بمرور 200 يوم من العدوان على مخيمات الضفة.. إبادة واعدامات ونزوح قسري ودمار ..

حولت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس شمال الضفة الغربية المحتلة إلى ما يشبه “مدن الأشباح” جراء العملية العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي منذ نحو 200 يوم وأحدث تدميرا واسعا للبنية التحتية وشق طرق جديدة على حساب منازل الفلسطينيين.
ويؤكد المواطنون بالمخيمات أنه لم يعد هناك أي مبرر لبقاء الجيش الإسرائيلي بعد أن نفذ عمليات قتل واعتقال طالت كافة عناصر الفصائل الفلسطينية، فيما يصفون استمرار وجوده بأنه جزء من مخطط لتصفية قضية اللاجئين وخلق بيئة طاردة لهم.
والأحد الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن قواته ستبقى منتشرة في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية حتى نهاية العام على الأقل.
وزعم كاتس أن “مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس هي بؤر للإرهاب، جرى تمويلها وتسليحها من قبل إيران لتكون جبهة أخرى ضد إسرائيل”.
وذكر أنه “خلال الأشهر الثمانية الماضية، نفذ الجيش الإسرائيلي هجوماً مكثفا، جرى خلاله إخلاء سكان المخيمات وقتل مسلحين وتدمير البنية التحتية التي تستخدمها الجماعات المسلحة”، على حد ادّعائه.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي “سيبقى داخل المخيمات في تلك المرحلة، على الأقل حتى نهاية العام، بموجب توجيهاتي”.
ومنذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في مخيم جنين أطلق عليها اسم “الأسوار الحديدية”، توسعت بعد أيام لمخيمي طولكرم ثم نور شمس.
** لا مبررات للبقاء
وفي حديث للأناضول، أكد فيصل سلامة رئيس اللجنة الشعبية لمخيم طولكرم، أن “الاحتلال دمر المخيمات بالكامل والحياة صعبة فيها للغاية، والعودة لها هي الأصعب. قد نحتاج سنوات لإعادة الإعمار”.
وأضاف أن “الاحتلال وخلال العملية العسكرية المستمرة عمل على تصفية خلايا المقاومة والتمثيل بهم وقتلهم بالرصاص والقصف”، مؤكدا أن “عمليات القتل طالت أطفالا ونساء، واعتقال عدد كبير من الفلسطينيين”.
وتابع: “لا مبرات للبقاء واستمرار العملية العسكرية، لكن الاحتلال يخلق المبررات والذرائع لتنفيذ مخطط أمني عسكري”.
وبيّن أن الجيش استطاع تغيير معالم المخيم، معتبرا أن “الهدف الأساسي لم يكن تصفية شباب المقاومة الذين يدافعون عن مخيمهم أمام آلة القتل والتدمير الإسرائيلي بل تهجير المواطنين”.
وقال: “نجح الاحتلال في تغيير معالم المخيم وإعادة هيكلته لكن لن يستطيع تغيير التاريخ، المخيم حكاية ورمز لحق العودة وسيبقى الشاهد على حلم العودة إلى أراضي 1948”.
وأكد أن الأمل كبير بالعودة والإعمار وتأهيل المخيم رغم ما يقوم به الاحتلال من تخريب وتدمير.
سلامة الذي يشغل أيضا منصب نائب محافظ طولكرم، لفت أن نحو ألفي وحدة سكنية دمرها الاحتلال في مخيمي طولكرم ونور شمس، بالإضافة إلى آلاف من البيوت التي لحق بها الخراب والتدمير الجزئي والحرق.
وتابع: “المخيمات اليوم بلا بنية تحتية كاملة، وتحتاج إلى بنية تحتية جديدة كاملة من اتصالات وكهرباء ومياه وصرف صحي وشوارع”.
وأشار إلى أن 25 الف فلسطيني نزحوا من مخيمي طولكرم ونور شمس.
وبحسب معطيات اللجنة الإعلامية لطولكرم (غير حكومية)، دمّر الجيش الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على مخيمي طولكرم ونور شمس في طولكرم أكثر من 600 منزل تدميرًا كليًا، فيما لحقت أضرار جزئية بنحو 2573 منزلًا.
