اخبار

بشأن «الجزيرة».. – سما الإخبارية

بشأن “الموقف” من “فضائية الجزيرة”، كان يمكن الذهاب إلى وسائل أخرى أكثر مهنية وأكثر انسجاما مع القانون المعمول به في فلسطين، وبالتالي الحصول على مشهد مختلف للمشهد المؤلم المتداول الذي يقدم ضابطا فلسطينيا شابا، كان مهذبا وهادئا، وهو يدخل مكاتب الفضائية في رام الله ويسلم مراسلتها “نجوان سمري”، وهي بالمناسبة صحافية ناجحة، قرارا بإغلاق المؤسسة، مؤقتا، ورقة القرار غير المطوية الممهورة بأختام وتوقيعات كثيرة، والمشتملة في المتن على مسببات القرار وحيثياته.

كان يمكن إنقاذ وزارة الثقافة، مثلا، وعدم زجها في مثل هذا الإجراء الأمني، وترك الأمر للنائب العام والقضاء، في بلد تحت الاحتلال الفعلي ويتصدى إعلاميوه، البلد، لواحدة من أشرس الهجمات على دورهم جسديا ومهنيا من قبل الاحتلال ومن بينهم، دون شك، صحافيو الجزيرة نفسها، حملة يتعرض فيها الصحافيون الفلسطينيون إلى عملية إبادة ومطاردة لهم ولعائلاتهم بالطائرات وبنادق القناصة، وفي مساحة يتواجد فيها عشرات الوكالات والمراسلين الإعلاميين ومندوبي الصحافة العربية والعالمية على اختلاف اتجاهاتهم، وفي خضم حملة لحماية الصحافيين وإدانة الحملة الدموية ضدهم.
كان يمكن التقدم، في حالة تعذر الحوار، إلى القضاء والاحتكام إلى مجريات قضائية واضحة ومهنية… إلى آخر هذه الإمكانيات المتوفرة والتي تتمتع بالمهنية والحكمة، ولا تذهب مذاهب الغضب والتسرع وردّات الفعل.
قناة الجزيرة ليست عدوة الشعب كما يوحي نص قرار الإغلاق، ومراسلوها لا يفتقرون للوطنية والمهنية كما حاولت أن تصنفهم الحملة التحريضية التي سبقت قرار الإغلاق ومهدت له، نحن أمام مؤسسة استطاعت أن تحقق حضورا عالميا ونسبة مشاهدات استثنائية، وهو أمر لا يمكن حصره بالإمكانيات الكبيرة والتمويل المفتوح، ولكنه يعتمد، إضافة لذلك، على مهنية واحتراف ولغة، وقراءة عميقة للجمهور المستهدف، والقدرة على الوصول إلى الحدث.
ثمة فضائيات ثرية كثيرة في الفضاء المحيط بنا وفوقنا وحولنا ولكنها تفتقر إلى هذا الحضور.
ليس كل حضور شعبي شعبويا.
هل تعكس برامجها وخطابها اتجاها محددا؟ صحيح والحقيقة أنني أجده مبالغا فيه في أحيان كثيرة، ويمكنني أن أذهب أبعد من ذلك حول بعض المحللين بحيث أنتقل إلى محطة أخرى بمجرد ظهورهم على الشاشة.
ليس ثمة وسائل إعلامية محايدة بالمعنى الساذج للحياد، إذ إن الغاية من الإعلام هو تقديم وجهة نظر، وهو ما ينطبق بقوة على إعلامنا الرسمي وفضائيتنا التي تبالغ في رسميتها حد استدعاء والتسبب بهجرة المشاهدين.
هل أدافع عن الجزيرة؟ ليس تماما، ولكنني أدافع أولا عن حق المشاهد في الاطلاع والحكم، وعن حقه في عدم مصادرة وعيه والتصرف باسمه والاستعلاء على إدراكه، عن حقه في أن يتمتع بالثقة، الثقة بقدرته على الاختيار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى