بعلم نتنياهو: أن ترامب يريد إغلاق ملف غزة ..مصطفى إبراهيم

يبدو أن ثمّة توافقًا بين رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إيال زامير ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على القبول بوقف إطلاق النار، إذ يدرك نتنياهو تمامًا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عازم على إغلاق ملف أزمة غزة، لأن استمرار الحرب يعطّل جدول أعماله الدولي المثقل.
توقّفت المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وجُمّدت المحادثات مع إيران، واستئنافها سيحتاج وقتًا ثمينًا. لا يرى ترامب أن إنهاء الحرب في غزة إنجاز تاريخي بحدّ ذاته، ولم يطلب من نتنياهو صراحة وقف إطلاق النار، لكنه يعتبر ان الحرب في غزة حجر عثرة يجب التخلص منه، كي يتفرّغ لدوره الجديد كـ«صانع سلام عالمي» ومرشّح محتمل لجائزة نوبل، كما يروّج بعض مستشاريه.
بدون وقف حرب الإبادة في غزة، ستظل أحلام ترامب الكبرى مجرّد شعارات. في هذه الأثناء، تمتلئ وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسريبات عن مقترحات قطرية ومصرية، إلى جانب مبادرات يروّج لها فريق نتنياهو لتسويق إنجازات وهمية لليمين المتطرف، وإحياء سراب العودة إلى مستوطنات غزة.
وحسب موقع أكسبوس الامريكي نقلاً عن ترامب أن إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة لإتمام وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً.
ورغم ما يُنقل عن قبول إسرائيلي مبدئي بالمقترح القطري المصري، فإن حماس لم تتراجع عن شروطها، انسحاب كامل، وقف الخرب، صفقة تبادل أسرى، وضمانات أمريكية صريحة. وهي شروط تضع ترامب ونتنياهو معًا أمام مأزق.
حسب صحيفة هارتس إن ترامب لا يمارس أي ضغط مباشر على حماس، غير انه قال أمس، آمل أن تقبل حماس هذا الاتفاق لأن الوضع لن يتحسن بل سيزداد سوءا، ومع أنه يضغط على نتنياهو الذي يدرك أن رضوخه لمطالب ترامب هو طوق نجاته الوحيد من أزماته السياسية والقضائية.
اليوم، يقف نتنياهو بين ترامب وجائزة نوبل. فلا الفلسطينيين سيقبلون بترحيل سكان غزة أو إعادة توطين اللاجئين، ولا القطاع سيتحوّل إلى منتجع استثماري يحمل اسم ترامب، كما حلم بعض مستشاريه. كل ما يريده ترامب هو ستار دخان يلتقط خلفه «صورة النصر»، ليقول لجمهوره إنه جلب السلام إلى الشرق الأوسط.
حتى المقترح القطري المصري لا يُسوَّق كحل وسط حقيقي، إذ لا يتضمن انسحابًا كاملاً أو ضمانات صارمة بعدم خرق الاتفاق. وإذا قرر ترامب أن هدنة مؤقتة تكفيه، فلن تشغله تفاصيل الضمانات ولا اعتراضات تل أبيب ولا تحفظات حماس.
في مقال للمحلل العسكري لصحيفة هارتس عاموس هرئيل قال: أن نتنياهو بات محاصرًا داخل البيت الأبيض نفسه. إذ جلس صامتًا حين أعلن ترامب استعداده للتفاوض مع إيران دون شروط مسبقة، ويعلم اليوم أن ترامب ينتظر منه «رد الجميل» لقاء التغريدات التي تطالب بمنحه عفوًا في محاكم الفساد، وضرب منشآت إيران النووية لصالحه.
إصرار ترامب والمكافآت التي قدمها لنتنياهو وحده هو الذي سيحسم إن كان وقف إطلاق النار سيحدث. كل شيء قد يُغلَق في زيارة واحدة: وقف نار، صفقة رهائن، إعلان تطبيع مع السعودية، وربما تفاوض مستقبلي مع لبنان أو سوريا، وخطة هشّة لحل الدولتين.
نتنياهو مستعد أن يوقّع على أي ورقة بأي ثمن، شرط أن ينجو من السجن ويعود إلى الانتخابات متسلّحًا بـ«إنجازات» تسوّقها ماكينته الدعائية: تحجيم إيران ومحورها، إطلاق رهائن، اتفاقات تطبيع جديدة. يراهن مستشاروه على أن أحدًا لن يتذكّر هجوم السابع من أكتوبر إذا جرفهم «تسونامي» التطبيع ووعود قطار السلام وخطوط السكك الحديدية. كل ذلك بثمن أمن مؤقت وذاكرة إسرائيلية قصيرة، وفقاً للمحلل السياسي الاسرائيلي.
وفي المقابل، يبقى التطرّف الصاخب الذي يمثّله بن غفير وسموتريتش يرفع شعار «الحرب الأبدية» على غزة، مع علمهم أن الحديث جدي عن تحرك الصفقة ولن يوقفها أحد.
زيارة نتنياهو المرتقبة الى البيت الابيض قد تكون دراماتيكية بكل المقاييس، لغزة، وللرهائن، ولمصير نتنياهو نفسه. فكما يقول بعض المعلقين في موقع واللا الاخباري، لا يقرّر نتنياهو شيئًا فعليًا؛ ترامب وحده من يقرّر ويفاوض ويبتزّ. فقد هاجم المفاعل النووي ليظهر بمظهر البطل، ثم فاوض إيران سرًّا. ضغط على إسرائيل لقبول هدنة مع حماس، أبرم اتفاقًا لوقف إطلاق النار مع الحوثيين دون إخطارها، فرض تقاسم النفوذ في سوريا ورفع العقوبات عن دمشق رغم احتجاج تل أبيب.
هكذا تبدو إسرائيل كما يحذّر بعض أصوات المعارضة الإسرائيلية، ورقة في يد زعيم نرجسي يصنع حروبه وهدناته حسب مصالحه. والخطر الأكبر أن مصير نتنياهو ، وحرب غزة معه، باتا معلّقين بمزاج ترامب الذي قد يتغيّر بين ليلة وضحاها.
ويبقى السؤال المفتوح: من سيدفع الثمن إذا قرّر ترامب فجأة أن يبدّل قواعد اللعبة مرة أخرى؟