث إن التدخل في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، حيث يُحتمل وجود الأسرى، يعني الحكم عليهم بالموت.
يرى “منتدى عائلات الأسرى” أن احتلال القطاع بالكامل يمثل حكمًا بالإعدام على من بقي منهم على قيد الحياة. وأضاف أن قرار المجلس الوزاري بالشروع في احتلال قطاع غزة هو إعلان رسمي بالتخلي عن الرهائن، مع تجاهل تام للتحذيرات المتكررة من المستوى العسكري والرغبة الواضحة لغالبية الرأي العام في إسرائيل”. علاوة على ذلك، قد تستمر العملية العسكرية لأشهر، في وقت يرفض فيه العديد من جنود الاحتياط العودة إلى وحداتهم، بينما باتت المؤسسة العسكرية منهكة.
وعليه – تقول أنييس لوفالوا – يمكن التساؤل عما إذا كان نتنياهو لا يلعب ورقته الأخيرة للهروب من الملاحقات القضائية. خصوصًا وأن الضغط الدولي يشتد عليه، مع مبادرة الرئيس ماكرون للاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر، والذي تلاه في ذلك عدة بلدان مثل المملكة المتحدة وكندا والبرتغال. قد يدفع تطرّف الحكومة الحالية الدول التي ما زالت مترددة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يزيد من عزلة إسرائيل. والقرار الذي اتخذته ألمانيا يوم الجمعة 8 آب/أغسطس، بوقف تصدير الأسلحة التي يمكن لإسرائيل استخدامها في غزة، يوضح أن الوضع لم يعد يُحتمل، حتى بالنسبة لأقرب حلفائها.
وحين يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي لضغط، يلجأ إلى أسلوب الإلهاء، ما يسمح له بمواصلة هدفه: جعل حياة الفلسطينيين في القطاع غير قابلة للعيش ودفعهم إلى الرحيل. وفي الأثناء، تواصل القنابل السقوط على غزة، وتدخل المساعدات الإنسانية بالقطارة، حين لا تتحول إلى سلاح قاتل، بينما المجاعة تحصد الأرواح. إلى متى سيستمر هذا؟ تختتم أنييس لوفالوا.