ويندرج ذلك ضمن مخطط أقرته إسرائيل في مايو/ أيار الماضي، يقضي بهدم 106 مبان بذريعة فتح طرق وتغيير معالم المنطقة.
ويشمل المخطط 58 مبنى في مخيم طولكرم وحده، تضم أكثر من 250 وحدة سكنية وعشرات المنشآت التجارية، إضافة إلى 48 مبنى في مخيم نور شمس، بحسب بيانات صادرة عن محافظة طولكرم.
** “إعدام” مخيم نور شمس
بدوره، قال رئيس اللجنة الشعبية لمخيم “نور شمس” نهاد الشاويش، إن “الاحتلال الإسرائيلي أعدم المخيم من جميع النواحي”، مشيرا إلى أن استمرار العملية العسكرية يهدف إلى جعل المخيمات بيئة طاردة وغير صالحة للسكن، ودفع الناس للبحث عن بدائل”.
وأوضح الشاويش للأناضول أن “الهدف الأسمى للاحتلال يتمثل في إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تمثل المخيمات رمزا لها”.
وأضاف أن النازحين يعيشون أوضاعا قاسية بلا مقومات أساسية، إذ أُجبروا بقوة السلاح على مغادرة منازلهم خاليي الوفاض، وتلقوا بعض المساعدات التي لا تفي باحتياجاتهم.
وتابع: “الأمور تزداد سوءا، والاحتلال يمعن في تدمير كل ما هو حي في المخيم”.
وأكد أن استمرار العملية العسكرية “ليس له أي بعد أمني كما يدعي الاحتلال، بل هو مشروع سياسي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وفرض أمر واقع جديد في المخيمات وقبول شروط الاحتلال”.
وشدد الشاويش على أن الفلسطينيين في المخيمات يرفضون أي شروط إسرائيلية، حتى وإن كان ذلك يعني بقاء الجيش الإسرائيلي فيها لسنوات، مؤكدا: “لن نساوم على حقوقنا”.
وأشار إلى أن إسرائيل ترفض السماح بإعادة بناء المنازل المدمرة في المخيمات، موضحا أن جميع بيوت مخيم نور شمس اليوم باتت غير صالحة للسكن، إذ دُمّرت كليا أو جزئيا، أو أُحرقت وتعرّضت للتخريب.
ومن على تلة مقابلة للمخيم، يبدو المشهد أوضح؛ فقد قسّمت إسرائيل المباني إلى مربعات سكنية بعد شق طرق واسعة على حساب منازل الفلسطينيين.
وتتسم جغرافية المخيمات بالبناء المتلاصق والشوارع الضيقة والأزقة، فيما شهد مخيما طولكرم وجنين مشهدا مشابها، حيث شُقّت الشوارع وقُسمت إلى مربعات سكنية.
ورصد مراسل الأناضول تسلل بعض سكان مخيم نور شمس إلى منازلهم الواقعة على أطراف المخيم، حاملين معهم مقتنيات أساسية.
ويقول أحد أهالي المخيم رافضا الظهور أمام الكاميرا: “نحاول الوصول إلى منازلنا في بعض الأوقات لجلب ما نستطيع من مقتنيات ضرورية، نحن نعيش بلا شيء، والاحتلال يواصل العمل داخل المخيمات”.
ولا تزال قوات إسرائيلية تتمركز في بعض مباني المخيمات.
** واقع مماثل في مخيم جنين
وبحسب اللجنة الإعلامية لمخيم جنين (غير حكومي)، فإن الجيش الإسرائيلي هدم منذ بدء العدوان أكثر من 620 منزلا بشكل كامل، فيما تضررت بقية المنازل بشكل جزئي وأصبحت غير صالحة للسكن.
وتسبب العدوان في نزوح قرابة 22 ألف فلسطيني بشكل قسري، وأجبرهم الاحتلال على مغادرة منازلهم، ويمنع عودتهم إليها حتى اللحظة.
وبموازاة حرب إبادة ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة بدعم أمريكي، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1014 فلسطينيا، وأصابوا نحو 7 آلاف آخرين، إضافة لاعتقال أكثر من 18 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية.
فيما خلّفت الإبادة بغزة 61 ألفا و776 شهيدا و154 ألفا و906 جرحى فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 239 شخصا، بينهم 106 أطفال.